" قل هذه سبيلى أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين " .
أهم ما يميز القائد المنهجى - ان صح التعبير - قدرته على التوقع وامتلاكه نظرة استشرافية ثاقبة تؤدى بصورة تلقائية الى الحركة السريعة والحسم فى اتجاه الاستيعاب والاحتواء وتدارك الأمور والمشاكل والأزمات قبل اشتعالها وتفاقهما وتعقدها ، وهذا ما يجرد الخصم المتربص والمناور والماكر والداهية الذى يسير وفق مخطط مرسوم من قدراته وفرصه فى استثمار الكسل الذهنى والحركى لدى القادة على الطرف الآخر فى احراز نقاط على حساب المنهج والتمكن من تشويهه أو كسب جولات فى مواجهة انتشاره وتأثيره .. فقد حاول المنافقون استغلال مناوشة عنصرية عصبية حدثت بين أنصارى ومهاجر ، فتنادى هذا : يا للأنصار وذاك : يا للمهاجرين ، فسمع ذلك رسول الله صلى الله فتحرك على الفور من منطلق الذهنية الاستشرافية والتحرك الحازم والحاسم فقال : " ما بال دعوى جاهلية " ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال " دعوها فانها منتنة "
الرؤية الاستشرافية لأصحاب المنهج تقيه من الوقوع فى فخاخ الخصوم والانهزام أمامهم ، وتكون أحياناً بالاحجام ورفض الدخول فى تحالفات ومسارات من شأنها الاضرار بالدعوة ومستقبلها كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم مع محاولات بنى عامر بن صعصعة للتحالف وفق شروط رآها النبى الحكيم الحصيف تنذر بعواقب وخيمة ، فى مقابل الاقدام على تحالفات أو تأسيس صلح آخر مع قوى أخرى رأى النبى صلى الله عليه وسلم بالنظر الى موازين القوى أن المصلحة فى اتمامه لما سيترتب عليه من نتائج ايجابية للدعوة والرسالة كما حدث فى صلح الحديبية مع قريش .
يستقرئ حامل المنهج الواقع جيداً بجميع تفاعلاته وتحدياته وتحولاته ومستجداته ويتعامل بمسئولية وحذر فلا يخطو خطوة ولا يتخذ قرار كبير الا بعد تأمل ونظر استشرافى للمستقبل وكيف يمكن أن تكون نتيجة ومآل موقفه ، وهذا البعد الوقائى الاستباقى أصيل فى بنية القيادة وتكرين وذهنية القيادات المسئولة الموزونة والمشدودة والمنحازة أبداً للمصالح العليا للدعوة والمجتمع والوطن ، ولما أتى صلى الله عليه وسلم بنى عامر بن صعصعة ودعاهم الى الله وعرض عليهم نصرته فطمعوا فى استغلاله وقال داهيتهم " بيحرة بن فراس " " والله لو أنى أخذت هذا الفتى لأكلت به العرب - يقصد النبى صلى الله عليه وسلم متنبئاً بقدراته ومدى ما سيصل اليه نفوذه - وعرض على النبى صلى الله عليه وسلم هذا العرض " أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ فقال له النبى الحكيم الذى نظر بعينه البصيرة فوراً الى ما يمكن يحدث مستقبلاً اذا تم مثل هذا الاتفاق بناءاً على هذا الشرط .. قال الرسول " الأمر لله يضعه حيث يشاء " .
يدرك القائد يقيناً أن منهجه هو الحق الأصيل وأنه البديل عن التصورات والأخلاقيات والممارسات المنحرفة وأن منهجه منقذ البشرية من التخبط والاسفاف والكراهية والمظالم وسحق الضعيف والفقير والتدنى الانسانى ، فهو حريص كل الحرص على منهجه فلا يتلوث من خلاله أو عن طريقه أو بسبب مواقفه واجتهاداته بتلك المخازى ويستميت لكى يبقى المنهج نقياً فى مواجهة محاولات استدراجه لفخاخ السقوط والتشويه ، فلا يتهاون ولا يفرط وأيضاً لا يرد على الانتهاكات بما يسمح لتحريف محتوى المنهج ومضمونه أو يدخل به مغامرات تجعله عرضة للتشويه أو الانهزام .. وكم كانت هذه الثقة ووضوح الرؤية تملأ نفس الرسول صلى الله عليه وسلم الذى لم يكن فقط يتمسك بالمنهج وتعاليمه وأخلاقياته انما يستمسك أضعافاً مضاعفة اطاعة لأمر الله تعالى الذى يعلم ما لا نعلمه نحن من مكر الأعداء ودهاء الخصوم " فاستمسك بالذى أوحى اليك انك على صراط مستقيم . وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون " ..
" ودوا لو تدهن فيدهنون " .. قليل من ينظر اليها أنها كذلك محاولات من الخصوم والأعداء لاستدراج حملة المنهج والرسالة الى الوقوع فى الفخاخ والسقطات الحضارية الكارثية لتشويه المنهج ذاته ، لقد كانت فى بداية العهد حول محاولات الخصوم الى أن يركن المسلمون لآلهتهم فيلينون هم شيئاً فى عبادة المسلمين وعقيدتهم - كما ذكر المفسرون - واليوم ليست محاولات فى نطاق العقائد والعبادات انما فى النطاق الحضارى والفكرى ، وقد أفاد الغرب كثيراً من تلميع صورتهم بما يمتلكون من أدوات اعلام وفنون وسينما لا يمتلكها المسلمون للرد بنفس القوة والاحترافية باستدراج البعض لتشويه المنهج وتقديمه للعالم فوضوياً همجياً دموياً ، بينما يصورون أنفسهم هناك ملائكة متحضرين أصحاب رقى وانسانية وثقافة .