(أرى اللجوء إلى الرمز ضرباً من الجبن اللغوي!! فاللغة إذا اتسمت بسمة الجُبن، كثر فيها (الرمز) وقلّ فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح. ولا تقل إن الكناية شبيهة بالرمز، فهذا باطلٌ من قبل الدراسة الصحيحة لطبيعة الرمز وطبيعة الكناية والمجاز. وأنا أستنكف من الرمز في العربية، لأن للعربية شجاعة صادقة في تعبيرها، وفي اشتقاقها وفي تكوين أحرفها، ليست للغة أخرى.
وإذا كانت اللغة هي خزانة الفكر الإنساني، فإن خزائن العربية قد ادخرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني، وعن النفوس الإنسانية، ما يعجز سائر اللغات، لأنها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم، من نفوس مختارة بريئة من الخسائس المزرية، ومن العلل الغالبة، حتى إذا جاء إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الرحمن أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرماً وأسلمها إلى أبنائه من العرب، وهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم، فظلت تتحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة، حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مبين، بلا رمز مبني على الخرافات والأوهام، ولا ادّعاء لما لم يكن، ولا نسبة كذب إلى الله؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراُ).
أباطيل وأسمار، ص346