أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عبد القادر رابحي:سفينة غزة..ماذنبها ياجدار؟

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي عبد القادر رابحي:سفينة غزة..ماذنبها ياجدار؟

    نقف هنا أمام ضمير "الأنا الشّمولي "الذي يتشاطر أفراده قيَّما مشتركة في الوجود،تؤطِّرها الفلسفة /المذهب/الواحدة ..وما ضمير" الأنا" المتكلِّم إلا رمز"النّحن "الجماعية الّتي تقتسم تفاصيل الحياة ،ويجمعها المصير الواحد..
    إنّه ديوان معتّق بكلّ أطياف الجمالية الفنّيّة ،ينأى عن المباشرة إلى الرّمز المخضّب بالإيحائية والتّلميح ..يترفّع عن السّطحية ،ويسبر أغوار الأعماق لينفذ إلى باطن المتلقّي ..مشحون بمشاعر دافقة فيّاضة ،تثير الوجدان ،وتستفزّ الأحاسيس ..تنقاد فيها الأشكال انقيادا لخدمة المضامين..


    الأستاذ الشّاعر النّاقد :عبد القادر رابحي..

    ديوان :"الســــفينة والجــدار"..

    يقع في 95 صفحة من الحجم المتوسّط،يضمّ 22قصيدة ، معظمها من العمودي..في طبعة أنيقة جذّابة..
    عبد القادر رابحي :سفينة "غزّة" ..ماذنبها ياجدار؟
    قراءة في العنوان ،وعلاقته بكلّ قصائد الدّيوان..

    إنّ "سفينة "الشّاعر هنا سواء أكان هو نفسه ربّانها في بعض قصائده ،أو مجرّد مسافر فيها في أخرى ،دائما تصطدم بأمواج عاتية توقف سيرها ،وتشلّ حركتها أو تقلبها فتغرقها .فمثّلت أمواج الدّنيا المعارضة للسّير رمز "الجدار"،في البرِّ وفي البحر.

    فالرّيّاح ـ دائما في الديوان ـ تسير بما لا تشتهي السّفينة ،لِيجدَ الشّاعر نفسه دائما في مواجهة اتّجاه معاكس ..إنّها الحظوظ التّعيسة بفعل القدر المكتوب المخالف للرّغبات الإنسانية الّتي أخلّت بشروط نواميس الكون ،وقوانين نظام التّواجد ،وإثبات الذّات ،وتمكينها داخل نسيج بشري متناقض الأبعاد ،يقوم على الصِّراع ،وفكر الهيمنة لتبرير الغلَبَة والحاكمية الّتي ترتكز على القمع ،وإلغاء الآخر..وباعتبار الشّاعر ممثّل حياة اجتماعية يتقلّب في محيطها ،حامل رسالة حق،وخير،وجمال ،يؤطِّره منهج قويم متناسق المجالات في الوجود ،وباعتبار مقوّماته الثقافية الذّاتية من مقوِّمات مجتمعه،فقد وضعنا أمام مجتمع يعيش في محيطه ،في إقليمه ،في مذهبه.يحاول أن يستأنف سير حياته الطّبيعي ،لكنّه يصطدم بمثبِّطات وعوائق معارضة .وتبقى المحاولات متكرِّرة ،والاستراتيجيات متنوِّعة في إعادة الكرّة تلوى الأخرى ..ولا استسلام حتى النّصر..
    هكذا يخبرنا ديوانه :"السّفينة والجدار"..

    إنّك تقف في قصائد هذا الدّيوان على هندسة بديعة التّشكيل ،خطوطها محكمة الرّبط ،تشكِّل نسيجا مشهديا بارعا..
    إليك هذه المقطوعة من :

    "يا ويح ليلى "
    /تأوّهات الألم الضامر/


    ليلى تنادي بملء الجرح يا عربا ......كأنّما العرب في آذانهم صمم
    الشّاربون طقوسا ليس تسكرهم ......والعابدون عجولا ليس تنتقم
    والخائضون حروبا في عشيرتهم ......والزّاجرون بنار الصّمت شعبهم
    والتّائهون كأشــــــلاء مبعثرة ........فكم تهاووا وكم زلّت لهم قدم
    وكلّ راعٍ غريب في رعيّتــه..........وكلّ ذئب قد انقادت له الغنم
    ولاتبالي حشود العرب قاطبة.........أن تذهب الأرض أو أن يسقط العلم


    تتشكّل الأفكار داخل خيط رفيع الدّقّة ،مستجدية حباكة ثوب القصيدة الواحدة القشيب،جزئيات صغيرة متراصّة ،مترابطة ،لِتُعْطي القصيدة كاملة حلقة لؤلؤية لصيقة ،متتابعة ،مع باقي حلَقات القصائد ليتكوّن كلّها منها عنوان الديوان:"السفينة والجدار"..حتى حقّ لنا تشبيه الديوان بـسلسلة ذهية مزخرفة بالألماس ،موشّحة بنقوشات لايتقن صنعها إلا الشاعر..ليتفرّد عن غيره بإبداع لم أقرأ له مثيل..
    إنّك في كلّ قصيدة تمتطي سفينتك ..وتصطدم بجدار..
    لتثبت حالة الشّاعر النّفسية متردِّدة بين المحاولة والفشل،التّكراروالمجابهة ،والسّقوط والتّسلّق،واليأس والأمل..والحياة كلّها ـ فرديا أو جماعيا ـ لا تخلو في عمومها من مكابدة وعناء ،مصائب ومصاعب،منع واختراق..

    وهذه كلّها دلالات تصدّي الشاعر /المجتمع/للموبقات المفروضة بكلِّ ما أوتي من قوّة ،وصمود ،ورغبة في مواجهة الأخطار حتّى..لحظة الانتصار..
    وعنوان "السفينة والجدار "مهداة /إلى شهداء غزّة/،تأتي الثّامنة في التّرتيب لكنها تتوسّط الديوان،وكأنّها هي المحور المركزي الّذي يفجِّر "دراما المنع والصّدّ"الّتي تعمّم ـ في كلّ القصائد ـ على كلّ القضايا العربية الإسلامية المصيرية..
    إنّ نسقيّة القصائد ،وتعاضد أركانها ،وما ترفل به من جماليات فنّيّة ،ومعانٍ جليلة ،تمنع تجزئتها ،وبعد تردّد بالغ اخترنا هذه الأبيات من القصيدة مصدر العنوان:2

    وباعوا في المزاد دما عزيزا ـ ـ ـ ببخس الأمنيّات ..وما أجاروا
    وساروا على دروب التّيه دهرا ـ ـ ـ على الأشلاء ..فانتصر الدّمار
    .....................
    فما بكت السّماء على يمين ـ ـ ـ يمنِّيهم ..ولاانتفض اليسار
    .....................
    أأسيــاد.. ويأمرهم عبيد ـ ـ ـ وأحرار.. ويأسرهم سوار
    وتجار بأشلاء الصبايا ـ ـ ـ وثوار ..وليس لهم قرار؟
    وأحبار إلى الفتوى ..سراعاـ ـ ـ وأنصار..وفاتهم القطار ؟
    .................
    وما بال السّفينة في حداد ـ ـ ـ وتنبذها الموانئ والبحار؟
    .................
    وأسرار تفيض بألف حرف ـ ـ ـ وأنهار يبوح بها الجدار
    فشقّ طريق مجدك للثّريّا ـ ـ ـ ودم في العزِّ ما بقي الحصار


    لتظهر "غزّة "بنهجها الشّريف هي بؤرة التّأزّم في صراع أبدي وقع فيه "المصدر مغلوبا ،محاصرا،ممنوعا من استئناف حياتهالأصيلة .ولاضير ـ بعد ذلك ـ أن تقع كلّ قصائد الديوان في زمرة "الممنوع من الصّرف".
    وإذا بفلسطين هي ملتقى كلّ وهنٍ عربيٍ.هي الدّائرة المركزية التي تشدّ بخيوطها سردية قصّة النّهوض العربي الإسلامي الذي مهما حاول الخلاص من ضعفه خارجها لن يجد منفذا ..لتشكّل فلسطين كلّها جدار صدٍّ في وجه السّير الحضاري الرِّسالي..وكأنّه لااستئناف لسير دون تحرير فلسطين ،وتخليصها من ربقة العبودية التي ظلت ترزح تحت نيرها أزيد من ستّة عقود زمنية .ليشحن الدّيوان كلّه برسالة بليغة تفسِّر أسباب السّقوط العربي في حياة الفرد والمجتمع ،وكأنّ الشاعر يصرّ أصرارا على ربط العربي بفلسطين ..وهي قمّة الوعي ،وقامة التّحرر الفكري والوجداني ..

    إنّ هذه النّمطيّة المحكمة البناء ،ذات اللّبنات المتّسقة تُغذّي القارئ دائما بأباريق الأمل في إمكانية تعريّة الأخطاء ،ومواجهة الذّات ،وتصحيح العيوب قصد الارتقاء فيما يلي من محاولة عسى أن تكتملَ شروط مشاهد حياة النّصر ،وامتلاك مكان في ظلِّ ،تحت شجرة الحياة العربية الإسلامية عامة يشاطرها الشّاعر نفس المذهب ،وسط عالم لا يرحم ضعيفا، حينما يؤزّر الحزم بالظّفر..
    نقف هنا أمام لغة فصيحة ،مألوفة ،اصطفّت ألفاظها في أسلوب أنيق جذّاب ..تقرؤها ،تفهم ظاهرها ..تبحث عن معانيها فلا ينجدك إلاّ التّأويل لما تتّصف به القصائد من غور في صلب المعاني ،وهو سبب انفتاح كلّ قصائد الدّيوان على القراءات اللامحصورة ..
    هنيئا لنا بشاعر مثل هكذا شعر..
    وهو مثال تفاني شعراء العرب في نصرة فلسطين..

    ملاحظة:
    للشاعر دواوين سابقة مطبوعة منها:

    1ـ حنين السّنبلة:منشورات الاختلاف.
    2ـ الصّعود إلى قمّة الونشريس:دار الغرب.
    3ـ على حساب الوقت:دار الغرب
    4 ـ السّفينة والجدار :منشورات ليجوند 2009.
    5 ـ كتاب قيِّم في النّقد المعاصر :النّص والتّقعيد :في جزأين :دار الغرب.

    إحالات:
    1ـ عبد القادر رابحي :السفسنة والجدار .منشورات ليجوند./قصيدة :ياويح ليلى .ص45.
    2ـ ن.م.س.قصيدة :السفسنة والجدار .ص49. </b></i>
    __________________
    قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ:

    "لايكون أحدكم إمّعة ،يقول :
    إن أحسن النّاس أحسنت ،وإن أساؤا أسأت.
    ولكن وطِّنوا أنفسكم:إن أحسن النّاس أن تحسنوا ،وإن أساؤا أن تجتنبوا إساءتهم".

    وصاغها شاعر :
    وكُنْتُ إِذَا عَلِقْتُ حِبَالَ قَـــــــوْمٍ ـ ـ ـ صَـــحِبْتَهُمُ وَ شِيمَتِيَّ الْوَفَــاءُ
    فَاُحْسِنُ حِينَ يُحْسِنُ مُحْسِنُوهُمْ ـ ـ ـ وَ أَجْــتَنِبُ الإِسَاءَةَ إِنْ أَسَاؤا

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الأستاذ القدير / معروف آل جلول

    دراسة رائعة و ابحار جميل في ديوان شاعرنا الكبير عبد القادر رابحي ، تمكنتُ من
    ملامسة روحه رغم عدم قرائتي بعد له ، و أجدني متلهفا للحصول عليه في القريب العاجل لأمتع النظر و الذائقة به ، خصوصا بعد هذه الوقفة التأملية منك و الوصف الرائع له .

    صدقا أتمنى أن أجده بمكتبات قسنطينة .

    أستاذي الكريم معروف دمت بكل عطاء و روعة

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الأستاذ القدير / معروف آل جلول

    دراسة رائعة و ابحار جميل في ديوان شاعرنا الكبير عبد القادر رابحي ، تمكنتُ من ملامسة روحه رغم عدم قرائتي بعد له ، و أجدني متلهفا للحصول عليه في القريب العاجل لأمتع النظر و الذائقة به ، خصوصا بعد هذه الوقفة التأملية منك و الوصف الرائع له .

    صدقا أتمنى أن أجده بمكتبات قسنطينة .

    أستاذي الكريم معروف دمت بكل عطاء و روعة

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـام
    أخي القدير ..هشام عزاس..
    سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
    شكرا على القراءة المتأنية التي كشفت عن جمال الديوان..
    سأبلغ شاعرنا عبد القادر رابحي إن وجدت عنده نسخة ليرسلها عبر الأصدقاء المترددين على قسنطينة..
    دمت بكل خير وود..
    صادق تحياتي..

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جلال الصقر مشاهدة المشاركة
    أديبنا المبدع أخي الحبيب جلول ☺
    طال غيابك عنا
    الحمد لله أنك بخير
    سعدنا بتقديمك الرائع لديوان شاعرنا الكبير عبد القادر رابحي
    أرجو أن تكونوا جميعا بخير

    ولن أفوت هذه الفرصة لأحملك أمانة تبليغ السلام للإخوة
    عبد القادر رابحي و محمد الأمين السعيدي و المجذوب
    فنحن في شوق لكم جميعا و لحرفكم الرائع والخلاب ..
    و أرجو أن يكون المانع خيرا ..

    وافر ودي وتقديري


    أخي الحبيب ..الشاعر البارع..جلال..
    انشغال علمي يمنعني من التواجد الدائم ..
    اشتقت إليكم كثيرا..
    شكرا على المرور الكريم..
    وسنبلغ إخواننا سلامكم..
    الأستاذ عبد القادر عبر من هنا ..
    يطالب بعنوانيكما أنتم ..وأستاذنا القدير ..هشام عزاس..
    ليبعث لكما الديوان..
    بالغ تقديري..

المواضيع المتشابهه

  1. مساجلة هاتفية مع الأستاذ رابحي عبد القادر....
    بواسطة محمد الأمين سعيدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 03-04-2007, 11:03 AM
  2. سيزيف .. إلى رابحي عبد القادر
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 04-01-2007, 02:44 PM
  3. رحبوا معي بالشاعر الكبير رابحي عبد القادر...
    بواسطة محمد الأمين سعيدي في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-09-2006, 10:41 PM