أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: همسات الأعلام ، في همزات الأعلام

  1. #1
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي همسات الأعلام ، في همزات الأعلام

    هَمَسَاتُ الأعْلامِ ،
    في هَمَزَاتِ الأعْلامِ



    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين ،
    والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .

    وبعد ...

    يقول العبد المفتقر إلى رحمة مولاه ، الراجي رحمة ربه ورضاه ، سعيد بنعياد ، لطف الله به ، آمين :

    لفتتْ نظري قاعدةٌ تكاد تُجْمِع عليها كتُب الإملاء المعاصرة ، تقول : (إن همزة الوصل تتحول إلى همزة قطع ، إذا انتقلتِ الكلمةُ إلى العَلَمِيّة ، بصرف النظر عن كوْنِها في الأصل حرفًا أو فِعْلاً أوِ اسْمًا ؛ نحو : «أَلْ» [إذا قُصِدَ بها اسْمُ الأداةِ] ، و«إِزْرَعْ» [بلدة سوريّة] ، و«إِبْتِسام» [اسم امرأة] ، و«يوم الإِثْنَيْن» ) .

    والذي فهِمْتُه من كلامٍ لسيبويه : أن قَطْعَ الهمزة إنما يكُون عند الاِنتقال إلى الاِسْميّة ، بأن تكُون الكلمةُ في الأصل حرفًا [كـ «أَلْ»] أو فِعلاً [كـ «إِزْرَعْ»] . وأمّا ما كان في أصله اسْمًا ، مصْدَرًا [كـ «ابْتِسام»] أو غيْرَ مَصْدَرٍ [كـ «يوم الاِثْنَيْن»] ، فلا تُقْطَع همزتُه .

    وقد طرحْتُ في هذا الشأن سؤالاً في أحد المنتديات الأدبية ، فوجدتُ الأستاذ القدير عليًّا المعشي يُوافقني فيما ذهبتُ إليه .

    ثم شرعتُ أبحث في المسألة ، فأدهشتني كثرةُ النصوص التي تُخالف الرأيَ الشائع عند المعاصرين ، ولعلّ ما خفي عني أكثر .

  2. #2
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي


    مقدمة :



    تنبيهات ضرورية


    قبل عرض ما عثرتُ عليه من نصوص ، أو لِنَقُلْ : مِن هَمَساتٍ لكبار أعلام النحو العربي (تفاؤلا بأن تستجيب الآذانُ لها استجابتَها للكلام اللطيف المهموس) ، يُستحسَن لَفْتُ الاِنتباه إلى أربع مسائل لا بدّ من مراعاتها عند مناقشة هذا الموضوع :

    الأولى : ليس الأمر هنا مجرّد خلاف إملائي حول كتابة الألف بهمزة أو بغير همزة ؛ وإنما الخلافُ أساسا حول النطق الصحيح لهذه الأعلام .

    فالخلافات الإملائية مجرّد آراء قابلة للنقاش حول طريقة كتابة الكلمات ، لا تؤثر في طريقة النطق ولا في قواعد النحو والصرف . فحين يختلف كُتّابُنا مثلاً في «يَقْرَؤُون» و«يَقْرَءُون» و«يَقْرَأُون» ، لا يؤثر اختلافُهم هذا إطلاقا في طريقة النطق ولا في قواعد النحو والصرف ، حتى الذين يكتبون «يَقْرَؤُن» يُوجِبون التلفُّظ بالواو المحذوفة رسْمًا . فكيفيّاتُ الرسمِ متعددة ، ولكنّ كيفيّةَ النطق واحدة . وهذا بالطبع لا يمنعُنا من ترجيح هذا الرسم على ذاك .

    أما حين يختلف كُتّابُنا في «رأيْتُ إِبْتِسامَ» و«رأيْتُ ابْتِسامَ» ، أو في «يوم الإِثْنَيْن» و«يوم الاِثْنَيْن» ، فهذا يُؤثِّر حتْمًا في طريقة النطق ؛ لأنّ وضع الهمزة تحت الألف يترتّب عليه النطق الآتي : [رَأَيْتُ إِبْتِسَامَ] [يَوْمُ لْإِثْنَيْن] ، وعدم وضعها يترتّب عليه النطق الآتي : [رَأَيْتُــبْتِسَامَ] [يَوْمُ لِـثْنَيْن] .

    فلا مجال هنا للحديث عن الرغبة في «توحيد القاعدة الإملائية» أو «التقليل من التعقيد الإملائي» أو «تيسير التمييز بين العَلَم وغير العَلَم» أو ما شابه ذلك ؛ إذِ المسألة لا ترتبط بـ «علم الإملاء» بقدْر ما ترتبط بـ «طريقة النطق الصحيحة» .

    الثانية : إذا صحّ القول : إن التسمية بنحو «إِبْتِسام» أوِ «ابْتِسام» كانت في عصر سيبويه مجرّد افتراض نظريّ ، لا يكاد يُوجَد له تطبيق فِعليٌّ على أرض الواقع ، فإن هذا لا يصدُق إطلاقا على «يوم الإِثْنَيْن» أو «يوم الاِثْنَيْن» ، لأن تسمِيَتَه معروفةٌ عند العرب من زمان ، متداولةٌ بينهم بشكل ملحوظ ، وليس لسيبويه ولا لغيره من القدماء - فبالأحْرى مَن يُعاصِرُنا من المُحْدَثين - حقُّ تغيير طريقةِ نطقهم لها .

    الثالثة : لا يجوز الاِحتجاج بأبيات الشِّعر في هذه المسألة ، لتأييد هذا الرأي أو ذاك ؛ لأن الشاعر قد يَقْطَعُ همزة الوصل ، أو يَصِلُ همزة القطع ، بحسب ما تقتضيه ضرورةُ الوزن .

    الرابعة : لا يجوز الاِحتجاج هنا بالطريقة التي ضُبِطت بها الألف في بعض كتب التراث المطبوعة ، لتأييد هذا الرأي أو ذاك ؛ لاِحتمال أن يكون الضبطُ من الناسخ أو من محقق الكتاب أو من المكلفين بالطباعة ، لا من المؤلِّف نفسه .

  3. #3
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الفصل الأول :



    هَمَسات تتعلق بالقاعدة العامّة المُتَّبَعة




    1- هَمْسة سيبويه


    يقول سيبويه في «الكتاب» [3/198] :

    ( وإذا سمَّيتَ رجلاً بـ «إِضْرِب» أو «أُقْتُل» أو «إِذْهَب» ، لمْ تَصْرِفْهُ ، وقطَعْتَ الألفاتِ حتَّى يَصِيرَ بمنزلة الأسماء ؛ لأنك قد غيِّرتَها عن تلك الحال . ألا ترى أنك ترفعُها وتنصِبُها ؟ وتَقْطَعُ الألف ؛ لآن الأسماء لا تكُون بألف الوصل . ولا يُحتجّ بـ «اسْمٍ» ولا «ابْنٍ» ؛ لقلّة هذا ، مع كثرة الأسماء ) .

    ثم يقول [3/199] :

    ( فإذا سمَّيتَ بـ «امْرِئٍ» رجُلاً ، تركْتَهُ على حاله لأنَّك نقلتَه مِنِ اسْمٍ إلى اسْم ،وصرَفْتَهُ لأنَّه لا يُشبِه لفظُه لفظَ الفعل . ألا ترى أنك تقول : «امْرُؤٌ» و«امْرِئٍ» و«امْرَأً» ، وليس شيءٌ من الفعل هكذا ؟‏

    وإذا جعلْتَ «إِضْرِب» أو «أُقْتُل» اسمًا ، لم يكُن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء ؛ لأنَّك نقلتَ فعلاً إلى اسم .ولو سمَّيتَه «انْطِلاقًا» ، لمْ تَقْطَع الألف ؛ لأنَّك نقلتَ اسمًا إلى اسم‏ ) .


    2- هَمْسة الزَّجّاج


    يقول أبو إسحاق الزَّجّاج في «ما ينصرف وما لا ينصرف» [19] :

    ( وإذا سمَّيْتَ رجلاً «إِضْرِب» أو «إِستَضْرَب» أو «إِحْرَنْجَم» ، ومعنى «احْرَنْجَمَ» : اجتَمَعَ ، فإنك تَقْطَع الألف ، فتقول : «هذا إِضْرِبُ قد جاءَ» ، وتَمْنَعُه الصرفَ لأنه على وزن الفعل وهو معرفة [أي : عَلَمٌ] .

    فأما قوله عزّ وجلَ : (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [الرحمن : 54] ، فإنما صُرِفَ لأنه نكرةٌ [أي : غيرُ عَلَمٍ] ؛ والألفُ مقطوعة .

    وإنما قطعْتَ الألف ، لأنك نقلتَ الأفعالَ إلى الأسماء ؛ وأصْلُ ألفاتِ الوصلِ للأفعال ، فلما أخرجْتَها إلى الأسماء أخرجْتَها إلى باب غير ألفات الوصل .

    فإن سمَّيْتَه «استِخْراجٌ» أو «استِضْرابٌ» ، وصلْتَ الألف ؛ لأن هذه الألف كانت في المصدر موصولةً كما كانت في الفعل موصولة ، فنَقلْتَ اسْما فيه ألفُ وصلٍ من معنى إلى معنى ، وكِلا المعنيَيْن اسْمانِ ، فتَركْتَ الألفَ على حالها .

    وإذا سمَّيْتَ رجلا «ابْنٌ» ، وصلْتَ الهمزةَ أيضا ، فقلت : «هذا ابْنٌ قد جاء» ) .

    تعقيب :

    يرى الزجّاج وبعضُ العلماء أن كلمة «إِسْتَبْرَقٍ» منقولة من الفعل الماضي «اسْتَبْرَقَ» ، ويرى آخرون أنها معرّبة من الفارسيّة «استبره» . ولَسْنا هنا بصدد مناقشة هذه المسألة .

    والذي يعنينا هنا : أن الزجّاج ربط قطْعَ الهمزة بـالإسْمِيّة ، لا بـالعَلَميّة ؛ بدليل إشارتِه إلى قطْعِها في «إِسْتَبْرَقٍ» وإن لمْ تكُن عَلَما .


    3- هَمْسة الصَّيْمَرِيّ


    يقول أبو محمد الصَّيْمَرِيّ في «التبصرة والتذكرة» [542-543] :

    ( وإذا سمَّيْتَ بقولك : «إِضْرِب» ، قطعْتَ ألِفَهُ ، ولمْ تَصْرِفْهُ في المَعْرِفةِ لوزن الفعل والتعريف [يقصد : العَلَمِيّة] ؛ تقول : «هذا إِضْرِبُ» و«مَرَرْتُ بإِضْرِبَ» . وإنما قطعْتَ ألفه ، لأنك نقلتَه من الفعل للاِسْمِ ، فوجب أن يَجْرِيَ عليه قياسُ الأسماء . وليس في الأسماء ألفُ وصل إلا في الأسماء المعدودة التي ذكَرْنا في باب ألف الوصل ؛ ولا يَلْزَمُ القياسُ عليها ، لقِلَّتها .

    وإذا سمَّيْتَ بِمَصْدَرٍ أوِ اسْمٍ مِمّا فيه ألفُ الوصل ، نحوُ : «اسْتغفارٍ» و«اقْتِدارٍ» و«امْرِئٍ» وما أشْبَهَ ذلك ، لمْ تَقْطَعِ الألف .

    والفرقُ بيْنَ هذا والأوّلِ : أنك في الأوَلِ نقلْتَ الفِعلَ إلى الاِسْم ، فوجب أن يَلْزَمَهُ ما يَلْزَمُ الاِسْمَ ؛وفي هذا إنما نقلْتَ اسْمًا إلى اسْمٍ ، فحُكْمُه باقٍ عليه ، لأنك لمْ تنقُلْه إلى غيْرِ بابِه ) .


    4- هَمْسة ابنِ مالك


    يقول محمد بن مالك في « الكافية الشافية» [شرحها : 3/1459] :


    وهَمْزُ وَصْلِ الفِعْلِ إنْ يَصِرْ سمَا *** يُقْطَعْ ، ويُمْنَعْ صَرْفُهُ كـ «إِعْلَما»


    واسْتَبْقِ وَصْلَ هَمْزِ ما قَدْ نُقِلا *** مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ كـ«اقْتِرابٍ» و«اعْتِلا»


    [ سَمًا ، وسُمًا ، وسِمًا ؛ بتثليث السين : اسْمًا ] .

    ويقول في شرحها [3/1466-1467] :

    ( وإذا سُمِّيَ بما أَوَّلُهُ همزةُ وَصْلٍ ، قُطِعَتِ الهمزةُ إنْ كانَتْ في منقولٍ من فِعْلٍ ، وإلاَّ استُصْحِبَ وَصْلُها .

    فيقال في «إِعْلَم» إذا سُمِّيَ به : «هذا إعْلمُ» و«رأيتُ إعلمَ» . ويقال في «أُخرُج» إذا سُمِّي به : «هذا أُخْرُجُ» .

    ويقال في المسمَّى بـ «اقْتِرَاب» و«اعتِلاَء» : «هَذا اقترابٌ» و«رأيتُ اقتراباً» و«هذا اعتلاءٌ» و«رأيت اعْتِلاءً» ؛ لأنه منقولٌ مِنِ اسميَّة إلى اسميَّة ، فلم يَتَطَرَّقْ إليه تَغَيُّرٌ أكثرُ من التعيين بعدَ الشِّياعِ .



    بخلافِ المنقولِ منَ الفعلية إلى الاِسميّة ؛ فإنَّ التسْمِيَة أحْدَثَتْ فيه - مع التَّعْيين - ما لمْ يكُن فيه ، من إعراب وغيْرِه من أحوالِ الأسماء . فَرُجِعَ به إلى قِياسِ الهمزِ في الأسماء وهو القَطْعُ ‏
    ) .


    تعقيب :



    من الواضح هنا أن عبارة «مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ» ، الواردة في بيت ابن مالك ، لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها ؛ إذ المقصود بها الاسم فقط ، دُونَ الحرف .



    وسنرى لاحقا كيف أدى الفهمُ التعميمي الخاطئ لمثل هذا التعبير إلى هدم القاعدة العامة التي وضعها القدماء ، في شأن التسمية بما أوّلُه همزةُ وصل .




    5- هَمْسة ابنِ عَقِيل




    يقول بهاء الدين بن عَقِيل في «المساعد على تسهيل الفوائد» [3/50-51] :



    ( (وتُقطَع همزةُ الوصل ، إن كان ما هي فيه فِعْلاً [هذا كلامُ ابن مالك]) : فإذا سمَّيْتَ بـ «إِنْطلق» ، قطعْتَ الهمزة ؛ لأن ما جاء من الأسماء بهمزة الوصل قليلٌ ، لا يُقاسُ عليه .



    وخرَجَ بالفعل : الاِسْمُ . فلو سمَّيْتَ بـ «انطلاق» ، لمْ تَقْطَع الهمزة ؛ لأنك إنما نقَلْتَهُ من الاِسميّة .وقال ابنُ الطراوة : تُقطع : لأن همزة الوصل إنما كانت فيه حين كان جاريا على الفعل [يقصد : مَصْدَرا] ، وقد خرَج عن ذلك بالعَلَمِيّة . ورُدَّ بأن العرب لم تُراعِ ذلك ، بدليل «هِبَة الله» عَلَمًا ) .



    تعقيب :



    يرى ابن الطراوة الأندلسي قطْعَ همزات المصادر المُسمى بها ؛ لخروجها عن مصدريّتها التي كانت السببَ في وصْل همَزاتِها .



    وقد احتجّ ابن عقيل في ردّه عليه بمسألة مشابهة ، تتعلق بقاعدة صرفيّة شهيرة ، تُجيز حذْفَ الواوِ من مصادر بعض الأفعال الثلاثية ، وتعويضَها بتاء متطرفة ؛ نحو : «وَعْد ، وعِدَة» ، و«وَعْظ ، وعِظَة» ، «وَوَهْب ، وهِبَة» . فهي قاعدة تخُصُّ الأسماء فقط . ولكن ، لمّا صارت «هِبَة الله» عَلَمًا ، بقيت على حالها ، ولمْ يُوجِبْ أحدٌ إثبات واوها ، بدعوى خروجها عن مصدريّتها التي كانت السبب في جواز حذف الواو .



    ويُفهم مما سبق : أن ابن الطراوة لا يقطع الهمزة إلا فيما سُمِّيَ به من المصادر ، دُونَ ما سُمِّيَ به من الأسماء العشرة (كـ «يوم الاثنين» مثلا) .




    6- هَمْسة ابنِ هشام




    يقول ابن هشام الأنصاري في «مُغْني اللبيب» [666] :



    ( ومِن هُنا قلت : (حرف التعريف «ألْ») ، فقطَعْت الهمزة .وذلك لأنك لما نقَلْتَ اللفظَ من الحرفيّّة إلى الاِسميّة ، أَجْرَيْتَ عليه قِياسَ همَزاتِ الأسماء ؛ كما أنك إذا سَمَّيْت بـ «إضرب» قطَعْتَ همزتَه ) .



    تعقيب :



    همسة ابن هشام هذه تطابق تمام المطابقة الرأيَ المُعبَّر عنه في الهمسات السابقة . فهو هنا يُعلِّل قطْعَ الهمزة بصَيْرورةِ الكلمةِ اسْمًا ، لا بصيرورتها علَما . فالعِبْرةُ بالاِنتقال من غيْرِ الاِسميّة (أي : من الحرفيّة أو الفعليّة) إلى الاِسميّة ، لا بالاِنتقال إلى العلميّة .




    7- هَمْسة السيوطي




    يقول جلال الدين السيوطي في «همع الهوامع» [3/233] :



    ( (و)يُرَدُّ همزُ (الوصل في فِعْلٍ قَطْعا) . فإذا سمَّيْتَ بنحو «إِنطلِق» ، قلتَ : «إِنطلِقُ» ، بقطع الهمزة ، لقلّة ما جاء من الأسماء بهمزة الوصل ، فلا يُقاس عليه ؛بخلافها في الاِسم ، نحو «انطلاق» ، فلا يُقطع ، لأنها ثبتت فيه وهو اسم لمْ يخرُجْ عن الاِسميّة .



    (قيل : أو اسم أيضا) ، وعليه ابنُ الطراوة ، فقال : تُقطع الهمزة في «إنطلاق» ) .



    تعقيب :



    أوْرَد السيوطي هنا الرأيَ الآخر بصيغة التمريض : «قيل» ، ونسبه إلى ابن الطراوة وحْدَه . فلا يَصِحُّ القول : إن السيوطي مخالف لسيبويه في المسألة ، كما ذكر بعضهم في أحد المنتديات الأدبية ،



    ومقتضى ما ذكره ابنُ عَقِيل (في الهمسة الخامسة) : أن كلام ابن الطراوة منحصر في المصادر فقط ، دُونَ الأسماء العشرة . ومعنى هذا : أن عبارة «أو اسم أيضا» ، الواردة في كلام السيوطي ، لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها .




    8 - هَمْسة الأزهري




    يقول الشيخ خالد الأزهري في «التصريح بمضمون التوضيح» [3/223] :



    ( وحُكْمُ همزةِ الوصل في الفِعْلِ المُسمَّى به : القطْعُ ؛ لأن المنقول مِن فِعْلٍ بَعُدَ عن أصْلِه ، فالْتَحقَ بنظائره من الأسماء ، فحُكِمَ فيه بقطْعِ الهمزة .



    بخِلاف المنقول مِنِ اسْمٍ ، كـ «اقْتِدار» ، فإن الهمزةَ تبقى على وَصْلِها بعد التسميَة ، لأن المنقول مِنِ اسْمٍ لمْ يبعُدْ عن أصله ، فلمْ يستحقّ الخروجَ عمّا هُوَ له ) .


  4. #4
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    9- هَمْسةٌ أُولى للصبّان



    يقول الشيخ محمد بن علي الصَّبّان في حاشيته على شرح الأشموني للألفية ، عند قول ابن مالك في باب «الكلام وما يتألّف منه» :


    بالجَرِّ والتَّنوينِ والنِّدا و«أَلْ» *** ومُسْنَدٍ : لِلاِسْمِ تمييزٌ حَصَلْ


    ( قَوْلُه (و«أَلْ») : المُرادُ لَفْظُ «أَلْ» . فهو حينئذٍ اسْمٌ همزَتُه همزةُ قطع ، كهمَزات الأسماء غيْرِ المُستَثْناة ، كما في شرح الجامع ) .

    تعقيب :

    همسة الصبّان هذه شبيهةٌ بهمسة ابن هشام ، المُعلَّق عليها آنفا . فالعِبْرةُ بالاِنتقال إلى الاِسميّة ، لا بالاِنتقال إلى العلميّة .


    10- هَمْسةٌ أُخرى للصبّان


    يقول الشيخ الصَّبّان في حاشيته ، عند قول ابن مالك في فصل «زيادة همزة الوصل» :

    وَهْوَ لِفِعْلٍ ماضٍ احْتَوَى على *** أكْثَرَ مِنْ أربعةٍ ، نَحْوُ «انْجَلَى»


    ( ثُمّ المُرادُ ، كما هو ظاهرٌ : الفعلُ الماضي وفِعلُ الأمر الباقيان على فِعْلِيَّتِهما ، و«أل» الباقيةُ على حرفيّتها . فلو سمَّيْتَ شخصا بشيء من ذلك ، أو قصدْتَ به لَفْظَهُ ، وجب قطْعُ الهمزة ، على قياس همزاتِ الأسماء الصِّرْفةِ غيْرِ العَشَرة ِالمُستثناة الآتية . وبقولنا : «الصِّرْفة» ، أي : التي ليست جاريةً مجرى الفِعْلِ لا يرد نحوُ «الاِنطلاق» و«الاِقتدار» و«الاِستخراج» .

    وإنما أبقيْتَ همزةَ الوصلِ على حالها ، فيما إذا سمَّيَْتَ أو قصدْتَ اللفظَ بنحو «الاِنطلاق» أوِ اسمٍ من العشَرة ، مع تغيُّر المعنى ؛ لأن الكلمة لم تُنقَل من قبيل إلى قبيل ، فاستُصحِب ما كان ؛ بخلاف مِثلِ «إنجلى» و«إستمع» و«إضرب» و«أل» ، فإن فيه نَقْلَ الكلمة من الفعلية أو الحرفية إلى الاِسمية . قاله الدّماميني ) .

    تعقيب :

    هذه موافقةٌ صريحةٌ للرأيِ الوارد في الهمسات السابقة .

    وأما قولُ الصبّان : ( قاله الدّماميني ) ، فإنما يدلّ على أمانته العلمية في الإحالة على المصدر المباشر الذي نقل عنه ، لا أقلّ ولا أكثر . فلا ينبغي أن يُفهَمَ منه عدمُ اقتناعِه بما نقَله ؛ إذ لو كان له رأيٌ مخالف ، لَسارَع إلى الإدلاء به هنا . ولا ينبغي أن يُفهَمَ منه أن الرأيَ المنقولَ مِنِ ابتكارِ الدّماميني ؛ فلقد سبقه إليه سيبويه وغيرُه .


    11- هَمْسةٌ أُولى للخضري


    يقول الشيخ محمد بن مصطفى الخضري في حاشيته على شرح ابن عَقيل للألفية ، عند قول ابن مالك في باب «الكلام وما يتألّف منه» :

    بالجَرِّ والتَّنوينِ والنِّدا و«أَلْ» *** ومُسْنَدٍ : لِلاِسْمِ تمييزٌ حَصَلْ


    ( و«أَلْ» في كلامه بقَطْعِ الهمزة ؛لأنها اسمٌ ، لِقَصْدِ لَفْظِها . وحَقُّ الاِسمِ قطعُ همزتِه ، إلا ما استُثْنِيَ ) .

    تعقيب :

    همسةُ الخضري هذه شبيهةٌ بهمسة ابن هشام ، المُعلّق عليها آنفا . فالعِبْرةُ بالاِنتقال إلى الاِسميّة ، لا بالاِنتقال إلى العلميّة .


    12- هَمْسةٌ ثانيةٌ للخضري


    يقول الشيخ الخضري في حاشيته ، عند قول ابن مالك في باب «العَلَم» :

    وجُمْلةٌ وما بِمَزْجٍ رُكِّّبا *** ذا إنْ بِغَيْرِ «وَيْهِ» ثَمَّ أُعْرِبا


    ( أما المنقولُ من الفعل وحده ، فيُعْرَبُ كـ «ما لا يَنْصَرِفُ» ، للعلميّةِ ووَزْنِ الفعل ؛ ماضياً كان كـ «شَمَّرَ» بِشَدِّ الميم : لِفَرَسٍ ، و«بَذَّرَ» بِشّدِّ المُعْجَمة : لِماءٍ بقُرب مكة ، أو مضارعاً كـ «يَشْكُرَ» : لسيدنا نوح صلوات الله عليه ، أو أمْراً كـ «إِصْمِتَ» بكسْر الهمزةِ والميمِ : لِمَفازةٍ ، لأن سالِكَها يقول لصاحبه : «اصْمُتْ» ، من الفزع . قال الرَّضِيّ : وإنما كُسِرت الميمُ ، وإنْ كان الفعلُ مِن بابِ «نَصَرَ» ، لأن الأعلامَ كثيراً ما تُغيَّرُ عند النقل .وإنما قُطِعت الهمزةُ لِصَيْرُورتِه اسْماً ، فعُومِلَ مُعاملةَ الأسماء ) .

    تعقيب :

    هنا أيضا : العِبْرةُ بالانتقال إلى الاِسميّة ، لا بالانتقال إلى العلميّة .


    13- هَمْسةٌ ثالثةٌ للخضري


    يقول الشيخ الخضري في حاشيته ، عند قول ابن مالك في باب «ما لا يَنْصَرِفُ » :

    كذاك ذُو وَزْنٍ يَخُصُّ الفِعْلا *** أو غالِبٍ كـ «أحْمَدٍ» و«يَعْلَى»


    ( قولُه [يقصد : ابن عقيل] : (كـ «فُعِّلَ») أي الماضي المجهول ، و«فَعَّلَ» أي الماضي المعلوم ، المُضعَّف العين ، كـ «كلّم» بِشَدِّ اللام ؛ وكذا المُفْتَتَح بتاءِ مُطاوَعةٍ كـ «تَعلّم» ، أو بهمزة وصْلٍ كـ «انطلق» ، وتُقْطَعُ همزتُه عند التسمية به لِبُعْدِه عن أصْلِه ) .

    تعقيب :

    هنا أيضا : العِبْرةُ بابتعاد الفعل عن أصله ، لا بصَيْرُورتِه عَلَمًا .


    14- هَمْسة الغلاييني


    يقول الشيخ مصطفى الغلاييني في «جامع الدروس العربية» [1/303] :

    ( ما كان مبدوءًا بهمزة وصلٍ من الأفعال التي سمَّيْتَ بها ، فإنك تقطَعُ همزتَهُ بعد نقْلِه إلى العَلَميّة ؛ لأنه يلتحق بنظائره من الأسماء بعد التسمية به . فإنْ سمَّيْتَ بـ «إِنصرف» و«إِستخرج» ونحوهما ، قلت : «جاء إِنطلقُ وإِستخرجُ» ، بقطع الهمزة .

    أما الأسماءُ المُسمَّى بها ، كـ «انطلاق» و«استخراج» ، فلا تُقْطَعُ همزتُها بعد التسمية بها ، بل تبقى على حالها ؛ لان نظيرها من الأسماء همزتُه موصولة ) .


    15- هَمْسة فجال


    يقول الدكتور محمود فجال في «القلائد الذهبية ، في شرح قواعد الألفية» [4/721] :

    ( قال كثيرٌ من علماء الرسم الإملائي المُحْدَثين : (إذا كان العَلَمُ منقولاً من لفظ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همزته بعد النقل تصير همزةَ قطْعٍ) . وذكروا مثالاً على ذلك : «يوم الاثنين» ، بأن همزَتَه قَطْعٌ ؛ لأنه صار علماً على يوم .

    أقول : همزة «يوم الاثنين» وصلٌ ؛ لأنها من الأسماء العشرة التي نصَّ العلماءُ على وَصْلِ همزتِها . وكونُها صارت علَماً على اليوم لا يُخرِجها عن الوصل إلى القطع ؛ لأنها كانت في عائلة الاِسميّة ، ولم تخرُجْ من عائلتها حتى نقولَ بقَطْعِها .

    وها أنا ذا أضع بين يديك نصَّ إمام النحاة سيبويه ، فاستمع إليه وهو يقول في كتابه (198:3) : (إذا سميت رجلاً بـ «اِضْرِبْ» أو «اُقْتُل» أو «اِذهَبْ» لمْ تَصْرِفْهُ ، وقطعتَ الألفاتِ حتى يَصير بمنزلة الأسماء ؛ لأنك قد غيّرتها عن تلك الحال) . ثم يتابع قوله في (199:3) : (لأنك نقلْتَ فِعلاً إلى اسمٍ . ولو سميتَ رجلاً «انطلاقاً» ، لمْ تَقْطَع الألف ؛ لأنك نقلْتَ اسماً إلى اسْم ) .


    قرّر سيبويه أنك إذا سمَّيْتَ شخصاً بفعل مبدوء بهمزة وصل ، فإن همْزَتََه تصير بعْدَ العلميّة همزةَ قطْع ؛ لأنك نقلْتَ فعلاً إلى اسم . ولو سمَّيْتَ باسمٍ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همْزَتَه تبقى بعد العلميّة همزةَ وصْلٍ كما كانت .

    وإليك كلام ابن مالك في «شرح الكافية الشافية» (1466) : (وإذا سُمِّيَ بما أَوَّلُهُ همزةُ وَصْلٍ ، قُطِعَتِ الهمزةُ إنْ كانَتْ في منقولٍ من فِعْلٍ ، وإلاَّ استُصْحِبَ وَصْلُها . فيقال في «إعْلم» إذا سُمِّيَ به : «هذا إعْلمُ» ، و«رأيتُ إعلمَ» . ويقال في «أُخرُج» إذا سُمِّي به : «هذا أُخْرُجُ» . ويُقال في المسمَّى بـ «اقْتِراب» و«اعتِلاء» : «هذا اقترابٌ» و«رأيتُ اقتراباً» ، و«هذا اعتلاءٌ» و«رأيت اعْتِلاءً» ؛ لأنه منقولٌ من اسميَّة إلى اسميَّة ، فلم يَتَطَرَّقْ إليه تَغَيُّرٌ أكثرُ من التعيين بعدَ الشِّياعِ ؛ بخلافِ المنقولِ منَ الفعلية إلى الاِِسمية ، فإنَّ التسمية أحْدَثَتْ فيه - مع التَّعْيين – ما لم يكن فيه ، من إعراب وغيره من أحوالِ الأسماء . فَرُجِعَ به إلى قِياسِ الهمزِ في الأسماء وهو القَطْعُ) .

    ومثله في «التبصرة والتذكرة» (542:2) و«حاشية الدسوقي على المُغْني» (490:3) و«حاشية الصبان على الأشموني» (208:3) .

    وهذه النصوص واضحة في أن همزةَ «يوم الاِثنين» وما سُمِّي به من المصادر ، مثل : «كليّة العلوم الاِجتماعية» و«ابتسام» و«ابتهال» همزةُ وصلٍ ، أُبقِيَت فيها همزةُ الوصل على حالها لعدم نقل الكلمة من قبيلٍ إلى قبيلٍ ، فاستُصْحِب ما كان ثابتاً لها قبْلَ العمليّة ) .


    16- هَمْسة المعشي


    يسرني أن أختم بقول الأستاذ عليّ المعشي ، جوابا عن سؤالي المُشار إليه في مستهلّ هذا الموضوع :

    (يُفهَم من كلام سيبويه قاعدةٌ عامّة ، خُلاصتُها : أن المبدوء بهمزة الوصل إن لم يكن اسْما في الأصل ، وأُرِيدَ نقْلُه إلى الاِسم ليصير عَلَما ، قُطِعتْ همزَتُه ، سواء كان في السابق فعلا كما مثّل ، أم كان حرفا ؛ وأما الاِسمُ إذا سُمِّيَ به فإنه يبقى على حاله .

    وإنما اقتصر تمثيلُه على الفعل ، لكثرة همزة الوصل في الأفعال . وإنما ترك التمثيل للحرف ، لأنه لا يوجد إلا حرفٌ واحد مبدوءٌ بهمزة وصل ، هو حرفُ التعريف ؛ لذلك لمْ يُمثِّلْ له ، مُكتفيا بعموم قوله : (وقطعْت الألفاتِ حتَّى يصير بمنزلة الأسماء ؛ لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال . ألا ترى أنك ترفعُها وتنصبها ؟ وتَقْطَعُ الألف ؛ لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل) .

    وأما قولُ بعض المُحْدَثين بقطع همزة الوصل عند النقل إلى العلمية ، بغَضِّ النظر عن أصل الكلمة ، فهو مخالف لكلام سيبويه ، إذ يقول : (ولو سمَّيته «انطلاقًا» ، لمْ تَقْطَعِ الألف ؛ لأنَّك نقلْتَ اسمًا إلى اسم) . فـ «ابتسام» كـ «انطلاق» التي نصّ سيبويه على عدم قطْعِ همزَتِها .

    والصوابُ قول سيبويه ، لا قولُهم . ولو صحّ قولُهم ، لوجب قطْعُ همزةِ «امرؤ» في العلم «امرؤ القيس» . وإنما بَقِيَتْ همزةَ وصلٍ ، لأنها مأخوذةٌ مِنِ اسم ، وليست من فعل أو حرف . ومِثلُها «انطلاق» في مثال سيبويه . وعليه يكون حُكْمُ «اثنين» و«ابتسام» إبقاء الهمزة للوصل إذا صارا علمين ؛ لأننا نقلناهما مِنِ اسم إلى اسم ، كما بقيت همزتا «امرئ» و«انطلاق» عند جعلهما علَمَيْن ) .

  5. #5
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الفصل الثاني :



    هَمَساتٌ خاصّة ، تتعلق بـ «اثنين» عَلَما




    1- هَمْسةٌ أُولى لسيبويه


    يقول سيبويه في «الكتاب» [3/374-375] :

    ( وسألْتُه [يقصد : الخليل] عن الإضافة [يقصد : النِّسْبة] إلى رجل اسمُه «اثْنا عَشَرَ» ، فقال : «ثَنَوِيٌّ» في قولِ مَن قال : «بَنَوِيٌّ» في «ابْنٍ» ، وإنْ شِئَت قُلتَ : «اثْنِيٌ» في «اثْنَيِْن» كما قلت : «ابْنِيٌّ» . وتَحذِف «عَشَرَ» كما تَحذِف نُونَ «عشرين» ، فتُشبَّه «عَشَرَ» بالنون كما شبَّهْتَ «عَشَرَ» في «خمسةَ عشر» بالهاء .‏ وأمّا «اثنا عشر» التي للعدد ، فلا تضاف ولا يضاف إليها ‏) .

    تعقيب :

    لو كانت الهمزةُ همزة قطع ، ما جاز حذْفُها عند النسبة ، وما جاز قياسُ الكلمة على «ابْنٍ» .


    2- هَمْسةٌ أُخرى لسيبويه


    يقول سيبويه في «الكتاب» [3/393] :

    ( وإنما أوْقَعَت العربُ «الاِثنين» في الكلام على حدّ قولِك : «اليومُ يومانِ» و«اليومُ خمسةَ عشَرَ من الشهر» .‏ والذين جاؤوا بها فقالوا : «أثْناءٌ» [يقصد : في الجمع] ، إنَّما جاؤوا بها على حدّ «الاِثْنِ» ؛ كأنَّهم قالوا : «اليومُ الاِثْنُ» .‏ وقد بلغنا أنَّ بعض العرب يقول : «اليومُ الثُّنَيُّ» .‏
    فهكذا «الاِثنانِ» كما وصفْنا ، ولكنّه صار بمنزلة «الثّلاثاء» و«الأربعاء» اسمًا غالبًا ، فلا تجوز تَثْنِيَتُه ) .

    تعقيب :

    يُخبرنا سيبويه هنا أن العرب أخذت تسمية «يوم الاِثنين» من قولِهم : «اليومُ يومان» ، فهي مأخوذةٌ أصْلاً من العدد «اثنين» . كما يُخبرنا بامتناع تَثْنِيَتِها وجمْعِها (وإن جاز ذلك في «الجمعة» مثلا) ؛ لأنها مُثنّاةٌ أصْلاً .

    فلك أن تُعرِبها إعرابَ المثنّى ، وإن صارت علَما ، فتقول : «مضَى الاِثْنانِ والثلاثاءُ» و«صُمْتُ الاِثْنَيْنِ والخميسَ» و«هذا يومُ الاِثْنَيْنِ» .

    فكيف تحتفظ بعلامات إعراب المثنى ، ولا تحتفظ بهمزة الوصل التي كانت فيه ؟!


    3- هَمْسةٌ أُولى للمبرّد


    يقول المبرّد في «المقتضب» [2/90] :

    (ومن هذه الأسماء [أي : المبدوءة بألف الوصل] : «اسْمٌ» . تقول : «بدأتُ باسم الله» . وإذا صغَّرتَ قلتَ : «سُمَيٌّ» .

    و«اثْنانِ» كذلك . ولو كان يُفْرَدُ لكان يجب أن يكون في الواحد «اثْنٌ» ؛ ولكنه لا يُفرد في العدد فيَبْطُلَ معناه .

    ومن العرب من يجعله اسما لليوم على غيْرِ معنى العدد ، فيقول : «اليَوْمَ الاِثْنُ» ، كما يقول : «الاِبْنُ» ، و«اليَوْمَ الثِّنْيُ» . وليس ذلك بالجيّد ؛ لأن معنى التثنية : أن الواحد [يقصد : الأحد] كان عندهم الأولَ ، ثم بَنَوُا الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس على ذلك ، كما تقول : «اليَوْمُ يومانِ من الشهر» ، أي : تمامُ يومَيْنِ ) .

    تعقيب :

    كان هؤلاء العرب يقولون : «الاِثْن» ، بألف وصل ؛ بدليل تشبيه المبرّد لها بـ «الاِبْن» . ولم يُنْكِرِ المبرّد ذلك ؛ وإنما ضعَّف إفرادهم لها فقط .


    4- هَمْسةٌ أُخرى للمبرّد


    يقول المبرّد في «المقتضب» [2/275-276] :

    ( وتقول فيما كان عَلَماً في الأيام كذلك ؛ في تصغير «سَبْتٍ» : «سُبَيْتٌ» ، وفي تصغير «أَحَدٍ» : «أُحَيْدٌ» ، [و]في «الاِثْنَيْنِ» : «ثُنَيّانِ» ، لأن الألف ألف وصل ، فهي بمنزلة قولك في «ابْنٍ» : «بُنَيٌّ» ، وفي «اسْمٍ» : «سُمَيٌّ» ، وفي «الثّلاثاءِ» : «ثُلَيْثاءُ» في قول سيبويه ، وفي قولنا : «ثُلَيِّثاءُ» ، لأنك إنما صغّرت «ثَلاثًا» ، فتُسْلِمُ الصدرَ ، ثم تأتي بعده بألفي التأنيث ، وفي «الأرْبِعاءِ» : «الأُرَيْبِعاءُ» ، وفي «الخَمِيس» : «الخُمَيِّسُ» ، وفي «الجُمُعةِ» : «جُمَيْعةٌ» ) .

    تعقيب :

    اختلف العلماء في جواز تصغير أسماء الأيام . والذي يعنينا هنا : تصريح المبرّد بأن ألف «الاثنين» ألفُ وصل .


    5- هَمْسة المرزوقي


    يقول أبو علي المرزوقي في «الأزمنة والأمكنة» [1/268] :

    ( قال قُطْرُبٌ : «أسماءُ الأيّامِ : السبتُ ، والأحَدُ ، والاِثْنانِ ، والثلاثاء ، والأربعاءُ ، والخميسُ ، والجمعةُ» ... ) .

    ويقول أيضا [1/272] :

    ( و«الاِثنان» لا يُثنّى ؛ فإنه مُثنى . فإن أردْتَ تثنِيَتَه ، جئتَ بالمعنى ، فقلتَ : «هذان يوما الاِثْنَيْنِ» . ولا يَحْسُنُ «مََضَى الاِثْنانانِ» فيَحصُل الإعرابُ مرَّتَيْن ؛ قال قُطْرُبٌ : ومع ذلك ، قد حُكِيَ .

    وفي الجمع أيضا تقول : «مََضَتْ أيّامُ الاِثْنَيْنِ» . إلا أنهم قد قالوا : «اليومُ الثُّنَيّ» ؛ فلا بأس على هذا أن يُجمَع فيُقال : «مََضَتْ أثْناءٌ كثيرةٌ» . ) .

    تعقيب :

    انظر كيف رُفِعت «الاِثْنانِ» بالألف في كلام قطرب .

    وقد سبق الحديث عن التثنِيَة والجمع ، فلْيُرْجَع إليه .


    6- هَمْسة الجوهري


    يقول أبو نصر الجوهري في معجم «الصِّحاح» [ث ن ي] :

    ( و«يومُ الاِثْنَيْن» لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع ؛ لأنَّه مُثنّى ) .

    ثم يقول :

    ( ولو سًمِّيَ رجلٌ بِـ «اثْنَيْن» أو بِـ «اثْنَيْ عَشَرَ» ، لقُلْتَ في النسبة إليه : «ثَنَويٌّ» ) .

    تعقيب :

    سبق الحديث عن التثنِيَة والنسبة ، فلْيُرْجَع إليه .


    7- هَمْسة المعرّي


    يقول أبو العلاء المعرّي في «رسالة الصاهل والشاحج» [2/434] :

    ( وبعضُ الناس تَؤُضُّهُ الشِّدّةُ [أي : تُلْجِئُهُ] إلى قَطْعِ الحميمِ ، وفراقِ الأليفِ ، وعقوقِ الوالدِ والولد ؛ فيكون مَثَلُه مَثَلَ الشاعر لمّا اضطُرَّ لِقَطْعِ ألفِ الوصل ، كما قال الراجز :


    لَمَّا رأَتْ شَيْبَ القَذالِ عِيسَا



    وفوقَ ذاكَ لِمَّةً خَلِيسَا


    قَلَتْ وِصَالي واصْطَفَتْ إِبليسا


    وصامَتِ الإثنينِ والخَمِيسَا


    عبادةٌ كُنتُ بها نِقْرِيسَا )


    تعقيب :

    هذا تصريح بأن ألف «يوم الاثنين» ألفُ وصل ، وأن الشاعر إنما قطعها للضرورة الشعرية .


    8- هَمْسة ابنِ منظور


    يقول جمال الدين بن منظور في معجم «لسان العرب» [ث ن ي] :

    ( ولو سُمِّيَ رجلٌ بـ «اثْنَيْنِ» أَو بـ «اثْنَيْ عَشَرَ» ، لقُلتَ في النسبة إِليه : «ثَنَوِيٌّ» في قول مَن قال في «ابْنٍ» : «بَنَوِيٌّ» ، و«اثْنِيٌّ» في قولِ مَن قال : «ابْنِيٌّ» ) .

    ثم يقول :

    ( و«الاِثْنانِ» : من أَيام الأُسبوع ؛ لأَن الأَول عندهم الأَحد . والجمع : «أَثْناء» ، وحكى مطرّز عن ثعلب : «أَثانين» . و«يومُ الاثْنين» لا يُثَنى ولا يًجمَع ؛ لأَنه مثنّى . فإِن أَحبَبْتَ أَن تجمعه كأَنه صفة الواحد - وفي نسخة : كأَن لَفْظَه مبنيٌّ للواحد - قلتَ : «أَثانِين» ... ) .

    ثم يقول :

    ( قال اللحياني : وقد قالوا في الشِّعْر : «يوم اثْنَيْنِ» ، بغيْرِ لامٍ ؛ وأَنشد لأَبي صَخْر الهُذَلي :


    أَرائِحٌ أَنْتَ يَوْمَ اثْنَيْنِ أَمْ غَادِي *** ولَمْ تُسَلِّمْ على رَيْحانَةِ الوادي ؟



    قال : وكان أَبو زياد يقول : «مَضى الاِثْنانِ بما فيه» ، فيُوَحِّدُ ويُذَكِّرُ ؛ وكذا يَفْعل في سائر أَيام الأُسبوع كلِّها ، وكان يؤنِّث الجمعة . وكان أَبو الجَرَّاح يقول : «مضى السبتُ بما فيه ، ومضى الأَحد بما فيه ، ومضى الاثْنانِ بما فيهما ، ومضى الثلاثاء بما فيهنّ ، ومضى الأربعاء بما فيهنَ ، ومضى الخميس بما فيهنَ ، ومضت الجمعة بما فيها» ؛ كان يُخرِجها مُخْرَجَ العدد
    ) .

    تعقيب :

    سبق الحديث عن التثنِيَة والنسبة ، فلْيُرْجَع إليه .

    وانظر كيف رُفِعت الكلمةُ بالألف ، في قول ابن منظور : (و«الاِثْنانِ» : من أَيام الأُسبوع) ، وكذا فيما نقله عن أبي زياد وأبي الجرّاح .

    ثم انظر كيف اكتفى اللحياني بالقول : (وقد قالوا في الشِّعْر : «يوم اثْنَيْنِ» ، بغيْرِ لامٍ [يقصد : بحذْفِ أداة التعريف]) ، مستشهدا ببيتٍ لا يتَّزِنُ إلاّ بوصل الهمزة ، من غير أدْنى إشارةٍ إلى قضيّة الوصل هذه . فلو كانت همزةُ «الاثْنَيْنِ» همزةَ قطع ، لقال : (وقد قالوا في الشِّعْر : «يوم اثْنَيْنِ» ، بغيْرِ لامٍ ، وبِوَصْل الهمزة للضرورة) .



  6. #6
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الفصل الثالث :



    منعطفات قلبت الموازين


    إذا كان القدماءُ - كما رأينا - مُتَّفقين على بقاءِ همزةِ الوصل على حالها ، عند انتقال المصادرِ والأسماءِ العشرةِ إلى العلميّة ؛ باستثناء ما انفرد به ابنُ الطراوة فيما يتعلق بالمصادر ، فما الذي غيّر الأمور ، حتى صار الراجحُ مرجوحا والمرجوحُ راجحا ؟!

    إنها سلسلة انعطافات متتالية ، أدّت في نهاية المطاف إلى سير المُحْدَثين في غير الاتجاه الذي كان يسير فيه القدماء !


    1- نقطة الانطلاق


    تبدأ حكايتنا من قول ابن مالك ، في باب «النِّداء» من ألفِيّتِه :


    وبِاضْطِرارٍ خُصَّ جَمْعُ «يا» و«أَلْ» *** إلاّ مع «اللهِ» ومَحْكِيّ الجُمَلْ


    تعقيب :

    يرى جمهور النحويّين عدمَ جوازِ دخول «يا» الندائيّة على الأسماء المقترنة بـ «أَلْ» ، أعلاما كانت أم غيْرَ أعلام ؛ إلا عند الاضطرار (أي : الضرورة الشِّعْرية) . فلا يقال : «يا الـمُصطَفَى» «يا الـرَّجُلُ» «يا الـمرأةُ» ؛ بل يقال : «يا مُصطَفَى» «يا أيها الرَّجُلُ ، أو : يا هذا الرَّجُلُ» «يا أيتها المرأةُ ، أو : يا هذه المرأةُ» .

    لكنهم استَثْنَوْا حالاتٍ معدودةً ، أشْهَرُها اثْنَتانِ :

    * حالةُ اسْمِ الجلالة ؛ أجازوا فيه : «يا أَللهُ» بقَطْعِ الهمزةِ ، و«يا اللهُ» بوَصْلِ الهمزةِ مع عدم التلفُّظ بألفِ «يا» ، و«يا اللهُ» بوَصْلِ الهمزةِ مع التلفُّظ بألفِ «يا» ؛ ولكنّ الأشهرَ مُناداتُه بصيغة «اللَّهُمَّ» .

    * وحالةُ الجُمَلِ المَحْكِيّة ؛ أي : الاسم المنقول عن جُملةٍ اسميّة تبدأُ بـ «أَلْ» ، كأنْ تُسمِّي شخصا ما : «الجَوُّ بَديعٌ» أو «الخُبْزُ ساخِنٌ» أو «الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ» أو «المُنْطَلِقُ زَيْدٌ» أو ما شابه ذلك من الألقاب . وهذا ليس غريبا ؛ فكثيرا ما نُلقِّب شخصا ما بجملة يُكثِرُ تردادَها ، أو بعنوان أُغنية تناسبه أو ما شابه ذلك . يقول سيبويه في «الكِتاب» [3/333] : ( ولو سمَّيْتَهُ «الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ» ، جاز أن تُنادِيَهُ فتقولَ : «يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ» ؛ لأنك سمَّيْتَهُ بشيئَيْنِ ، كُلُّ واحدٍ منهما اسمٌ تامٌّ ) .


    2- منعطف الأزهري


    علّق الشيخ الأزهري في «التصريح» [3/334] على حالة اسم الجلالة ، بقوله :

    ( وعلَّل سيبويهِ نداءَ الجلالةِ بأنّ «أَلْ» لا تُفارقُها ، وهي عِوَضٌ عن همزةِ «إله» ، فصارت بذلك كأنها من نفس الكلمة . انتهى .

    وهذا التعليلُ يناسب إثباتَ ألفَ الجلالة في النداء ؛ كما أن الفِعْلَ المبدوءَ بهمزة الوصل إذا سُمِّيَ به قُطِعَتْ همزتُه ، تقول : «جاءني أُنْصُرُ وإضْرِبُ» ، بضمّ الهمزةِ في الأول وكسْرِها في الثاني .



    ووجْهُ حذْفِها
    [يقصد : ألف الجلالة] في الوصل : النظرُ إلى أصْلِها . ووجهُ حذفِ ألفِ «يا» : أنّ إثباتَها يؤدي إلى التقاء الساكنيْنِ على غيْرِ حَدِّهِ ، لكونهما من كلمتين . ووجهُ إثباتِها مع حذف الثانية : إجراءُ المنفصل من كلمتين مجرى المُتَّصل من كلمة واحدة ) .

    ثم علّق على حالة الجُمَل المحكيّة ، بقوله [3/335] :

    ( الصورةُ (الثانية : الجُمَلُ المَحْكِيّةُ) المبدوءةُ بـ «أَلْ» ؛ (نحوُ : «يا ألمُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، فِيمَنْ سُمِّيَ بذلك . نَصَّ على ذلك سيبويه) ، وقال : لأنه بمنزلة «تَأَبَّطَ شَرًّا» ، لأنه لا يتغير عن حاله ، إذ قد عَمِلَ بعضُه في بعضٍ . انتهى .


    ومُقْتَضَى ما قدَّمْناهُ في «أُنْصُرَ» : قَطْعُ الهمزةِ

    ) .

    تعقيب :

    يرى الشيخ الأزهري قَطْعَ الهمزةِ في نحو «يا أَلمُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، قِيَاسًا على «أُنْصُرَ» و«إِضْرِبَ» وما شابَههُما من الأعلامِ المنقولةِ مِن الأفْعالِ . وكأنه راعى ابتعادَ الجُمَلِ عن أصلِها ، كما ابتعدت الأفعالُ عن أصلِها .

    وهذا رأيٌ يخالفه فيه بعض العلماء . يقول ابنُ الحاجّ في حاشيته على شرح المكودي للألفية [2/65] : ( قولُ المكودي : (و«يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌ») ، يتعيّن بقاءُ الألف على وصْلِها ، ولا يجوزُ قطْعُها ، محافظةً على الأصل ، خِلافَ ما في الأزهري مِن أنها همزةُ قطع ) .

    وليس هذا موضع مناقشة هذه المسألة . ولكن الذي يعنينا هنا : أن الأزهري لمْ يتراجع إطلاقا عن رأيه الذي سبق لنا الاطّلاعُ عليه (في الهمسة الثامنة من الفصل الأول) ، والذي مِن أنّ همزةَ الوصل إنما ينُصّ على قطْعِ همزة الوصل عند التسمِيَة بالأفعال ، دُونَ الأسماء . وكلُّ ما فعَلهُ هنا : إجراءُ حُكْمِ الأفعال على الجُمَل المَحْكِيّة أيضا . وأمّا موقفُه من المصادر والأسماء العشرة ، فلمْ يَطْرَأْ عليه أيُّ تغيير .

    فالمرجوُّ تأمُّلُ كلام الأزهري جيدا ، للتحقُّق من أن التناقُض المنسوبَ إليه مُجرَّدُ وَهْمٍ وقع فيه بعضُ المُحْدَثين .


    3- منعطف الصبّان


    علّق الشيخ الصبّان ، في باب «النداء» من حاشِيَته ، على حالة الجُمَل المحكيّة ، بقوله :

    ( قولُه [يقصد : الأشْموني] : (نحو : «يا أَلْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ») ، بقَطْعِ الهمزة ؛ لأنّ المبدوءَ بهمزة الوصل ، فِعْلاً أوْ غيْرَهُ ، إذا سُمِّيَ به يجب قَطْعُ همزتِه ، كما أفاده في «التصريح» . قال البعضُ : وانظُرْ ما الفرقُ بيْنَ هذا وبيْنَ «يا الله» ، حيثُ جوَّز فيه الشارحُ الأوجُهَ الثلاثة ! اهـ . وأنت خبيرٌ بأنّ لاِسْمِ الجلالةِ خَوَاصَّ لا يُشاركه فيها غيْرُه ، فلا يبعُد أن يكُونَ منها جوازُ الأوجُهِ الثلاثةِ ) .

    تعقيب :

    أراد الصبّان هنا التعبير بعبارات من عنده ، عمّا ذهب إليه الأزهري في «التصريح» ، من وجوب قطْعِ الهمزةِ في نحوِ «يا أَلْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ» .

    ولكنه أتى بعبارةٍ قد تُوهِمُ غيرُ المُرادِ ، وهي قولُه : ( ... لأنّ المبدوءَ بهمزة الوصل ، فِعْلاً أو غيْرَه ، إذا سُمِّيَ به يجب قَطْعُ همزتِه ) . فظنّ بعضُهم أن كلمة «غيْرَهُ» هنا تَشْمَلُ أيضا ما كان في الأصل اسمًا .

    وهذا فَهْمٌ يُناقض الرأي الذي صرّح به الصبّانُ في فصل «زيادة همزة الوصل» (انظر الهمسة العاشرة من الفصل الأول) ، علما أن هذا الفصل متأخِّر في ترتيبه عن باب «النِّداء» .

    كما أنه يُناقض إحالتَهُ على كتاب «التصريح» للأزهري ، علما أن الأزهري لمْ يُعمِّم القاعدةَ إطلاقا ، وإنما اكتفى بقياس الجُمَل المَحْكِيّة على الأفعال .

    فنحن هنا أمام احتمالَيْن لا ثالث لهما :

    * إما أن الصبان ناقض نفسه حقّا . وفي هذه الحالة لا يُعْتَدُّ بكلامه الوارد في باب «النِّداء» ؛ لأنه مبني على فهم خاطئ لكلام الأزهري ، وما بُني على باطل فهو باطل .

    * وإما أن نلتمس لكلامه الوارد في باب «النِّداء» تأويلا مناسبا ؛ وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس :

    - فيمكن القول مثلا : إن كلمة «غيْرَهُ» هنا لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها ، فهي مثلُ عبارة «مِن غيْرِ فِعْلٍ» في كلام ابن مالك ، ومِثْلُ عبارة «قيل : أو اسم أيضا» في كلام السيوطي ، المُعَلَّقِ عليهما سابقا (في الهمستَيْن الرابعة والسابعة من الفصل الأول) .

    - ويمكن القول أيضا : إن عبارة «إذا سُمِّيَ به» تعني «إذا انتَقَل إلى الاِسْمِيّةِ» ، أي : «إذا صارَ اسْمًا ، ولمْ يكُنْ مِن قبْلُ كذلك» ، فيصدُق هذا على ما سُمِّيَ به من الحروف والأفعال والجُمَل المَحْكِيّة ، دُونَ الأسماء .

    ولو أخذنا كلام الصبان على ظاهره ، لَقُلنا بقَطْعِ الهمزةِ في نحو «المُصْطَفى» و«الحَسَن» و«الحُسَيْن» و«العبّاس» ونحْوِها من الأعلام ؛ وهو خطأٌ بَيِّنٌ .


    4- منعطف الخضري


    قال ابن عقيل ، شارحًا بيتَ ابن مالك السابق :

    ( وأمّا مع اسم الله تعالى ومَحْكِيِّ الجُمَل ، فيجوز ؛ فتقول : «يا أللهُ» بقَطْعِ الهمزةِ ووَصْلِها ، وتقول فِيمَنِ اسمُهُ «الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌٌ» : «يا الرَّجُلُ مُنْطَلِقٌٌ ، أَقْبِِلْ» ) .

    فعلّق عليه الشيخ الخضري في حاشيَته ، بقوله :

    ( قولُه : (بقَطْعِ الهمزةِ) ؛ أي : لأنها – لعدم مُفارقتِها له – صارت كجزء من الكلمة ، فلمْ تُحذَفْ في النداء ؛ وحينئذٍ تثبُت ألفُ «يا» وجوباً . وقولُه : (وَوَصْلُها) ؛ أي : نظراً لأصْلِها ؛ وحينئذٍ تثبُت ألفُ «يا» أو تُحذَف . ففيه ثلاثةُ أوْجُهٍ .

    بخلاف «يا أَلمُنطَلِقُ زيْدٌ» ؛ فيجبُ قطْعُ همزتِه مع ثُبوت ألفِ «يا» ، لأن ما بُدِئَ بهمزةِ الوصل ، فِعْلاً كان أوْ غيْرَهُ ، يجبُ قطْعُها في التسميَةِ به ، لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، فتُقطَع في النداء أيضاً ؛ ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها كما في الجلالة ، لأنّ له خَوَاصَّ ليسَتْ لِغَيْرِه ) .

    تعقيب :

    كلام الخضري هذا شبيهٌ بكلام الصبّان السابق .

    فيمكن القول هنا أيضا : إن كلمة «غيْرَهُ» لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها .

    ويمكن القول أيضا : إن التعليل الذي أتى به ، في قوله : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ» ، معناه : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، بعدما كانت جُزءًا من غيْرِ الاِسْمِ» ، بمعنى : «لاِنتقال الكلمة إلى الاِسْمِيّة» ؛ فيصدُق هذا على ما سُمِّيَ به من الحروف والأفعال والجُمَل المَحْكِيّة ، دُونَ الأسماء . هذا هو المعنى السليم ، الذي يناسب ما سبق نقلُه عن الخضري (في الهمسات 11 و12 و13 من الفصل الأول) .

    ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى هنا : «لِصَيْرُورَتِها جُزءًا لا يتجزّأ من الاِسْمِ ، بعدما كان يمكن الاستغناءُ عنها» ؛ لأن معنى هذا : أن همزات المصادر والأسماء العشرة كان يمكن الاستغناءُ عنها من قبلُ ، ولَمْ تَصِرْ جُزءًا لا يتجزّأ من الاِسم إلا عند الانتقال إلى العلمية ؛ وهذا خطأ بَيِّنٌ .


    5- منعطف الهوريني


    قال الشيخ نَصْر الهُورِيني في «المَطالع النَّصْريّة» [148] :

    ( ولو سُمِّيَ بما همزَتُه وَصْلٌ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نقَلَه الصبّانُ في «النداء» ) .

    تعقيب :

    هذا سَهْوٌ واضح من الشيخ الهوريني (رحمه الله) . فالصبّأن إنما تحدّث عن «المُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، لا عن «المُنْطَلِق» وحْدَها . أما «المُنْطَلِق» ، فلا شكّ أن همزتَها همزةُ وصْلٍ ، مثل همزة «المُعْتَصِم» و«المُصْطَفى» و«المُنتَصِر» و«الحَسَن» و«الحُسَيْن» و«العبّاس» وما شابَهها من الأعلام .

    وهذا يُقوِّي احتمالَ سَهْوِهِ في «الاثنين» أيضا ، التي لم يذكرها الصبان إطلاقا . ويزدادُ هذا الاحتمالُ قوّةً إذا عَلِمْنا أن هذه الكلمة ضُبِطت بهمزةِ وصْلٍ في «القاموس المحيط» للفَيْروزابادي ، الذي ضبَطه وصحَّحه الشيخ الهوريني نفسُه .

    قد يقول قائل : لعلّ المثال الثاني كان في الأصل : «المُنْطَلِقُ زَيْدٌ» ، ثم سقطت «زَيْدٌ» سهوا عند الطباعة .

    فنقول : وما يُدرينا ؟ لعلّ المثال الأول أيضا كان في الأصل : «الاثنينِ صُمْتُ» ، ثم سقطت « صُمْتُ» سهوا عند الطباعة ! وحينئذ يكون حديثه عن همزة «أَلْ» لا عن همزة «اثنين» .


    6- منعطف حسين والي


    قال الشيخ حسين والي في «كتاب الإملاء» :

    ( واعلمْ أنّه لو سُمِّيَ بما همزَتُه وَصْلٌ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نَبَّهَ إليه علماءُ النحوِ في الكلام على النداء ) .

    تعقيب :

    لم يتيسّر لي الاطلاع على النص في موضعه الأصلي ، فأخشى أن يكون تعرّض لشيء من التغيير في المرجع الذي اعتمدتُ عليه . أقول هذا مراعاة للأمانة العلمية .

    وعموما ، يبدو كلامُ الشيخ حسين والي مقتبَسا من كلام الشيخ الهوريني (رحمهما الله) ، مع زيادة في تعميم المسألة ، بتعويض اسم «الصبّان» بعبارة «علماء النحو» . فليُراجَع التعليق السابق على كلام الهوريني .


    7- منعطف عباس حسن


    قال الأستاذ عباس حسن في «النحو الوافي» [1/306] :

    ( إذا كان العلَمُ منقولا من لفظ مبدوء بهمزة وصل ، فإن همزتَه بعد النقل تصيرُ همزةَ قطْعٍ - كما أشرْنا – نحو : «إنشراح» عَلَم امرأة ، و«ألْ» عَلَم على الأداة الخاصة بالتعريف أو غيْرِه ، بشرط أن تُكتَب منفردة مقصودًا بها ذاتُها ؛ فنقول : «"ألْ" كلمة ثُنائيّة» و«"ألْ" فى اللغة أنواعٌ من حيث المدلول» ، ومثل : «يوم الإثنين» ، بكتابة همزة «إثنين» ، لأنها عَلَم على ذلك اليوم ، ومثل : «أُسْكُت» عَلَم على صحراء ) .

    وقد أحال ، عند قوله : «كما أشَرْنا» ، على قوله في حاشية الصفحة 304 ، في سياق الحديث عن الأسماء المنقولة من الأفعال :

    ( ومن أمثلة الأمر : «أُسْكُت» - بضمّ الهمزة – علَم على صحراء عربية . وهذه الهمزةُ للقطع ، مع أنها في الأصل للوصل ؛ لأن همزة الوصل [...] إذا وُجِدت في لفظ ليس علَما ثم صار علَما ، فإنها تصير همزةَ قَطْعٍ ) .

    كما أحال على قوله في حاشية الصفحة 421 :

    ( [...] وهمزةُ العلَم قطْعٌ – في الرأي الأنسَبِ – ولو كان هذا العلَم منقولا من لفظ آخر ، بشرط أن تَصِيرَ جزءا مُلازِما له ، مثل : «ألرَّجُلُ مُسافِرٌ» ، علَم على إنسان ، كما نصُّوا على هذا في باب النداء ) .

    ثم قال في الحاشية ، معلّقا على قوله «لأنها عَلَم على ذلك اليوم» :

    ( ولا الْتِفاتَ لِما اشترطه بعضُهم لإخراج نوعٍ من الأعلام من هذا الحُكم ؛ إذِ الصحيحُ أن هذا الحُكم عامٌّ شاملٌ يشمل الأعلام بأنواعها المختلفة ، كما يشمل غيْرَ الأسماءِ من كل لفظٍ مبدوء بهمزة الوصل قد سُمِّيَ به وصار علَما .

    راجع «حاشية الصبان» في آخر باب النداء ، عند قول ابن مالك : (وبِاضْطِرارٍ خُصَّ جَمْعُ «يا» و«أَلْ» ...) . وكذلك : «التصريح» و«الخضري» في هذا الموضع نفسه .

    وللخضري تعليل قوي ، نصه : (لأن ما بُدِئَ بهمزةِ الوصل ، فِعْلاً كان أوْ غيْرَهُ ، يجبُ قطْعُها في التسميَةِ به ، لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ ، فتُقطَع في النداء أيضاً ؛ ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها كما في لفظ الجلالة ، لأنّ له خَوَاصَّ ليسَتْ لِغَيْرِه) اهـ .

    فلا التفاتَ إلى ما نقله الصبّان عن غيْرِه في موضع آخر ) .

    تعقيب :

    الأستاذ عباس حسن (رحمه الله) مِنّن لا يُشَكّ في علمهم ومكانتهم اللغوية . ولكن علامات التسرُّع باديَةٌ في موقفه من هذه المسألة ، وجلّ مَن لا يسهو .

    ومن مظاهر هذا التسرع :

    1- إطلاقُه اسمَ «أُسْكُت» على صحراء عربية . والوارد في المعاجم المعتمدة : «إِصْمِت» ، وليس المقصود منها مكانا محددا بعينه .

    جاء في «لسان العرب» [ص م ت] : ( و«لقيته ببلدة إِصْمِتَ» : وهي القَفْر التي لا أَحدَ بها [...] . و«تَرَكْتُه بصحراءَ إِصْمِتَ» : أَي حيثُ لا يُدْرى أَينَ هو . و«تَرَكْتُه بوحش إِصْمِتَ» [...] قال ابن سيده: وعندي أَنه الفَلاةُ ؛ قال الراعي:


    أَشْلى سَلُوقِيَّةً باتَت، وباتَ لهَا *** بوَحْشِ إِصْمِتَ ، في أَصْلابها ، أَوَدُ

    و«لقيته ببلدة إِصْمِتَ» : إِذا لقيته بمكانٍ قَفْرٍ ، لا أَنيسَ به

    ) .

    فمن وجد «صحراء أُسْكُت» في مرجع من المراجع المعتمدة ، فليدُلَّنا عليه مشكورا .

    2- استعماله عبارة «بعضُهم» في الإشارة إلى أصحاب الرأي الآخر . وهذا تعبير لا يليق إطلاقه على سيبويه وأمثاله من الفطاحلة . وأرجحُ الظن أن الأستاذ عباس حسن لم يطّلع على نص سيبويه ، واكتفى بالاطلاع على ما نقله الصبّان عن الدماميني في فصل «زيادة همزة الوصل» (انظر الهمسة العاشرة من الفصل الأول) .

    3- إحالتُه على كتاب «التصريح» للأزهري ، وقد رأينا أن الأزهري لم يُعمِّم القاعدة إطلاقا . وأرجح الظن أن الأستاذ عبّاسًا لم يطّلع على كلام الأزهري في موضعه ، وإنما اكتفى بما تُوهِمُه عبارة الصبّان في نقْلِه عنه .

    4- قولُه : (وللخضري تعليل قوي) . أين التعليل ؟ إن المتأمل لكلام الخضري لا يجد فيه من التعليل إلا قوْلَه : (لِصَيْرُورَتِها جُزءًا من الاِسْمِ) ؛ وهي عبارة تحتمل التأويل ، كما ذكرنا .

    أما قوله : (ولا يجوز وصْلُها نظراً لأصالتها ...) ، فلا تعليل فيه أصلا ، بل لا وجْهَ لنقله هنا ؛ لأنه ليس معطوفا على (فتُقطَع في النداء أيضاً) ، وإنما هو معطوف على (فيجبُ قطْعُ همزتِه مع ثُبوت ألفِ «يا») الواردة في الجزء الذي لم ينقله عباس حسن من مستهلّ كلام الخضري ؛ في سياق الحديث عن «يا أَلمُنطَلِقُ زيْدٌ» .

    5- استعمالُه عبارةً تُوهِمُ أن الصبّان في الرأي الآخر كان مجرّد ناقل عن غيره (يقصد الدماميني) . وكأنه يقصد عدم اقتناع الصبان بما نقله . ولو صحّ هذا الاستنتاج ، لَلَزِمَ القولُ : إن الصبان غيْرُ مُقتنِع أيضا بالرأي الذي تُوهِمُ عباراتُه أنه نقَله عن الأزهري .


    منعطفات أخرى



    وما زالت سلسلة الانعطافات متواصلة :

    1- فهذا الأستاذ محمد إبراهيم سليم يقول في «معلَم الإملاء الحديث» [18] : ( [...] ودليلُ ذلك ما قاله السابقون : (اعلمْ أنّه لو سُمِّيَ بما همزَتُه همزةُ وَصْلٍ ، كـ «الاِثْنَيْن» و«المُنْطَلِق» ، صارت همزةَ قَطْعٍ ، كما نَبَّهَ إليه علماءُ النحوِ في الكلام على النداء) ) .

    أقول : إنه يزيد المسألة تعميما ، فينسبُ كلامَ الهوريني وحسين والي إلى «السابقين» ، مما يزيد القارئ اقتناعا بصواب الفكرة .

    2- وهذا الأستاذ أحمد قَبِّش يقول في «الإملاء العربي : نشأتُه وقواعده ومفرداته وتمريناته» [27] : ( إذا سمَّيْتَ بما فيه همزةُ وصلٍ ، كـ «الاِثْنَيْن» اسم لليوم ، و«ألخميس» اسم لليوم ، صارت همزتُه همزةَ قَطْعٍ ) .

    أقول : هذا خطأٌ بَيِّن . فهمزةُ «الخميس» همزةُ وصل بلا شكّ ؛ ولها في القرآن الكريم نظيران : همزةُ «الجُمُعَة» وهمزةُ «السَّبْت» ، وكِلْتاهُما همزةُ وصل في جميع القراءات القرآنية المُعتمَدة .

    3- وهذا الدكتور جمال عبد العزيز أحمد يقول في «الكافي في الإملاء والترقيم» [10] : ( إذا سُمِّيَ بما فيه همزةُ وصل ، تحوّلت إلى همزة قطع . وعلى هذا لو سُمِّيَ بكلمة «انتصار» وأصبحت عَلَما على شخص فإنها تُكتب هكذا «إنتصار» . ومن هذا يوم «الإثنين» لأنه علم على اليوم المعروف . وكذلك «الْ» عندما نُخبِر عنها أو نتكلم عنها ؛ لأنها أصبحت عَلَما على أداة التعريف . ومن هذا أيضا «الْ» في الجملة المَحْكيّة المُسمَّى بها ، نحو قولهم : «يا ألله» «يا ألمأمون» «يا ألمنطلق زيد» ) .

    أقول : هذا سهوٌ واضح ؛ لأن اسم الجلالة «الله» ليس جُملة مَحْكيّة ، و«المأمون» أيضا - علَما كان أم غيْرَ علَم - ليس جُملة مَحْكيّة ، وجمهور النحويين يمنعون دخول «يا» عليه .

    4- وهذا عضو في أحد المنتديات الأدبية يجزم بأن همزة الوصل تتحول إلى همزة قطع عند دخول «ألْ» عليها ، نحو : «الإِسْم» و«الإِبْن» ، بحُجّة أن الهمزة حرف قمري لا بُدّ من ظهوره .

    أقول : هذا خطأ بيّنٌ أيضا . فالصواب : «الاِسْم» و«الاِبْن» بهمزة وصل . ويُمكن الاِستماعُ إلى سورة الحجرات مُرتَّلةً بصوت أيِّ واحد من القرّاء المتفنين ، بأي رواية من الروايات المعتمَدة ، للتحقُّق من أن كلمة «الاِسْم» - في قوله تعالى : (بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ) [الآية 11] - تُلفَظ : [لِسْمُ] بوصْل الهمزة ، ولا تُلفظ : [لْإِسْمُ] بقطعها .

    والقائمة تطول .



  7. #7
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    خاتمة

    يتبيّن لنا من الفصول السابقة :

    1- أن أغلب القُدَماء نصُّوا على قطع همزة الوصل عند التسمية بالأفعال والحروف ، وإبقائها على حالها عند التسمية بالمصادر والأسماء العشَرة .

    2- وأن ابن الطراوة انفرد بقطعِ الهمزة عند التسمية بالمصادر أيضا ؛ إجراءً لها مجرى الأفعال .

    3- وأن الأزهري رأى قطعِ الهمزة عند التسمية بالجُمَلِ المَحْكِيّة ؛ إجراءً لها مجرى الأفعال .

    4- وأن المُحْدَثين هم الذين عمَّموا القاعدة ، فقطعوا الهمزةَ في «يوم الإِثْنَيْن» أيضا ، مُخالِفين بذلك طريقة النطق التي كانت معهودة عند القدماء : «يوم الاِثْنَيْن» .

    5- وأن من الإجحاف أن تَعْرِضَ كُتُبُ الإملاء رأيَ المُحْدَثين وحْدَهُ ، وكأنه الحقُّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خَلْفِه .

    6- وأن المسألة أصلا ليست مرتبطةً بعِلْم الإملاء ، بقَدْرِ ما هي مرتبطةٌ بطريقة النطق السليمة .

    7- وأما ضرورةُ التمييز بين العَلَم وغيْرِ العَلَم ، فمُجرَّدُ مشكلة مُفْتَعَلة ، لا داعي إلى طرحها أصلاً . وإلا ، فكيف نميّز بين العَلَم وغيْرِه ، عند التسمية بما همزتُه همزةُ قطع ( كـ «إِسْلام» و«إِيمان» و«إِحسان») أو بما لا همزةَ فيه أصلا ( كـ «رشيد» و«حسَن» و«رشيدة» و«حياة» ) ؟

  8. #8
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 56
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    تم الموضوع ، بحمد الله .

    نسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم .

    وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .

    ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين .

  9. #9
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    مررت هنا على عجل أبارك جهودكم الطيبة ولي عودة لأنهل من معين عطاءكم
    دمتم ينابيع لاتنضب من العطاء
    وتقبل الله منكم وحفظكم
    جل التقدير والاحترام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. همزات /// بقلم محمد الدبعي
    بواسطة محمد الدبعي في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 08-09-2017, 09:58 PM
  2. همزاتُ الوصال
    بواسطة أنس الحجّار في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 18-03-2013, 01:47 PM
  3. هذا كلامُ الشرِ يا برزاني = أن تَنْكُسَ الأعلام في أوطاني
    بواسطة خالد عمر بن سميدع في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 05-09-2006, 06:36 PM
  4. مفاسد وسائل الأعلام....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-09-2003, 11:11 AM