أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: (أقوى من الرصاص ) قصة قصيرة للأديب/محمد شعبان

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد محمود محمد شعبان أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2012
    المشاركات : 2,176
    المواضيع : 158
    الردود : 2176
    المعدل اليومي : 0.49

    افتراضي (أقوى من الرصاص ) قصة قصيرة للأديب/محمد شعبان

    من مجموعتي ( نقوش عربية ) تحت الطبع
    أقوى من الرصاص
    قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان
    ------------؛----------------
    طال غياب زوجها ( عبد الوهاب ) في ( ليبيا ) ولم تَرِدْ أخبار عنه منذ شهرين وابنتها تجلس حزينة على أبيها في أول أيام العيد .. عيد ثان يمر عليها ولما يحضر ليعيد معها كما اعتاد .. وهو الذي كان يشتري لها الملابس الجديدة بنفسه وتثق في ذوقُه ، يتحادثان ويتحاوران و يتعاملان كأصدقاء .. طلبت منه عدم السفر في آخر إجازة ، لكنه أخذ يقنعها أن الأوضاع تستقر وزملاؤه سافروا ويتصلون به ليلحق بهم ويطمئنونه على الأوضاع هناك، وبعد سفره بفترة وجيزة طفقت الأوضاع تنهار وقَلً الاتصال شيئا فشيئا حتى أصبح منعدما الآن ... يصعب عليها أن ترى ابنتها في مثل هذا الحال شاحبة منزوية غير مستمتعة بالعيد .. منذ الصباح تطلب منها وتلح أن تلبس ملابس العيد ليخرجا معا لكن ( صابرة ) لا تستجيب لإلحاح أمها تحاول أمها باستمرار تخفيف وطأة غياب أبيها وانقطاع الاتصالات ، فقد كانا يتحادثان يوميَّا ( واتس آب) و(واي فاي ) و ( وماسنجر ) بالصوت والصورة .. الآن عندما يجتمع كل أفراد العائلة تجد ( صابرة ) الأطفالَ مع آبائهم يضحكون ويلعبون وهي بغير أب .. في آخر زيارة لعمها أحضر لها دمية هدية أبكت كل الحاضرين وترقرقت عيونهم عندما قالت :ـ هذه دمية ( باربي ) التي وعدني أبي بإحضارها لي .. استدرك عمها قائلا : سوف يحضر أبوك لك أفضل منها ..
    اتفقت الأم قبل يومين مع أخيها أن يتحايلا على ( صابرة) باتصال تليفوني فيتصل خال صابرة بأمها وتتصنع الأم أنها تتحدث مع زوجها ثم تعطي الهاتف لـ (صابرة) وأنه لضعف الشبكة لن تستطيعي سماع صوته فتتحدث، ولعلها عندما تتحدث تجد سلوة فيكون تخفيفا عليها فينفرج صدرها وتخرج وتلهو وتنسى غياب والدها الذي طال .. حلٌّ مؤقت لكن ربما يريح أعصاب ( صابرة ) التي تنهار يوما بعد يوم ، أو يسكت شلال الأسئلة الذي لا يتوقف وبكاءها الذي لا ينقطع ، فحالتها تجعل أمها في أزمة مركبة وهي الشابة التي بدت عليها الشخوخة ولما تبغ الأربعين بعد ، فغياب الزوج دون أي أخبار حتى من السفارات والجهات المسؤولة .. لا يعلم أمفقود فنبحث عنه أم ميت فنترحم عليه ، ومن ناحية أخرى تجد هذه الأم ابنتها وقد أوشكت تلك الأزمة أن تعصف بها وبمستقبلها وترفض الذهاب للمدرسة وقد اقترب العام الدراسي الجديد مع أنها من المتفوقات ونجحت في الصف الرابع بأعلى الدرجات .. صعب على أي أم أن تتحمل كل هذا خاصة إن أضفنا عليه كون ( حنان ) أم ( صابرة ) امرأة عاملة بإحدى شركات السياحة .. كثيرعليها أن تتحمل كل هذه الضغوط والأعباء المعيشية من ناحية والنفسية من ناحية والواقعة على كاهلها وكاهل ابنتها، كما أنها تواجه بصعوبة بالغة نظرات كل المحيطين بها من أقارب وأصدقاء وعلامات الإشفاق التي ترتسم في وجوههم عندما يقابلونها بأطنان من الأسئلة والاستفسارات عن الزوج الغائب :ـ أما من أخبار يا ( حنان ) ؟ .. :ـ هل هناك جديد يا ( حنان ) ؟ :ـ هل اتصلت بكم السفارة يا ( حنان ) ؟ :ـ هل يتصل بكم يا ( حنان ) ؟ :ـ هل اتصل بكم أي صديق من أصدقائه هنا يا ( حنان ) ؟ .. يأتيها خبر أن هناك معلومات في السفارة الليبية فتتصل بأخيها لقرب عمله من هناك وتنتظر ـ وما أصعب الانتظار ـ فلا يأتي بشيء .. دائمة التعلق بأحبال الأمل المهترئة يأتيها خبر آخر أن هناك عالقين على الحدود يحتاجون من يضمنهم لأنهم بلا أوراق ثبوتية فتهرع ( حنان ) يحدوها أمل، ومعها عم ( صابرة ) هذه المرة ثم تعود صفر اليدين، وخبر ثالث بوفود جثث من ليبيا ويحتاجون من يتعرف عليها ذهبت ومعها حموها لعلهما يتعرفان على إحدى الجثث المشوهة فأغمي عليها داخل المشرحة من هول ما شاهدت من جثث مقطعة أوصالها ممثل بها محروق أكثرها حت إنها لزمت القسم النفسي بالمستشفى واحتاجت لأسبوعٍ لتفيق وتستعيد عافيتها البدنية والنفسية وتعود لعملها .. كان هذا الأسبوع على ( صابرة ) كالجبل مر صعبا ثقيلا فقدت فيه الأم والأب وقاست فيه الحرمان واليتم رغم وجود كل أفراد العائلتين بجانبها .. الكل يحاول التخفيف عن ( صابرة ) ، بل الكل يحتاج لمن يخفف عنه هذه المحنة ، فلقد أدمن الجميع طوال الفترة الماضية متابعة أخبار ( ليبيا ) على القنوات الإخبارية المحلية منها والعالمية ، الكل يجلس يوميا وقلبه يرتجف عندما تأتي فقرة الأخبار الليبية يتوقعون في أي لحظة أن يروا صورة ( عبد الوهاب ) إما في صفوف من يقتل بعضهم بعضا ومن يطلقون الرصاص على السراب وقد حولوها خرابا ودمارًا ، وإما أن يشاهدوه بين الصرعى الملقين في الطرقات تخطفهم الطير ، أوبين المنتَشلين من تحت أكوام البيوت المقصوفة بالصواريخ، أو بين العالقين على الحدود الليبية في كل الجهات وقد دمرت مصالحهم وشردوا وهامواعلى وجوههم في الداخل والخارج .
    ويأتي اتصال الخال من رقم غير محفوظ على الهاتف حتى لا تكتشف صابرة الحيلة، وترد ( حنان )
    :ـ ألو السلام عليكم .. مَنْ ؟ هاا .. أنا لا أصدق .. (عبد الوهاب) ... نعم .. ألو .. ألو .. نعم نعم أكاد أسمعك بصعوبة .. هل تسمعني ؟
    بَرقتْ عينُ ( صابرة ) ووقفت في مكانها واقتربت من أمها تحاول أن تخطف الهاتف من يدها خطفته بالفعل من يد أمها دون مقاومة من ( حنان ) .
    :ـ تحدثي يا ( صابرة ) إنه ( بابا ) قد لا يصل إلينا صوته لكنه يسمعنا .
    وضعت ( صابرة ) الهاتف على أذنها ، وعمَّ الصمت .. وقت يسير وصابرة تبكي .. فظنت ( حنان ) أن ( صابرة ) قد اكتشفت حقيقة الحيلة ، متوقعة نتيجة عكسية مضاعفةً قد تتسبب في تفاقم أزمتها التي لم ما زالت قائمة وفي أوجها ، لكن وفجأة تحول بكاء ( صابرة ) إلى ابتسام ونظرات حانية لطيفة منها لوجه أمها .. طفق الاستغراب يرتسم على وجه ( حنان ) مع كل هذه التقلبات الانفعالية التي تتابع على وجه ( صابرة ) .. بدت وكأن أحدًا يكلمها بالفعل اعتقدت ( حنان ) للحظة أن أخاها يقلد صوت ( عبد الوهاب ) ، أو أنه استدعى أحدهم ممن يقلدون الأصوات .. لكن ( صابرة ) ـ مع ذلك ـ ما زالت صامتة ولا تنبس ببنت شفه .. تُرى ما الأمر ؟ .. بعد دقائق معدودة أغلقت ( صابرة ) الخط واقتربت أكثر من أمها ولفَّتْ ذراعها حول كتفها وطبعت قبلة رقيقة على خدها الأيسر وقالت :ـ ـ أمي ـ أُخْبِرَ خالي من السفارة أن أبي قد مات ، وينبغي أن أثبت لك أني قادرة على تحمل الأمر وتجاوز كل المحن الأزمات ، فهلا فعلتِ ـ يا حبيبتي ـ .
    --------؛-------
    انتهت
    أسعدني بإضافة facebook
    mohammad shaban

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    قصة مؤثرة تحكي معاناة عاشها او بعض تفاصيلها آلاف ممن بعث هم طلب الرزق على امتداد خريطة الوطن الممزق وذويهم الصابرين المعذبين
    أحسن الكاتب اختيار اسم الطفلة ..
    وأخشى أن النص على زخم محموله اشتكى إسهابا بتفاصيل عازها ضغط وتكثيف

    فرج الله كربة أمتنا بنا
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    من وقع مؤلم لمن يبحثون عن الرزق بعيدا عن أوطانهم فيُحرم منهم ذويهم ويعيشون مأساة الغربة والفقد ويعيش ذويهم مأساة الحرمان والرحيل
    جاءت بلغة سلسة سهلة ربما احتاج لبعض تكثيف لكان أبهى وأجمل
    موجعة بأحداثها وتسلسل مواقفها ونهايتها المباغتة
    دمت مبدعا أديبنا الفاضل
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة مؤلمة ومؤثرة ـ ومن هنا من ليبيا أقول إني شاهدت كم من الأحداث المماثلة
    لمصريين قتلوا أو أسروا أو ضاعوا في خضم هذه المعارك التي التهمت الخضر واليابس
    وضاع فيها شباب البلاد ، كما ضاع من لجأوا إليها مغتربين يبحثون عن العمل.
    رحم الله الشهداء وفرج الله كربة أوطاننا.
    ولك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. حرث على ناصية البوار للأديب / محمد محمود شعبان
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 17-02-2024, 03:55 PM
  2. قصاقيص أدبية (3) للأديب / محمد محمود شعبان
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-08-2016, 05:12 PM
  3. ( الكاتب الكبير ) للأديب / محمد شعبان
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 19-05-2016, 05:46 PM
  4. قصاقيص أدبية (2 ) للأديب / محمد محمود شعبان
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14-12-2015, 06:14 PM
  5. اقتراحات المساء .. للأديب / محمد محمود شعبان
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-04-2015, 02:32 PM