أحدث المشاركات
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 27 من 27

الموضوع: سيطرة وهمية

  1. #21
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    سيطرة وهمية
    (6)


    لأي مصير محتوم يسوقهم هذا الظلام وبأي شيء يتشبثون وكل واحد منهم يرى أنه هو المقصود دون غيره، فكل ما يطلبه الارهابين متوفر بينهم، السني الذي لم يرتضي لنفسه أن يكون مطية لهم ، أو الشيعي الذي يعتبر ألدّ أعداهم، أم هو التاجر الصليبي المحسوم أمر كفره، أم ذلك الشاب الذي يتوق الى الحياة بعين متفتحة ويرى في العلمانية أنها المنجية من خطر الإسلام المتشدد..
    كلهم يفكر في دخيلته عن الخلاص الذي بدى يتلاشا شيئا فشيء، وحلت محله الذكريات التي صار يحن اليها جميعهم، وما بينهم وبين فراقها إلا لحظات لا يعلمون إن كانت ستطول، أو ستاتي سريعا، لكنها كيفما ستكون فإنها ستقطع ذلك الجمال، وتزرع في مكانه الموت الذي يذهب بالارواح الى عالم الاخرة، ويترك خلفه الأجساد نهبا للضياع بعد أن تفترسها الأحقاد، انتقاما من الانسانية..
    مالت السيارة بانعطافة حادة خلخلت توازنهم وقطعت سلسلة أفكارهم، وقد علا صوت رصاص في الخارج كان يزن في اذانهم.. خفضوا رؤوسهم حتى انقطع وابل الرصاص بينما السيارة تتهادى ببطء، حتى توقفت، أصوات متشابكة، متجمهرة ،كان الرصاص من بنادقها احتفالا بالغنائم القادمة، رقصوا حولهم ثم فتحوا باب الشاحنة واستلوهم من ياخات ملابسهم، و ورشقوا فوق رؤوسهم رصاص التكبير ثم اقتادتهم الأيد بإشارة من كبار الموجودين كانوا ينادونه بالامير، ركلوهم داخل بناية لمطحنة حبوب قديمة، لها باب كبير في وسطه باب صغير أخلوهم من خلاله، ودخل خلفهم الأمير وحذرهم عاقبة أفعالهم، وعلقوا النظر في أمرهم حتى يأتي الأمير، ثم أمر بخلع الاكياس من رؤسهم، ومن ثم تفتيشهم جيدا فلم يبق لديهم سوى الثياب التي عليهم، واغلقوا الباب خلفهم .
    تركوهم يموجون في نظرات حزينة تلطخ جدران المطحنة البائسة، نهض الشاب ودار حوله يبحث عن نافذة للنجاة، فلم يجد سوى ثقب رصاصات اخترقت الباب ، نظر من خلالها الى الخارج فلاح له إثنان يجلسان عند الباب ، وقليل متباعدون عنهم ومجلس الامير قريب من حافة نهر، تغدو وتروح إليه الأطباق وحوله لمة من نساء مزينة بألوان براقة تلصف في وجه الشمس التي جعلت الاشياء تقف على ظلها، أدار ببصره فلم يجد خرما ينفذ منه قط سوى مفرغة الهواء المعلقة بدكت طويل الى السقف تأمل حركتها الناعسة بينما عيون البقية تنبش الأرض قبل المعاول التي ستواريهم، ولا أمل لديهم سوى نهاية هذه اللحظات المريرة قبل الموت..
    خرخشة في صدر الباب ثم انفراج يسير أعاق تتمته سلسلة غليظة، سمحت بفتحة ألقي من خلالها كيس أسود رمته يد بازدراء، ثم أغلقت الباب، تفحصه الشاب فاذا بداخله قطع من خبز بائت عليه بدايات عفن تقزز منها ورغب البقية عنها فتركوها في المكان الذي وقعت فيه.
    هبط الليل ولم يأت الامير بعد ، وتكاثر لغط في الجوار ونداءات تبثها أجهزة محمولة تبث تعليمات مرمزة، يدور بها رجال يدخلون ويخرجون من غرفة قبالة المطحنة ، بمسافةعشرين مترا يمكن ملاحظة الرجال من بعيد على أضواء مصابيح تبث أضواء باهتة، وصوت مولد للكهرباء يملأ المكان ضجيجه.
    أوقد رجلان عليهما ملابس باكستانية بعض الكرب في تنكة فارغة، قبالة باب المطحنة المظلمة ، بينما يخط السائق وأبو كريم أرجلهما جيئة وذهابا في وسط ظلامها النتن، لم يدرك أحد سر حركتهما ، حتى تنفس أحدهما غاضبا وكشف حاجتهم الى الخلاء، أشار الشاب الى نهاية الغرفة خلف المكانة الكهلة فنهض التاجر قبلهما بعدما عجز أن يفعل مثلما مما تضايق منه.




    يتبع

  2. #22
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,105
    المواضيع : 317
    الردود : 21105
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    ياآلهي .. ما أجمل قصتك ، وما أروع قدرتك على القص الذي يأخذ بتلابيب المتلقي
    وقد انحبست الأنفاس مع حروفك ـ وقد استطعت ببراعتك التصويرية أن تجعلنا
    نعيش داخل الحدث بإبداع يعانق بروعته أفق الخيال
    أتمنى أن تكمل قصتك حتى لا نبقى مرعوبين في انتظار مصير ابو كريم وجماعته
    وفي انتظار التتمة سنكون على شوق
    سلمت يداك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #23
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    ياآلهي .. ما أجمل قصتك ، وما أروع قدرتك على القص الذي يأخذ بتلابيب المتلقي
    وقد انحبست الأنفاس مع حروفك ـ وقد استطعت ببراعتك التصويرية أن تجعلنا
    نعيش داخل الحدث بإبداع يعانق بروعته أفق الخيال
    أتمنى أن تكمل قصتك حتى لا نبقى مرعوبين في انتظار مصير ابو كريم وجماعته
    وفي انتظار التتمة سنكون على شوق
    سلمت يداك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    إن شاء الله تعالى ستكتمل مع تشجيعكم سيدتي العزيزة
    بارك الله فيكم
    ممنون نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #24
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    سيطرة وهمية
    (7)


    استند أبو كريم الى حافة الجدار ومال برأسه الى الوراء وظل يضربه بخفة ضربات متوالية كأنه ينكت ما فيه من حياة ليسلمه فارغا الى أصحاب الرؤوس الفارغة، ضحك ضحكة عالية دون أن يرد عليه أحد ظنه البعض ضحكا هستيريا هو أحد علائم الموت الذي يزحف نحو صاحبه لكنهم لم يدركوا كنه ضحكته فسكت غير مبال لوجودهم، وهم غير مبالين بما صدر عنه من ضجيج أقض سكونهم الممهد لذلك السكون الأبدي..
    - وين ما أروح ألكَه سعدون كدامي..
    قالها متمتما، وضحك مرة أخرى، ثم صمت فجأة لكن نفسه العاقلة أبت عليه فعل ذلك فراحت تنهره وتهمس في جوهره وتذكره بأنه الرجل العاقل الكامل، فرد عليها ضجرا:
    - وما الفرق بين سعدون الذي أراد أن يقطع وصلي بمن أحب وكان مستعدا لإرسالي الى الموت لولا تدخل أهل الخير، وبين هؤلاء؟ شنو الفرق بيناتهم؟
    ردت عليه نفسه العاقلة:
    - لقد فقدت رباطة جأشك، واستسلمت للموت خائفا مذعورا كأنك طفل صغير لم يخبر الحياة طوال تلك السنين الماضية، كيف أمضيت خدمتك العسكرية أيام حرب ضارية امتدت لثمان سنين؟! .
    - اني كبرت وجاي مجتف للموت مثل النعاج، خل يفكوني ويشوفون الزلم..
    ضحكت منه نفسه العاقلة واردفت : سيفكونك فلننظر ماذا ستصنع أيها السبع..
    هدأت نفسه فبادرها: ولكني لا أبكي على نفسي.. قالها وقد دب في عروقه الذبول وخالجته أصوات حزينة تكسرت في قعر ذاكرته في ذلك الظلام .. أنا حزين على بناتي على زوجتي وقد اشتقت لهن، الله يدري هسه هنه بيا حال.!
    - ما هكذا كنت يا رجل لقد كنت متماسكا قويا لا تظهر منك سوى الصلابة والعزة ولا تميل بك ريح الشوق فتقع في حبال الذبول لتجرك نحو الوهن .. اصبر فما صبرك الا بالله وتوكل عليه، وعد الى ذكر ربك أليس وقت التهليل والتسبيح قد حان، أم أنك تهلل وتسبح في الرخاء فقط..
    أنتَ في أمسّ الحاجة إليه وحسبك أن تتذكر قصة نبي الله يونس (عليه السلام) إذ التقمه الحوت وهو مليم فكان يسبح في بطنه فانقذه الله بذلك التسبيح ..
    استنشق نفسا عميقا فعلا صدره ثم انخفض بعد زفير طرد فيه ذلك الخوف الذي تسلل اليه فاسلم أمره لله وترطبت شفتاه بالتسبيح ( سبحانك لا إله إلا انت إني كنت من الظالمين) سمعها القوم فضجوا جميعا الى ربهم وكل يدعوه بما يحفظه من أذكار ، ولا ملجا منها إلا إليه.
    - رحم الله والديك .. قالها السائق وراح هو الاخر يهلل ويرتجي ربه ويتذاكر أمره وكيف كان الموت قريبا منه يوم دك بعض شباب ملثمين بيوتهم، ورشقوهم برصاص بنادقهم واختفوا خلف البساتين، حدث ذلك لثلاث ليال متتالية، بعدها تناثرت منشورات في الدروب وفي ساحات البيوت تحث الجميع على الجهاد وتحذر المتمردين، خرجت بعض العوائل نحو مدن الجنوب، وظل هو وعائلته بعدما تواصل مع شيخ العشيرة الذي طمأنه بأنه غير مقصود فهو من أبناء العامة وليس عليه شيء، وصار يتذكر كيف نهره الشيخ حينما حدثه عن جيرانهم الشيعة، عاشوا معا لسنين وتزاوجوا فيما بينهم، قال له: لم نر منهم إلا الخير وليس لديهم أي علاقة بما يفعله الصدريون في بغداد، لكن الشيخ أسكته ونهره أن يعود لمثل هذا الحديث حتى خرج من كان عنده فاعتذر منه الشيخ وقال له فعلت ذلك حتى لا يظن هؤلاء السوء بنا ، وأنصحك أن تمسك لسانك..
    توالت الأحداث وبدأ مسلسل الإبادة اليومي لكل من كان يعارض حتى دنا الخطر من عائلته فقرر أن يخرج بهم فاراً، وبالفعل كان ذلك عشية ليلة مشوا فيها مسافة عشرين كيلوا مترا على أقدامهم بين البساتين والبزول، ساعدهم بعض الشباب من تلك المناطق، انظم بعضهم فيما بعد الى الجماعات التكفيرية؛ هددوهم، واغروا بعضهم بالأموال والنساء، لكنه ظل متواصلا مع بعضهم ممن ظل يحمل له الود فكان يخبره أن بيته قد أصبح سكنا للأمير التونسي أبو قتادة وبعض حاشيته وتحولت قريتهم الى ثكنة عسكرية يمارسون فيها أفعالهم تحت جنح الليل الاسود.
    نبع الى قلبه ذلك الخوف فانكمش على نفسه وهزأ بنفسه وصار يتكلم دون وعيه ويقول:
    - لا يابه أمان الطريق أمان، ليش هو أكو أمان لأولاد الحرام..
    قالها ثم تأوه عاليا يلوم نفسه على هذا العمل الذي حذره كثيرون منه ولكنه لم يستمع اليهم وتذكر حينها مقولة زوجته بعدما انتقلوا الى مدن الوسط واطمأنت على أسرتها:
    - مروتك يا رجال عوف هاي الشغلة ما بينه حيل كلوبنه تلفانه من يومها..
    لم يصغ لها هي الاخرى وغره السكون الذي سبق هذه العاصفة التي لم تأتي بجديد عليه فإن كان لأخرون أمل في النجاة، فلن يكون له عُشر ذلك الأمل فإن علموا به وعرفوا فعلته سيكون مرتدا، وللمرتد قتلة تختلف عن غيرها، فاستسلم لقدره المظنون وقلبه متعلق بالله ولسانه يسبح بشعور أو بدون وعيناه تهملان ونشيجه تشابك مع عبرات تكسرت بصوت أبو كريم وهو يدعو ربه بدعاء الخلاص.
    ضحك التاجر وهو يجذب رجله ويمدها ويقول في نفسه لن يمضي بك البلاتين هذه المرة فجهاز كشف الشخصيات لا يعتني بالمعادن، هو يبحث عن الاسماء والصفات والاديان، ولن يتأخر الأمر عليهم لمعرفتك، إن لم يتبرع أحدهم بكشف هويتك، مسيحي!!
    لقد صدق أبو كريم في قوله انهم لو علموا بوجودك لدفعوا بدلا عنك مال قارون، لقد جئتهم بالمجان دون أن يدفعوا فلسا واحدا أو يتكبدوا عناء الترصد لخطفك من أمام كنيسة في بغداد، لقد منَّ الرب على من فرّ من هذا البلد، ما كان يبقيني فيه وأي تجارة هذه التي سأمنح في نهايتها روحي بلا ثمن وأخسر نفسي الى الأبد، ليتني خرجت مع أخواتي وأخوتي وتنعمت بخيرات الرب في استراليا وأوربا، ظللت حبيس طمعي، وأجلسني جشعي، وهكذا هي نهاية أصحاب النفوس الصغيرة، الخاسرون هم من لا يضحوا بأرواحهم، ولا يسافروا من أجل روح الله، يا روح الله وابنه الذي في السماء لقد كنت خائفا مثلي فارشدني للخلاص، امنحني قبسا من إخلاصك لا نجو من خطيئتي التي أخلدتني الى الارض، أعترف لك بالتقصير، أعترف لك بالإثم والخطيئة فسامحني واقبلني.. سامحني واقبلني..
    لم يشعر وهو يتلفظ بكلماته أنها تهدر منه بصوت عال لفت انتباه الجميع، فقال الشاب في تهكم واستغراب:
    - عجيب أمركم أيها السادة كلكم تدعون ربا واحدا برغم أنكم متفرقون في معرفته، وبرغم ذلك فأنتم تخافون من موت قادم يسومه لكم أبناء دين مثلكم، وهم يتقربون الى ربهم بذلك ابتغاء رضاه وقبوله لهم بجناته المشحونة بالحور العين، أنا أكثر واحد فيكم يحق لي الخوف من ذلك الموت الذي يترصده أصحاب الدين ممن يريد تطبيق شريعة الله على الارض، أنا لست مؤمنا بهذا الرب الذي يراه التاجر أو السائق أو أبو كريم، فكل واحد منكم له دين مفصل على مقاسه، أنا أرفض كل تلك المقاييس وما زلت أرى أن الدين الذي يمكن أن أؤمن به هو الله وحده دون واسطة تعكر صورته في قلبي كما تفعلون.. فهذا المسيحي يرى أن السيد المسيح هو ابن لله الجالس في السماء..
    - استغفر الله هاي شجاك عمي، كمت تخروت؟
    - لا وداعتك عمي أبو كريم ما أخروت، هذا أخونه المسيحي هيجي يشوف الله أما انتم الشيعة فالطريق الى ربكم واحد لا سبيل سواه، وهو التمسك بالعترة وكل طريق آخر مرفوض كأنكم الموكلون بإغلاق أبواب الرحمة.. فاردف أبو كريم:
    - والنعم من أهل البيت.. هيجي ربك أمر..
    - وكذلك صاحبنا السائق هو الاخر على دين يرى أنه هو الحق وأن كل مذهب غير مذهبه وما كتبه له الشيخان فهو كفر ورفض.. كذلك فعلمائهم يصفون الله بصفاتهم ويقللون من قدر نبيهم ويصفونه بمواصفات لا تليق بالرجل منهم..
    - استغفر الله عمي هذا الحبيب المصطفى، صلوا على محمد وال محمد.. نسي أبو كريم أنه داخل الصندوق، وعلى مقربة منه جلادان يمكن أن يسحلانه الى الهاوية، ولكنه لم يكترث فصدح بالصلوات عاليا فيما أحجم السائق عن الكلام واكتفى بجملة واحد قالها للشاب وسكت:
    - خلينة بالله من هاي السوالف، احنه بيا حال..
    ولكن التاجر المسيحي لم يخليها كما أراد صاحبه السائق، بل تصدى للطالب الشاب بحزم وقال له: هكذا أنتم دعاة العلمانية تحاولون فصل الدين عن الحياة تشككون في كل شيء، وكأنكم مخلوقون بلا زلل، وبرغم أفكاركم الصاخبة إلا انكم لم تأتون يوما بما هو نافع ومفيد فقط تنظرون وتشككون بقصد الاساءة للدين وفي أذهانكم انكم على حق دون هذا العالم، فانتم بالحقيقة انعكاس لما تحاولون محاربته، ولا تختلفون عنا بشي سوى بكفركم وظلالكم.
    - أرجوك اني محترمك.. لا تتجاوز!
    لما احتدم الحديث وسخنت الاجواء، وتشنج الود وخالطته البغضاء، أحس أبو كريم بالخطر فنبع من بينهما ومد يديه بينهما بانفراج الى الجانبين :
    - عمي صلوا على محمد وأل محمد .. ثم التفت الى التاجر : شجاك مو انته الجبير؟
    - ما تشوفة حجي شد يحجي طلعنه من الكلجية ابو الماجستير.. جلس التاجر الى جدار قريب وظل يتمتم في انزعاج:
    - غريبة والله صايره مودة بالجامعات لو ملحد لو علماني..
    - يا جماعة اكعدوا احنه بيا حال.. كررها السائق على الجميع قبل أن تسرق مبادرته أزيز رصاصات أخرست الألسن تبعتها بوقت قصير نداءات وحركة للجميع ومن ثم أضواء سيارات تقترب تندفع تباعا كان عددها من خلف الباب أربعة ترجل من الثانية رجل بقامة فارعة وعليه جبة وله ذقن طويل وعلى رأسه كوفية بيضاء، وكلٌ يرحب به ويقبل يده، لقد جاء الأمير ..
    كلمات طرقت مسامعهم فامتعضت أمعائهم وخارت قواهم فقد اقترب موعد حشرهم الذي لا مفر منه.



    يتبع

  5. #25
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,105
    المواضيع : 317
    الردود : 21105
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    حوار رائع وفلسفة وفكر وتلخيص لحال البلاد بطوائفها المختلفة
    مختصرة في تلك المجموعة الواقعة في قبضة الأرهابيين..
    وقد كنت في حالة استمتاع باللهجة العامية ـ رغم إني غير محبزة
    لها في القص ـ ولكن عندما أكثرت منها عاقت الفهم مثل:
    ( شجاك ـ كمت تخروت ـ شد يحجي طلعنه من الكلجية)
    من أروع ما كتبت ـ فسلمت يداك.
    تحياتي وشوقي للبقية. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #26
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    حوار رائع وفلسفة وفكر وتلخيص لحال البلاد بطوائفها المختلفة
    مختصرة في تلك المجموعة الواقعة في قبضة الأرهابيين..
    وقد كنت في حالة استمتاع باللهجة العامية ـ رغم إني غير محبزة
    لها في القص ـ ولكن عندما أكثرت منها عاقت الفهم مثل:
    ( شجاك ـ كمت تخروت ـ شد يحجي طلعنه من الكلجية)
    من أروع ما كتبت ـ فسلمت يداك.
    تحياتي وشوقي للبقية. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الله يحفظكم ست نادية وأشكر متابعتكم الدائمة
    ساشرح لك مابين المزدوجين
    ( شجاك ـ كمت تخروت ـ شد يحجي طلعنه من الكلجية)
    شجاك = ماذا دهاك
    كمت تخروت = كلامك غير مفهوم
    شد يحجي = ماذا يقول ( استغراب)
    طلعنه من الكلجية = يتهمنا باننا على غير الطريق السوي
    الكلجية: كلمة عامية تعني الاشخاص الذين لا يمتلكون كلام وليست لهم مصداقية او التزام في المواعيد او المواثيق التي يقطعونها على انفسهم.

    دمت بخير وعافية .. احترامي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #27
    الصورة الرمزية محمد مشعل الكَريشي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 870
    المواضيع : 89
    الردود : 870
    المعدل اليومي : 0.20

    افتراضي

    سيطرة وهمية
    (8)





    لف النهار مسيرة الشمس وغطاها الليل برداءه الاسمر، وتمدد لونه المعتم في الارجاء، وعيون أم كريم ما زالت تترقب ناصية الطريق مع قلق لف روحها الحنونة بعد طول الانتظار في النهار، وهاتفها لا يمل مجيبه الآلي تكرار ( الجاز مغلق أو خارج منطقة التغطية...) .
    عيون البنات تتطلع بوجه الأم دون الطريق فمرآته وجه أمهن التي دفعها الخوف على زوجها أن تتصل بولدها كريم قبل نزول قرص الشمس، وها هي تنظر الولد ووالده، في أول الليل الذي نشر فوق رداءه المعتم حبات اللؤلؤ فراحت تبض فوقه مثل قلوب واهنة..
    لم تكن قد اعتادت وجودهما فالأبن قد سكن مع زوجته في بيت قريب، والزوج يعمل بالحراسة سوى بعض أيام اجازته فكأنه البدر الذي لا يكمل في الشهر إلا في يومين أو ثلاثة، مرت الدقائق والساعات الثقيلة بعد مغيب الشمس ومن قبلها كانت تلتمس له عذرا فربما تأخر في بغداد بسبب المعاملة، أو ضاع هاتفه، أو ربما سُرق منه..
    هب الولد سريعا ومعه زوجته وطفله، فلما رأى أمه واقفة مثل جذع نخلة تسورها ظلام كثيف سألها بلهفة ووجل:
    - ها يمه خو ماكو شئ؟
    - أبوك طلع من الصبح لبغداد، و لسه ما رجع!
    - بغداد؟ علمود التقاعد مو؟
    تساءل ثم أحجم عن الإجابة التي إن نطقها سيكدر بذلك سمعها، يكفيها ما هي فيه، عالج الأمر بالتصبر والتوكل، وطلب منها أن تدخل ليرى ما يمكن فعله.
    مرت الساعات وكريم لم يترك أحد من معارفه إلا واتصل به حتى تهاطل إليه في ذلك الليل البهيم، الاعمام والاخوال، الاقارب والجيران، المحبين والمبغضين، بعقل ويشاميغ وقليل في بناطيل، وكلٌ يحمل معه قصة من قصص الارهاب التي طالت أبناء المدينة، أي فأل هذا الذي حملوه معهم الى كريم، وأي تسليم هذا الذي بدأ يدب في النفوس، حتى قطع نياط الأمل وألقاه في اللاعودة، كل ذلك وفوقه إلقاء بعضهم اللوم على أبو كريم على تعجله في الذهاب الى بغداد، فيما بادر بعضهم معترضين؛ لقد ذهب وعاد آخرون دون أن يحدث لهم شيء، ولكنهم ما زالوا غير مكترثين لما يعتصر الوالد من ألم الفقد لوالده، ولم يدركوا أنما يصل بعض حديثهم الى مسامع زوجته التي وقفت خلف جدار تتسمع الى ما يقولون، كثُر حديثهم وعلا حفيف رجولتهم التي تلاهبت كألسن النيران، وكلٌ يعزم الذهاب بحثاً عنه..
    تقدم سعدون ووقف في وسط الجمع وبيده بندقية مذخرة أخذ يضربُ على أخمصها بباطن كفه ثم ينترها متحدثا بعد أن أمسك شاربه:
    - هاي الشوارب مو عليه إذا ما أحرك (مويلحه) وأهلها.
    - عمي على كيفك سعدون، اسكت مو وكت هذا الحجي.
    نهره كبير عومته وكان رجلا مربوعا يتناثر منه الوقار والهيبة فسكت الجميع حين علا صوته على الاصوات..
    نهض رجل من أعمام كريم وكان كبيرا في السن ثم اتكأ واثبا على ساق بدقيته كأنه يرد على سعدون بوجود رجال في العشيرة:
    - الما يتحزم للموت يموت على باب بيته، ما نسكت بعد، وصلت حدها.
    نهض رجل متوسط في العمر رافعا يده وقد أخرجها من ردن عباءته فسكنت أصوات من حوله وعاتب الرجل ثم شكره على مشاعره والتفت الى البقية، حدثهم فكان يستنطق عقولهم ويخاطبهم بلسان الحكمة:
    - يا جماعة الخير يقول الامام علي (ع) " لا يجوز القصاص قبل الجناية" غير نعرف السالفة بالأول وبعدين نحكم. انطونه صبر رحم الله والديكم.
    نفض سعدون رداءه وتنحى جانبا كأنه لا يريد الاحتكام إلا للسلاح والطك والفشك، ولحق به فتات من الرجال راحو ينفثون دخان سجائرهم في الفضاء، فيما اجتمع أغلبهم حول كريم وثلاثة من كبار القوم فقرروا أن يخبروا الدولة بما حدث، ولكن سعدون وجماعته ممن حملوا بنادقهم على أكتافهم كالمساحي سخروا من قولهم فتناجوا " خل الدوله تحمي نفسها"..
    وصل صوتهم الى الرجال فهزوا الرؤوس وفي دخيلتهم صدق ماتناها الى سمعهم ولكنهم كعادتهم يلتسمون الطريق الصائب فقالوا لهم بلغة هادئة قوية نافذة " عينوا خير ".
    انتصف الليل وأم كريم لا تطيق مجلسا إلا ونهضت منه تدور بين لمة من النساء اللائي درن حولها، يصبرنها بينما ذهلت بناتها فكأن خرس أصابهن وبدت كل واحدة منهن تشعر بضياع يجذبها الى الداخل.. زينب وسكينة حزينات مهمومات بينما تكورت ضحى ووضعت رأسها بين ركبتيها وأخذت تنشج في بكاء عميق أوهن قلبها الذي اعتصر ألما على فراق والدها وهي تتخيل مخلوقات بشعة تتقاذفه باذرعها كاللهب من كل مكان وهو لوحده بين مخالبها التي تنهش في جسده العاري .. تبكي وتبكي فيضج من قربها بالبكاء على بكائها، تمسد نسوة شعرها وتمسح على خدها وابل الدموع وتطمئنها بأن والدها بخير وتصف لها صورا من فرضيات تبعد عنها تلك المشاهد المؤلمة التي حشت رأسها..
    أرسلت أم كريم في طلب ولدها وأمسكت بتلابيبه وسألته بحرقة:
    - ها يمه شكو ؟
    - هسه يمه، خبرنا الشرطة وراح نشوف شنسوي من يجون.
    في الاثناء توافدت سيارات عليها أضواء تبرق وتنطفأ ويطلق بعضها صفير يسلب السكينة من النفوس..
    - يمه هاي سيارات الشرطة.
    انصرف كريم سريعا، ونظر والدته مشدود في خطواته، ولولا الحياء لعمدت الى مرافقته ولكنها آثرت الاقتراب خلف الجدار تنصتُ الى حديث صاخب علها تسمع بعض منه يمكنه أن يهدئ هذا البركان الذي يغلي في صدرها..
    لم يكن في جعبة رجال الشرطة شيء جديد حول الخطر الذي يتخطف الناس في تلك المنطقة المشؤومة وقد اعترفوا بعجز الدولة عن القضاء عليه، ولكن الذي فعلوه قبل مجيئهم هو الاتصال بالسيطرات الخارجية والاعلام عن الشخص المفقود، لكن الجواب كان متوقعا فلم يحصلوا على أي معلومة عن أبو كريم، أو السيارة التي كان فيها، وكأنهم فصح ملح ذاب في الطريق..
    طلب رجال الامن أن لا يتدخل أحد في هذا الموضوع فربما يزداد الامر سوء كما حصل في قضية عشيرة السعيدان حيث اختفى منهم رجلان اثنان، فذهب أخوتهم من خلفهم للبحث عنهما ولحقهم بعض أولاد عمومتهم، فكانت النتيجة هو ارتفاع عدد الضحايا الى ستة.
    ضابط الشرطة طلب من كريم وثلاثة من الرجال من كبراء القوم اللقاء، واختلوا في داخل المضيف وأعلمهم أنه تلقى شكوى مماثلة عن غياب شاب جامعي وتاجر للمواد الاحتياطية وسائق سيارة اجرة أغلب الظن أنهم جميعا مع بعضهم لان كل الدلائل تشير الى ذلك خصوصا أن وقت انطلاقهم اتفق فيه الجميع ، ثم طرح الضابط بعضا من الفرضيات المحتملة فإما أن يتصل من ساهم في اختفائهم ويطلب الفدية، أو لا سامح الله يقتلهم دون أن يكون هناك خبر، أو ربما كان أبو كريم وغيره محتجزين عند الامريكان، أو في مكان ما، وهذا ما سنعرفه إن شاء الله، فقد أرسلنا برقيات الى الجهات ذات العلاقة..
    غادر رجال الامن فنبع من خلف الأشجار سعدون وجماعته؛ لا يجرؤ أحد على حمل السلاح أمام الشرطة، فلما رحلوا خرجوا ببنادقهم وهم يتساءلون عما افرغته الشرطة في جعاب قومهم فلما اخبروهم بما دار من حديث قالوا لهم مؤنبين:
    - ها شكال البهلول؟ عمي الشرطة ما تسوي شيء.
    عادت أم كريم تجر خطواتها بوهن شديد وعلى رأسها حطت هموم لا تقو على حملها ولكنها كابرت ما كانت تنوء به وصبّرت بناتها فيما غادر عنها بعض النسوة، وظل منهن أقرب النساء رحما بها فأجلسنها والصبر حديثهن، كما هو حديث الرجال..
    -كم الساعة الان ؟
    سأل شيخ العشيرة . فكانت الواحدة والنصف بعد منتصف الليل لمحها كريم على شاشة هاتفه النقال ومعها وميض اتصال ثم رنة، والاسم الظاهر في الشاشة هو " أبوي"
    - أبوي!!
    نطقها كريم بصوت عال كمن عثر على كنز مطروح في الطريق، فوثب على قوله قولهم " افتح.. افتح الخط"
    - ألو .. ألو .. بويه ..
    برغم أنه لم يسمع صوتا في الطرف الاخر إلا إنه انتحب باكيا، وكأنه سمع صوت والده يتردد في مسامعه عندها جذب شيخ العشيرة الهاتف وقال:
    - ألو أبو كريم؟
    - أبو كريم يسلم عليكم.
    - منو أنته؟ أبو كريم وينه؟ خو مابيه شيء؟
    - لا مابيه شيء.
    - لعد وينه؟
    - اذا تردونه يرجعلكم جيبوا عشر دفاتر.. بعدين نتصل بيكم.
    أُغلق الهاتف، وأغلق الشيخ عينييه بألم وامتعاض وكل الانظار إليه شاخصة والانفاس تلهث مسرعة تنافس انفاسه، وكلهم يترقب حرفا يزفر به همه الكبير، فيما ظل كريم يعتصر طرف أنفه كالمزكوم، ويلوذ بنظراته نحو خبر قادم إليه..
    - يا جماعة الخير أبو كريم عايش..
    - اي الحمد لله .. قالها جمعهم وسحبوا نفسا عميقا..
    - عايش . بس.
    - بس شنو؟
    - بس طلبوا فدية عنه عشرة دفاتر.
    ضرب كريم على أم رأسه بكفيه فامسكه الشيخ بيده، وقد استصغر فعلته، وعيلة صبره، فيما ضربت الأكف من حوله على بعضها متأسفة على ما جرى على أبو كريم..
    فلما سمعت أم كريم بالخبر ألقت على مسمعهم بيتا من الدارمي تستهض ههمهم:
    - ماي الوجه ينباع للوجهه بي ماي *** وانه ارد ابيع اعليك وادري انت شراي
    عندها نهض الرجال وعلى قول واحد:
    - عد عيناج أم كريم.
    وقف الاعمام موقفا مشرفا، وتضامن معهم الاخوال، ولحقهم بهم سعدون وقد نكس بندقيته وتيقن أن ديناً بذمته آن آوانه.


    يتبع

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

المواضيع المتشابهه

  1. سيطرة وهمية (2)
    بواسطة محمد مشعل الكَريشي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 19-06-2016, 10:31 AM
  2. سيطرة الحضرة الفلسطينية ..في شعر/عبد القادر رابحي..
    بواسطة معروف محمد آل جلول في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-06-2009, 04:29 PM