حدثوني عنكِ، عن جمالكِ، عن فرسانكِ، عن ماضيكِ وحاضركِ، تألمت لحاضركِ وفرحتُ بماضيكِ، قادتني قدماي نحوكِ وقد سبقني فؤادي وعقلي إليكِ، لا أدري كيف قطعت كل تلك المسافة، وبينما أنا في طريقي أستوقفني صوت قائلاً: إلى أين تذهب؟ أجبته إلى الحسناء الحزينة، إلى المأسورة البهية، فقال: عد إلى منزلك يا فتى، فمن أنت لتذهب إليها؟ فإن مهرها غالٍ ورؤيتها حلم عالٍ، وتحريرها أمرٌ صعب المنال، فأجبته: أنا فارس بلاد الشام وإن كنت تراني غض العود، وسأمضي في طريقي، فللغالي يرخص الغالي، سرت أقصدها فإذا بنور ساطع يملأ الدنيا ويحجب الرؤية، ونهر أحمر جارٍ، اقتربت واقتربت حتى منعني سياج شائك، تأملتها قائلاً: أغبطك يا صلاح على جلوسك في أحضان الحسناء، على تحريرها، على كل شيء، فجرى نهر دموعي؛ لرؤية أنجاس يجلسون بقربها يدنسونها، سامحيني يا روحي، لم أعرفكِ إلا اليوم، كيف لهم أن يناموا وأنتِ أسيرة عند أقذار؟ كيف لهم أن يضحكوا وأنتِ حزينة؟ أين فرسانكِ الملايين؟ أين قبيلتكِ التي بها تعتزين؟ واخزياه على الرجولة، فهبت نسمات دافئة من داخلها مع جريان نهر دموعها قائلةً: رحل صلاح فكيف يكون الحال؟ ناديت وإسلاماه فيا ويلاه على حالي من بعد صلاح، ملّ صوتي من نداء عروبتي، فلم تمسح حتى دمعتي، أما أبنائي لم ينسوني، رووني بدمائهم، قدموا أرواحهم مهراً لي، عن ماذا أحدثك يا فتى؟ فليس بيدك أية حيلة، حينها تملكتني الشجاعة أكثر فأكثر فقلت لها: امسحي دمعكِ يا جميلة، وارفعي رأسكِ فوق السماء العجيبة، فوالله لن أعود، لن أعود، رحل صلاح وأنا حفيد صلاح، وما بين صلاح وصلاح كان طلاح، أبشري بتحريركِ يا أجمل عروس، دعيني أرويكِ بدمي، وأقدم مهركِ مع تحريركِ، كيف لي أن أنام وأنتِ بين الأنذال؟ ولن يطفئ نار قلبي ويشفي غليلي سوى حريتكِ متوجة بابتسامتكِ، عاد الصلاح يا أمة الإسلام وعاد معه زمن الانتصار بإذن الله، اقترب عرس الحرية اقترب يا احتلال.