الشعر التقليدي والغنائي
في عصر صدر الإسلام
هذه العناية البالغة بصناعة الشعر الإسلامي لا تقف عند "الشعر التقليدي" الذي فتحه شعراء العصر الجاهلي من أمثال زهير والنابغة والحطيئة، وتعهده شعراء العصر الإسلامي من أمثال جرير والفرزدق والأخطل، ونقصد شعر المديح، وما نهج نهج نماذجه من الهجاء والرثاء والعتاب؛ بل إنها لتمتد إلى ضروب الشعر الأخرى، ونحن نريد أن نصطلح على تقسيم الشعر العربي إلى قسمين عامين:
1-قسم كان يتخذ تقاليد خاصة في صناعته، وكانت له أهمية واسعة في العصور الوسطى، وهو هذا القسم الذي كان يتخذ حرفة للتكسب به والذي كان يجمع له الشعراء من أسباب الإجادة الفنية ما جعل الشعر العربي يتطور إلى مذاهبه الخاصة، وهو نماذج المديح وما يتصل بها؛ ولعل خير اسم يمكن أن نعطيه له هو اسم "الشعر التقليدي"؛ فقد كان يرتبط بتقاليد رسوم كثيرة.
2-وكان يقابل هذا النوع نوع آخر من الشعر استمر يغنّى من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث؛ ولعل خير اسم يمكن أن نطلقه عليه هو اسم "الشعر الغنائي"، وهنا قد يحدث هذا الاصطلاح اضطرابًا؛ فقد نقل بعض نقادنا المحدثين تقسيم الغربيين شعرهم إلى قصصي وتمثيلي وغنائي ووضع الشعر العربي جملة في حيز القسم الأخير، ونحن لا ننكر هذا الصنيع من حيث هو؛ فالشعر العربي كله نشأ في ظروف غنائية، وهو -في أكثره- يصور شخصية الشاعر وأهواءه وميوله، وهو أيضًا يمثل حياة الفرد تمثيلًا قويًّا؛ ولهذا كله لا بأس من أن نجعله في حيز الشعر الغنائي الغربي. غير أنا نلاحظ أن هذا الشعر العربي الغنائي في نشأته وخصائصه أخذت تستقل منه فنون منذ أواخر العصر الجاهلي وتتطور تطورًا منفصلًا. لم تعد تقوم على أسس غنائية، كما كان الحال في أول نشأتها؛ فلم تعد تظهر فيها شخصية الفرد ظهورًا بينًا، ولم تعد تصور عواطفه وخواطره تصويرًا واضحًا، وهي كذلك لم تعد متصلة بالغناء؛ ولذلك كان يحسن بنا أن نميزها عن الشعر الغنائي العام، وأن نصطلح على تسميتها بالشعر التقليدي بينما نبقي اصطلاح "الشعر الغنائي" دالًّا على تلك المقطوعات القصيرة التي كانت تصاحب الغناء منذ العصر الإسلامي؛ بل العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. وكانت هذه المقطوعات تشيع في الحجاز في أثناء العصر الإسلامي، وكانت تتخصص فيها طائفة من الشعراء على رأسها عمر بن أبي ربيعة والأحوص وأمثالهما؛ ممن كانوا يقدمون تلك المقطوعات . للمغنين والمغنيات أمثال معبد ومالك وابن سُرَيْج وابن مُحرز وجميلة وسَلَّامة. وهي مقطوعات كانت تنظم في موضوع واحد لا تسبقه مقدمات ولا تلحقه خواتيم على نمط ما رأينا في مطولة زهير، وهي كذلك لا تكلف أصحابها كل هذا العناء الذي كان يعانيه زهير في حوله حين كان يصنع إحدى حولياته؛ إنما هي قطع غنائية يغني فيها الشعراء حُبَّهم وآمالهم وخواطرهم وعواطفهم الوجدانية، وقلما تجاوزت هذه القطع عشرة أبيات. وأعدَّ الغناء الذي صحبها لتحول واسع في أوزان الشعر العربي وموسيقاه في أثناء العصرين الإسلامي والعباسي، على أن هناك وزنًا من الأوزان التي كانت مخصصة للغناء في العصر الجاهلي قد تحول في هذا العصر الإسلامي إلى الفروع الجديدة من الشعر التقليدي ونقصد وزن الرَّجز الذي كان يقترن في العصر الجاهلي بالسَّقْي من الآبار والسير وراء الإبل، كما كان يقترن بالحروب، وكان يتكون من مقطوعات قصيرة؛ فلما جاء العصر الإسلامي تحول عن مجرى الشعر العربي الغنائي العام إلى تلك الفروع التقليدية وأخذ أصحابه يستخدمونه في المديح والأغراض الأخرى للشعر التقليدي؛ فاتسعت أبياته وامتدت على نمط ما نعرف في قصائد جرير والأخطل، وقد حاولوا أن يوفروا له كل ما يمكن من وسائل التجويد الفني، وأهم شعرائه في هذا العصر العجَّاج وابنه رؤبة ثم حفيده عقبة. ونحن نشعر هنا بأنا إزاء بيت كبيت زهير يأخذ فيه الشاعر عن أبيه صناعته، ثم يلقنها ابنه من بعده، وليس من شك في أن هذا البيت قد حقق لنفسه كثيرًا من الخصائص الفنية. ومهما يكن فإن "مذهب الصنعة" استمر في العصر الإسلامي؛ ولكنه أخذ يتطور، وقد اتخذ الصُّنَّاع أمثلتهم في زهير ومدرسته، وخاصة صناع الشعر التقليدي وأضافوا تجديدًا في بعض الفنون كما أضافوا بعض التعقيد إلى حرفتهم على نمط ما رأينا عند كُثَيِّر بحيث نستطيع أن نعمِّم في هذا العصر كما عممنا في العصر الجاهلي فنزعم أن الشعراء جميعًا كانوا يتكلفون في صنع نماذجهم، إذا كانت تسير كثرتهم في الطريق الذي مَهَّدَه زهير وعَبَّده. ونحن نلتقي في هذا العصر كثير من تلاميذه فهم لا يقفون عند كثيِّر وأضرابه ممن تذكرهم الكتب القديمة كالأغاني وغيره؛ بل هم أوسع من ذلك دائرة؛ فإن مدرسة زهير لم تكن محدودة بحدود معينة ولم يكن لها جدران ونوافذ خاصة؛ بل كانت واسعة تشغل الجزيرة العربية كلها، وبذلك شرَّقَتْ وغرَّبت في سرعة شديدة، ولم تحددها آفاق وأمكنة معينة، ونهض بها كثير من الشعراء كلٌّ يحقق داخل إطاره الفني الخاص ما يمكنه من جوانب مهارة، ووجوه طرافة. وسنرى صناعة الشعر العربي تتطور تطورًا شديدًا في العصر العباسي وتحقق لنفسها من الرقي ما لم يكن يحلم به الشاعر الجاهلي أو الإسلامي؛ ولكن ذلك لا يجعلنا ننسى الحقيقة القائمة، وهي أن الشعر القديم نسيج محكم لصناعة مجهدة.





المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)