- ا لمدح :
يعتبر الإنسان المـدح كظاهرة نفسية جزءا مهما من حياته ، وهــو بطبعه مفطور علـى ذلك ، يحب مـن امتدحه ، ويبغض من هجاه وظاهرة المدح عند الشعراء الجاهليين بدأت مكافأة ومحبة وانتهت تكســباً وبحثاً عـن العطايا ، وإذا كان العربي نزّاعاً للأخلاق الحميدة ، والشمائل السامية ، فإنّه أعجب كشاعر بممدوحه لوجود صفات الشجاعة والرأي السديد والكرم والعفة وغير ذلك من الصفات المتناسبـة مع البيئة الجاهليـة ، وقد يتداخل المدح بالفخر حينما يثني الشاعر على فرسان القبيلة وأبطالها وربما تداخــل بالغزل حينما يريد الشاعر أن يصف أخلاق امرأة ما ، ولمّـا صارت ظاهرة المدح ظاهـرة تكسب ، قَدِم الشعراء على الملوك الذين قدّموا لهم الأعطيات ، وجعلوا مكانتهم مكانة سامية كما صنع الغساسنة والمناذرة مع النابغة وحسان والشعراء الآخرين ، وقد وصف مدح زهير بالصدق إذ لم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه كما كان يقول عنه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذبيان في حربهم التي استمرت ما يقارب أربعين(40) عاما :
يميناً لنعم السـيدان وجدتما على كلّ حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقـد كان مـدح الأعشى مختلفاً إذ أنّه كان متكسـباً بشعره على حـد اعترافاته كمـا قال لممدوحه قيس بن معد يكرب :
فجئتك ترتاد مـا خبروا ولولا الذي خبّروا لم ترنْ
فلا تحرمني بذاك الجزيلَ فإني امرؤ قبلكم لم أهـنْ
أما حسان بن ثابت في جاهليته ، فقد كان يأتي من المدينة المنورة إلى منطقة الخمان في حوران لمدح الغساسنة ، وقد أبرز صفاتهم العربية أيما إبراز وذلك في قوله :
لله درُّ عصابــة نادمتهــم يوماً بجلّق فـي الزمان الأولِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف من الطراز الأول
وكانوا يمدحون إشادة بعظيم، أو إعجابًا وإكبارًا لعمل جليل. أو اعترافًا بصنع جميل، أو رغبة في معروف، أو حبًّا في العطايا والمنح، وكانت المعاني التي تردد في المدح من بين تلك التي يتغنون بها في الفخر. يروى أنه لما حارب الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني بني تميم، وانتصر عليهم. أخذ أسراهم. وفيهم شأس أخو علقمة الفحل. فرحل إليه علقمة يطلبه منه، فقال قصيدة يمدح فيها الحارث، بدأها بالغزل ووصف الناقة التي حملته إلى الممدوح. ثم شرع في المدح، فكان مما قال:
وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي ... وقبلك ربتني، فضعت، ربوب
فأدت بنو كعب بن عوف ربيبها ... وغودر في بعض الجنود ربيب
فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا، والإياب حبيب
تقدمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدارعين ضروب
مظاهر سربالي حديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب
فجالدتهم حتى اتقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النهار غروب
تخشخش أبدان الحديد عليهم ... كما خشخشت يبس الحصاد جنوب
وقاتل من غسان أهل حفاظها ... وهنب وقاس جالدت وشبيب
كأن رجال الأوس تحت لبانه ... وما جمعت جل معًا وشبيب
رغا فوقهم سقب السماء فداحض ... بشكته لم يستلب وسليب
كأنهم صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب
فلم تنج إلا شطبة بلجامها ... وإلا طِمِرٌّ كالقناة نجيب
وإلا كمي ذو حفاظ كأنه ... بما ابتل من حد الظبات خضيب
وأنت الذي آثاره في عدوه ... من البؤس والنعمى لهن ندوب
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب
وما مثله في الناس إلا قبيله ... مساوٍ ولا دانٍ لذاك قريب
فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وحينما يسدي الممدوح إلى الشاعر أو قبيلته معروفًا. كأن يطلق أسراهم، أو يحمي اللاجئين إليه منهم. يعترف له الشاعر بالفضل ويشكره على حسن صنيعه. ويثني عليه جزاء ما قدم من جميل. ويروى أنه لما أغار النعمان بن وائل بن الجلاح الكلبي على بني ذبيان أخذ منهم. وسبى سبيًا من غطفان. وأخذ عقرب بنت النابغة الذيباني فسألها: من أنت؟ فقالت: أنا بنت النابغة. فقال لها: والله ما أحد أكرم علينا من أبيك وما أنفع لنا عند الملك. ثم جهزها. وخلاها. ثم قال: والله ما أرى النابغة يرضى بهذا منا. فأطلق له سبي غطفان وأسراهم . فقال النابغة في مدحه:
لعمري لنعم الحي صبح سربنا ... وأبياتنا يومًا بذات المراود
يقودهم النعمان منه بمحصف ... وكيد يعم الخارجي مناجد
وشيمة لا وانٍ ولا واهن القوى ... وجد إذا خاب المفيدون صاعد
فآب بأبكار وعون عقائل ... أوانس يحميها امرؤ غير زاهد
ويخططن بالعيدان في كل مقعد ... يخبئن رمان الثدي النواهد
ويضربن بالأيدي وراء براغز ... حسان الوجوه كالظباء العواقد
غرائر لم يلقين بأساء قبلها ... لدى ابن الجلاح ما يثقن بوافد
أصاب بني غيظ فأضحوا عباده ... وجللها نعمى على غير واحد
فلابد من عوجاء تهوي براكب ... إلى ابن الجلاح سيرها ليل قاصد
تخب إلى النعمان حتى تناله ... فدا لك من رب طريفي وتالدي
فسكنت نفسي بعدما طار روحها ... ولبستني نعمى ولست بشاهد
وكنت امرءًا لا أمدح الدهر سوقة ... فلست على خير أتاك بحاسد
سبقت الرجال الباهشين إلى العلا ... كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد
علوت معدا. نائلا ونكاية ... فأنت لغيث الحمد أول رائد
وقد اشتهر بالمدح ثلاثة من الشعراء الجاهليين، هم: زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، وأعشى قيس. وكان زهير يعجب بالعظماء الذين يقومون بالأعمال الجليلة. فيثني عليهم. ويشيد بمآثرهم وأفضالهم. وقيل عنه إنه كان لا يمدح الشخص إلا بما فيه، وقد مر بنا في معلقته إشادته بالحارث بن عوف، وهرم بن سنان لما قاما به من الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما ديات القتلى. ومن مدائحه في هرم قوله:
لعمر أبيك ما هرم بن سلمى ... بملحي إذ اللؤماء ليموا
ولا ساهي الفؤاد ولا عيي ال ... لسان إذا تشاجرت الخصوم
ولكن عصمة في كل أمر ... يطيف به المخول والعديم
متى تسدد به لهوات ثغر ... يشار إليه جانبه سقيم
مخوف بأسه، يكلأك منه ... قوى، لا ألف ولا سئوم
له في الذاهبين أروم صدق ... وكان لكل ذي حسب أروم
وعود قومه هرم عليه ... ومن عاداته الخلق الكريم
كما قد كان عودهم أبوه ... إذا أزمت بهم سنة أزوم
لينجوا من ملاومها، وكانوا ... إذا شهدوا العظائم لم يليموا
كذلك خيمهم ولكل قوم ... إذا مستهم الضراء خيم
وقال في مدح حصن بن حذيفة بن بدر:
وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغب فواضله
بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعودًا لديه بالصريم عواذله
يفدينه طورًا وطورًا يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخاتله
فأقصرن منه عن كريم مرزء ... عزوم على الأمر الذي هو فاعله
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وذي نسب ناء بعيد وصلته ... بمال وما يدري بأنك واصله
وذي نعمة تممتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحق باطله
دفعت بمعروف من القول صائب ... إذا ما أضل الناطقين مفاصله
وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلمًا وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
حذيفة ينميه وبدر كلاهما ... إلى باذخ يعلو على من يطاوله
ومن مثل حصن في الحروب ومثله ... لإنكار ضيم أو لأمر يحاوله
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه ... عليه فأفضى والسيوف معاقله
أما النابغة الذبياني فقال عن نفسه أنه لا يمدح السوقة، فكان يمدح الملوك والعظماء، من ذلك قوله في مدح عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر الغساني:
كليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الهم من كل جانب
علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
حلفت يمينًا غير ذي مثنوية ... ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
لئن كان للقبرين قبر بجلق ... وقبر بصيداء الذي عند حارب
وللحارث الجفني سيد قومه ... ليلتمسن بالجيش دار المحارب
وثقت له بالنصر إذ قيل قد غزت ... كتائب من غسان غير أشائب
بنو عمه دنيا وعمرو بن عامر ... أولئك قوم بأسهم غير كاذب
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ... من الضاريات بالدماء الدوارب
تراهن خلف القوم خزرًا عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب
لهن عليهم عادة قد عرفنها ... إذا عرض الخطي فوق الكواثب
على عارفات للطعان عوابس ... بهن كلوم بين دامٍ وجالب
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
فهم يتساقون المنية بينهم ... بأيديهم بيض رقاق المضارب
تطير فضاضًا بينها كل قونس ... ويتبعها منهم فراش الحواجب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
تورثن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب
تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب
بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كإيزاغ المخاض الضوارب
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ... من الجود والأحلام غير عوازب
محلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب
رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
تحييهم بيض الولائد بينهم ... وأكسية الإضريج فوق المشاجب
يصونون أجسادًا قديمًا نعيمها ... بخالصة الأردان خضر المناكب
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وأما الأعشى فكان مغرمًا بالخمر والنساء، فكان في حاجة إلى المال فراح ينتقل في جميع الأمكنة بين الشام والعراق. واليمن، يمدح الملوك والأشراف لينال عطاياهم. فمدح آل جفنة ملوك غسان، والمناذرة ملوك الحيرة. ومدح إياس بن قبيصة الطائي. وهوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وقيس بن معد يكرب الكندي، وسلامة ذا فائش أحد أمراء اليمن. وقد قال في شغفه بحب المال وجمعه:
وما زلت أبغى المال مذ أنا يافع ... وليدًا وكهلا حين شبت وأمردا
وأبتذل العيس المراقيل تغتلي ... مسافة ما بين النجير فصرخدا
وكان في العادة يبدأ المدح بالحديث عن ناقته وما لاقته في سفرها من تعب وجهد وإعياء، ثم يعزيها عما لقيت بما سيناله من عطاء الممدوح.
وفي مدحه للعظماء كان الأعشى يصرخ بطلبه العطاء، فمثلًا عندما مدح قيس بن معد يكرب الكندي، وأفاض في الثناء عليه قال:
ونبئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن
رفيع الوساد طويل النجا ... د ضخم الدسيعة رحب العطن
يشق الأمور ويحتابها ... كشق القراري ثوب الردن
فجئتك مرتاد ما خبروا ... ولولا الذي خبروا لم ترن
فلا تحرمني نداك الجزيل ... فإني امرؤ قبلكم لم أهن
ومما يقوله في مدح هوذة بن علي الحنفي
إلى هوذة الوهاب أهديت مدحتي ... أرجي نوالا فاضلا من عطائكا
تجانف عن جل اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا
ألمت بأقوام فعافت حياضهم ... قلوصي وكان الشرب منها بمائكا
فلما أتت آطام جو وأهله ... أنيخت وألقت رحلها بفنائكا
ولم يسع في الأقوام سعيك واحد ... وليس إناء للندى كإنائكا
سمعت بسمع الباع والجود والندى ... فأدليت دلوي فاستقت برشائكا
فتى يحمل الأعباء لو كان غيره ... من الناس لم ينهض بها متماسكا
وأنت الذي عودتني أن تريشني ... وأنت الذي آويتني في ظلالكا
فإنك فيما بيننا في موزع ... بخير وإني مولع بثنائكا
وجدت عليًّا بانيًا فورثته ... وطلقا وشيبان الجواد ومالكا
بحور تقوت الناس في كل لزبة ... أبوك وأعمام هم هؤلائكا
وما ذاك إلا أن كفيك بالندى ... تجودان بالأعطاء قبل سؤالكا
وأروع نباض أحد ململم ... ألا رب منهم من يعيش بمالكا
وجدت انهدام ثلمة فبنيتها ... فأنعمت إذ ألحقتها ببنائكا
وربيت أيتامًا وألحقت صبية ... وأدركت جهد السعي قبل عنائكا
ولم يسع في العلياء سعيك ماجد ... ولا ذو إنىً في الحي مثل قرائكا
وفي كل عام أنت جاشم غزوة ... تشد لأقصاها عزيم عزائكا
حتى بين المتخاصمين كان يأخذ جانب من يرى فيه القوة ويتوقع له الغلبة فيمدحه، ويذم الآخر، من ذلك أنه حينما حدثت الخصومة والمنافرة بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، مدح عامرًا وهجا علقمة فكان مما قال في ذلك
علقم لا لست إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر
واللابس الخيل بخيل إذا ... ثار غبار الكبة الثائر
سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر
ساد وألفى قومه سادة ... وكابرًا سادوك عن كابر
ما يجعل الجد الظنون الذي ... جنب صوب اللجب الزاخر
مثل الفراتي إذا ما طما ... يقذف بالبوصي والماهر
إن الذي فيه تماريتما ... يبين السامع والناظر
حكمتموني فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر
لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
لا يرهب المنكر منكم ولا ... يرجوكم إلا نقا الآصر
يا عجب الدهر متى سويا ... كم ضاحك من ذا وكم ساخر
فاقن حياء أنت ضيعته ... مالك بعد الشيب من عاذر
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
ولست في الأثرين من مالك ... ولا أبي بكر ذوي الناصر
هم هامة الحي إذا حصلوا ... من جعفر في سؤدد القاهر
أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
علقم لا تسفه ولا تجعلن ... عرضك للوارد والصادر
أؤول الحكم على وجهه ... ليس قضائي بالهوى الجائر
قد قلت قولا فقضى بينكم ... واعترف المنفور للنافر
كم قد مضى شعري في مثله ... فسار لي من منطق سائر
إن ترجع الحكم إلى أهله ... فلست بالمستى ولا النائر
ولست في السلم بذي نائل ... ولست في الهيجاء بالجاسر
إنيَ آليت على حلفة ... ولم أقله عثرة العاثر
ليأتينه منطق سائر ... مستوثق للمسمع الآثر
وكان الأعشى لا يتورع عن مدح عامة الناس إذا أصاب منهم خيرًا، من ذلك أنه مدح المحلق بن جشم بن شداد، لمجرد أنه أنزله ضيفًا، وبالغ في إكرامه، رجاء أن يصيبه خير من مدحه، فكان مما قال فيه :
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داجٍ عوض لا نتفرق
يداك يدا صدق فكف مفيدة ... وأخرى إذا ما ضن بالزاد تنفق
ترى الجود يجرى ظاهرًا فوق وجهه ... كما زان متن الهندواني رونق
وأما إذا ما أوب المحل سرحهم ... ولاح لهم من العشيات سملق
نفى الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية السيح العراقي تفهق
يروح فتى صدق ويغدو عليهم ... بملء جفان من سديف يدفق
وعاد فتى صدق عليهم بجفنة ... وسوداء لأيا بالمزادة تمرق
ترى القوم فيها شارعين ودونهم ... من القوم ولدان من النسل دردق
طويل اليدين رهطة غير ثنية ... أشم كريم جاره لا يرهق
كذلك فافعل ما حييت إليهم ... وأقدم إذا ما أعين الناس تبرق
كان الحديث عن صفات البطولة والمروءة والإيقاع بالأعداء والكرم والسخاء صاحب النصيب الأوفى في شعر المدح، وذلك هو ما نجده في كل من الفخر والرثاء، وضد ما في الهجاء. وذلك يرينا كيف كان العرب في ذلك العصر يقدرون هذه الصفات، ومدى أهميتها لهم في حياتهم ومعيشتهم. وأغلب الشعر هنا من إنتاج النابغة الذبياني. وزهير بن أبي سلمى. والأعشى وهم الشعراء الذين شاع عنهم التكسب بالشعر في الجاهلية. أما الأقلية الباقية من شعر المدح فمن إنتاج قلة من الشعراء. قال كل منهم شيئًا في مناسبة معينة خاصة. على خلاف الحال عند هؤلاء الثلاثة.وهناك فرق واضح بين مدح الشعراء الذي لم يخصصوا أنفسهم لمدح شخص معين. ومدح هؤلاء الشعراء الثلاثة الذين اشتهروا بالمدح والتكسب بالشعر. فمع أن الجميع يشتركون في المدح بالشجاعة والقوة والحزم والحكمة في الحرب والصبر على الشدائد، وغير ذلك من صفات الشهامة والبطولة والجود، فإن من عدا هؤلاء الثلاثة كانوا يسيرون سيرًا طبيعيًا في المدح من الاعتراف بالفضل والثناء عليه. أما النابغة والأعشى فكانا يبالغان مبالغة ظاهرة في مدائحهما، فمثلًا كان الممدوح كالأسد، ثم يخلع على هذا الأسد من الأوصاف ما شاء الخيال، وأحيانا كان الواحد منهما يسترسل في وصف هذا الأسد حتى إن السامع قد يظن أن الشاعر يتحدث عن أسد حقيقي خاص، أو أن الممدوح يلبس درعين، ويحمل سيفين، وغاراته لا تنقطع، ما ينتهي من واحدة إلا ويدخل في أخرى. وهو يشنها في أوقات الشدة. ويصل الشتاء بالربيع في الغارات، وينهك خيله حتى إنها لترمي أفلاءها في الطريق، ونصره في حروبه مؤكد حتى إن الطير لتتبعهم واثقة من الرزق الواسع المضمون بقتل الأعداء. ولعل هذه المبالغات لا تكون عجيبة، فللمال أثره الذي لا ينكر في دفع الإنسان إلى محاولة إظهار البراعة في التفكير. والاتساع في الخيال. وفي المدح الذي يقال طمعًا في هدية، أو تحقيق رغبة نجد التملق ظاهرًا واضحًا، كقصيدة علقمة التي مدح بها الحرث بن جبلة الغساني طمعًا في إطلاق سراح أخيه. وقصيدة النابغة الذبياني التي مدح بها النعمان بن وائل بن الجلاح لإطلاق سراح عقرب بنت النابغة، وقصائده التي يمدح بها النعمان بن المنذر. وعمرو بن الحارث الغساني. وكان للفضائل الخلقية حيز كبير في شعر المدح، فمدحوا بعدم الاعتداء على الأقارب واللاجئين، والزهد في الغنائم، وتوزيعها على الفقراء. والسعي في الصلح بين المتخاصمين. وبذل الأموال رغبة في أن يسود السلام، وإجابة المستغيث، وتأمين الخائف، والوفاء بالعهد، وعدم التنكيل بالعدو، وعدم إهانة الأسير، وإطلاق سراحه بدون فدية لا خوفًا من عقاب، ولا طمعًا في ثواب.




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)

11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)