القصد القصد تبلغوا " كما فى الحديث الذى رواه البخارى ، فما هو الذى نبلغ اذا توخينا القصد أو الاعتدال والتوازن ؟ نبلغ مستوى المنهج الذى فيه من سمات التوازن والاعتدال ما يؤهله لمواكبة المستجدات وانجاز المهام الحضارية الكبرى والاستمرارية فى التأثير والحضور ، فكان ضرورياً أن يتسم القادة وحملة المنهج بسمات المنهج ذاته حتى تكتمل المعادلة ولا تطفو اجتهادات خارج السياق تجذب الركب نحو الغياب والضعف وتهدده بالأفول . بتراكم خبرات الحكمة والابداع المتواصل فى تحرى طبيعة المنهج والالتصاق بها مهما كانت العوامل الطارئة ، وليس بالعنترية الانفعالية ، ولذلك كثرت مثل هذه التوجيهات من النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين " ان هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا ويسروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة ". التدرج وأخذ الناس برفق والمجتمع بما يطيق هو أصل سنن التغيير وفى مثل هذا الحديث ينبه الرسول الكريم الى هذا الفلسفة فى التغيير الفردى وهى لا تبعد كثيراً عن فلسفة التغيير العام " ان هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله ، فان المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " ، فهذا المنهج يتيح تغييراً آمناً على المدى المنظور بالدأب والرفق والملاينة ومراكمة الخبرات والمعارف .. الخ ، وكذلك يدخل فى أساس التغيير العام الى الترقى والبناء والعمران والاسهام بقوة فى التأثير الحضارى والكونى . الانجاز الحقيقى يقتضى تحديد الأهداف بدقة وأن تكون الوسائل واضحة وغير قابلة للانحراف عن أصول المنهج برغم حيويتها ومرونتها وتنوعها بحسب الظروف والتحديات ، وكذلك هناك أولويات لا يُفهم من اتباعها وتقصيها التفريط فى الأصول والثوابت انما هى سلم للصعود نحو الهدف المحدد مسبقاً ، وانما تأخر الاجراء الحاسم النهائى لاكتمال الرؤية وشموليتها فى ذهنية القائد وتفهم أصحابه لها ، فهذا التعجل يؤثر بالسلب على انجازية العمل وعلى الانتاج النهائى ويعوق الوصول الى الهدف ويؤدى الى السقوط فى بداية المشوار أو منتصفه . هذه الجملة تكررت فى السيرة المشرفة على ألسنة من كانوا عتاة الكراهية والحرب على المنهج وقياداته ورموزه " كان أبغض الناس الى فأصبح أحب الناس الى ، وكان دينه أبغض الأديان فصار أحب دين الى " ، هذه النتيجة هى معيار العمل وعلى القائد المنهجى الواعى والمخطط أن يجتهد فى صناعة وابداع الآليات والأساليب التى تناسب كل حالة ، لنشاهد النتيجة الايجابية النهائية بفخر وفرح واستبشار بمستقبل زاهر للمنهج والدعوة بأن نسمع الكثيرين فى السياسة والاعلام والشوارع والمنتديات والميادين والجامعات والأسواق يقولون " والله لقد كنت أبغض الناس الى ولما عرفتك صرت أحب الناس الى " ، و " كان منهجك وطريقتك أبغض منهج الى قلبى ولما عرفتك صار أحب منهج الى " ، فليس وراء ذلك دليل على نجاح رموز المنهج ورواده فى تأليف قلوب الناس والوقوف على أرضية جديدة وكسب حلفاء وأصدقاء ومشاركين جدد . قال هذه الجملة بصيغ مختلفة كثير من عتاة خصوم المنهج ؛ فهند بنت عتبة قالتها ، وقالها ثمامة بن آثال ، وهنا تعامل مختلف بأسلوب آخر مع أحد عتاة الجاهلية الذين حاربوا المنهج بضراوة ؛ فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية يوم حنين مائة من النعم ثم مائة ثم مائة ، قال ابن شهاب حدثنى سعيد بن المسيب أن صفوان قال : والله لقد أعطانى رسول الله ما أعطانى وانه لأبغض الناس الى ، فما برح يعطينى حتى انه لأحب الناس الى " . لننتبه اذاً الى الخطة المدروسة ثم الوسائل المتنوعة ثم النتيجة النهائية الموحدة بصيغة متشابهة تكاد تتطابق ، ولننظر فى المقابل الى أداء غير منهجى ولا خططى ؛ ففى واقعنا اليوم تصديق وترسيخ للصورة المشوهة فى ذهنية الآخر كأن كثير من الاسلاميين يؤكدون للناس أنهم كما يروج عنهم أشرار وانفصاليون ودمويون .. الخ ، وفى مقابل عطاء القائد المنهجى نجد هنا الرغبة فى الأخذ والطمع والسعى لتحقيق مصالح شخصية وحزبية ، هذا الأصل المضطرب وتلك الأساليب السلبية تؤدى الى نتيجة واحدة مكررة نسمعها كثيراً بصيغة تكاد تتطابق اليوم : " كنتم أحب الناس الينا ... وصرتم أبغض الناس الينا " .. دعونا نعترف بالحقيقة ، فهذا بداية الاصلاح والتصحيح