الخطابة في عصر صدر الإسلام
أولاً-رؤية عامة في الخطابة في صدر الإسلام:
إن الإسلام نهضة عامة شاملة، لم يعهد لها من قبل في العالم مثيل، وكانت الخطابة عماد هذه النهضة وأداة فعالة من أدواتها، وكانت هذه النهضة دينية في روحها وأساسها، والدين فيض من النور الإلهي والرحمة الربانية، يمتد من السماء إلى الأرض، يضيء ظلماتها، ويبدد غياهب الجهالة فيها، ويؤدي رسالته الأولى في إصلاح المجتمع البشري، وتحقيق أسباب السعادة له في حياته، وليس الإسلام دين جمود، فيقف عند المطالب الأخروية، بل جاوزها إلى تحقيق المصالح الدنيوية فكان لا بد له من أن يتعرض لكل ما به صلاح أمور البشرية، في العقيدة والتشريع والمعاملات والحكم والسياسة والاجتماع والأخلاق والفكر، ولم يدع مجتمعا إلا حض عليه، وأقام من شأنه، وطلب فيه من القول ما هو ضروري له، كخطبة الجمعة والعيدين وموقف عرفات وغيرها، ولذلك كان صاحب هذه الدعوة يمثل الإمام الهادي، والفيلسوف المشرع، والحاكم العادل، والزعيم السياسي، والقائد الحربي، والمصلح الاجتماعي، والرائد الفكري، وكذلك كان خلفاؤه من بعده. وقد جالت خطابة هذا العصر في هذه الميادين جميعا، وإن كانت وجهتها الرئيسية وجهة دينية، وكان غرضها الأساس إقامة عمود الدين، ورفع منار الإسلام، فكانت هناك خطب دينية، شملت العقائد والدعوة إلى الإسلام، والتشريع بما فيه من تبين الحدود وإقامة معالم الحلال والحرام، والوعظ والإرشاد بما فيه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحث على مكارم الأخلاق، وتبشير وإنذار
-والطابع العام للخطابة في صدر الإسلام:
1- ظهور الطابع الديني: من دعوة إلى الإسلام، ودفاع عنه، وبيان للعقائد، كوجود الله ووحدانيته وقدرته وخلقه الكائنات، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وسائر الغيبيات، وسن الشرائع والأحكام المفيدة للناس، المنظمة للحياة الشخصية وللمعاملات بين الناس، المبينة للفرائض، الموضحة للحلال والحرام، ووعظ للعامة، وحث لهم على التزام حدود الشرع الحنيف، وقصص فيه عبرة وزجر.
2- اختيار خطب ذات أهداف إنسانية عامة، وغايات كريمة سامية، من تحرير النفوس والعقول والأرواح من قيود الشرك والضلالة، وإخراجها من ظلمات الوثنية والجهالة.
3- اتساع مجال الخطابة الاجتماعية، فقد أخذت دائرتها تتسع، وتتجه في نواحي الحياة العامة وجهات مختلفة نافعة، وتعرضت من التعاليم والآداب والشئون العامة إلى ما لا غنى عنه للناس في مجتمع يتحضر.
4- اتساع دائرة الخطابة، والخروج بها إلى مجال التعبير عن الأغراض السامية والفكر الراقي، في الكون وقيامه، والوجود ونظامه، والمجتمع وعوامل بقائه وارتقائه، وما ينبغي أن يقوم عليه من أسباب، ويسوده من آداب، والبعد بها عن الإسفاف بالانحصار في مطالب العيش الرخيصة، فكان انقلابا كبيرا أن ترتفع الخطابة لتعبر عن الحياة الإنسانية في صراعها الأدبي والعقلي والعاطفي المحتدم حول المبادئ والمعتقدات والآراء، ولا تسف لتصور الحياة الحيوانية، في صراعها الدموي حول لقمة العيش وتنازع البقاء، وإن تسعى سعيها؛ ليقوم الحق والخير والبر والفضيلة مقام الباطل والشر والإثم والرذيلة.
ثانياً-خطابة الرسول صلى الله عليه وسلم:
إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- قبل كل شيء جاء؛ ليبلغ رسالات ربه، فمهمته الأولى هي الرسالة والتبليغ، وما هذه المهام الكثيرة التي تولاها إلا فروع لتلك المهمة الكبرى، ومعينة عليها، نبتت على حواشيها، ونشأت في خدمتها، والرسالة والتبليغ لا يتم إلا ببلاغة وبيان؛ لأن البلاغ والتبليغ إيصال الكلام للسامعين على أحسن صورة، وبما به يكون الإفهام والإقناع، فلكل كلام وزن، وكل قول بمقدار، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ سورة إبراهيم: الآية 4.] ، وقال سبحانه عن نبيه داود: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} ،[ سورة ص: الآية 20] . لهذا قال موسى لربه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} 3، فإذا كانت الفصاحة والبلاغة مطلوبة في دعوة موسى وغيره من الأنبياء، فرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- أولى وأوجب، ودعوته أعم وأرحب، وقومه فرسان البيان، وأئمة القول. لهذا كان من أبرز صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأجلى آيات عظمته البلاغة البليغة، وأنه في الذروة العليا من البيان وفصاحة اللسان، وأن التبليغ البليغ كان السمة المشتركة بين أفانين قوله كله، وما كان لنا أن نقول في هذا المقام بعد أن قال تعالى عنه ما قال، وقال هو عن نفسه: "أعطيت جوامع الكلم" نشأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نشأة قرشية بدوية خالصة، واسترضع من بني سعد بن بكر، فاجتمعت له فصاحة اللسان واللغة، واللهجة الجميلة الوقع، يستريح لها السمع، والمنطق العذب المفصل، تجد النفوس حلاوته. كما اجتمعت له القدرة على تأليف القلوب، وتحصيل الثقة، إلى قوة الإيمان بدعوته، وغيرته البالغة عليها، وحرصه الشديد على نجاحها، فاجتمع له بذلك كل أسباب البلاغ للرسول، والنجاح للخطيب، وثقة القوم بصدق الداعي أو الخطيب أساس إجابته، وشرط لنجاح دعوته، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قومه مثلا للأمانة والصدق، حتى لقبوه فيما بينهم "الصادق الأمين". هذه هي الخطوط الأساسية العريضة البارزة التي تشير إلى شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتومئ إلى نزعاته، وقد بقي أن تصل بينها وبين خطابته، وتنظر آثارها فيها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخطب العرب قاطبة، وقد كان يخطب في قريش كثيرا يدعوها إلى دينه الحنيف، والدخول في طاعة الله ومحبته، ولما هاجر إلى المدينة أصبحت الخطابة فريضة مكتوبة في صلاة الجمعة والعيدين. وبذلك عرف العرب ضربا منظما من الخطابة الدينية لم يكونوا يعرفونه في الجاهلية، إذ كانت خطابتهم -كما أسلفنا- اجتماعية، وكانت تدور غالبا على المنافرات والمفاخرات، وقد دعا الإسلام إلى نبذ التفاخر، والتكاثر بالأحساب والإنسان، ومن ثم اختفى من حياتهم هذا اللون من الخطابة. وتحتفظ كتب الحديث الصحيحة بتقاليد الرسول صلوات الله عليه في خطابته سواء في صلاة الجمعة، أو صلاة العيدين، إذ كان يخطب في الصلاتين خطبتين يجلس بينهما، وكانتا تدوران على تبيين ما شرع الله لعبادة في شئون دينهم ودنياهم، وما ينبغي أن يسود مجتمعهم من مثالية خلقية رفيعة، ومن روابط اجتماعية وثيقة، وبجانب ذلك كان الرسول يخطب في الأحداث، وعند المناسبات. ومن المحقق أنه خلف تراثا ضخما من الخطب، غير أن ما احتفظت به كتب الأدب والتاريخ من ذلك قليل، ولا ترجع قلته إلى قصر خطبه، فقد كان يطيل خطبه أحيانا، وفي بعض المناسبات إلى ساعات يعظ الناس ويدعوهم إلى التفكر في الكون، وخالقه، ومدبره. وأكبر الظن أن خطبة أصابها ما أصاب خطب الجاهلية، فإنها لم تدون لحينها، وبعد العهد بين عصرها وعصر تدوينها، ومع ذلك فقد احتفظت ذاكرة الرواة ببقايا منها تحمل لنا خصائصها، من ذلك أنه خطب بعشر كلمات: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمنين بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشيبة قبل الكبرة، ومن الحياة قبل الموت. فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار". والخطبة على قصرها توضح لنا كيف كان الرسول يعظ أصحابه، ويدفعهم دفعا إلى العمل الصالح، قبل أن يلبوا داعي الموت، فتبور تجارتهم، ويذهب هباء عملهم، وإنهم لمعروضون على ربهم، فموفون حسابهم، فأما من اتبع هدى الإسلام، فمصيره الجنة إلى وصفها القرآن الكريم فأسهب في وصفها، وأما من أعرض وتولى، ولم يذكر اسم ربه ولا صلى، ولا أخلص عمله لوجهه، فمصيره النار التي أطنب القرآن في بيان عذابها. ولم تكن خطبه مواعظ فحسب، بل كانت أيضا تشريعا، وتنظيما لحياة هذه الأمة التي أخرجت للناس في خير مثال تأمر بالمعروف، وتتناهى عن المنكر، ويتعاون أفرادها على البر والخير مما فيه صلاحهم وصلاح مجتمعهم، ولعل خير خطبة تشريعية تصور كيف كان ينظم هذا المجتمع الروحي، ويرسي قواعده خطبته في حجة الوداع، وهي تمضي على هذا النحو: "الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير، أما بعد، أيها الناس! اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس! إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد". فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب -وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة2 والسقاية. والعمد قود4، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [ ] . إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس! إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق. لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن ، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما النساء عندكم عوان ، لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد". أيها الناس! إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله. ألا هل بغلت؟ اللهم اشهد، أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير. وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد الغائب. "أيها الناس! إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، فلا تجوز وصية لوارث في أكثر من الثلث، والوالد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف 5 ولا عدل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". وواضح أن الخطبة تبدأ بحمد الله، واستغفاره والتوبة إليه والاستعاذة من شرور النفس، وسيئات العمل ونقائصه، وتقترن بالشهادتين، وتوصية المسلمين بعبادة الله وطاعته، كما تقترن بكلمة "أما بعد". ويمضي الرسول عليه السلام ، فيبين أن دماء المسلمين حرام كأموالهم، فلا قتل ولا نهب ولا سلب، فقد انتهى قتل النفس المحرمة، وانتهى قطع الطرق، وانتهت الخيانات بجميع ضروبها، فمن كانت عنده أمانة لا يخنها، بل فليؤدها مستوفاة إلى صاحبها، إنه مجتمع ديني جديد، تتوثق فيه الروابط، فلا ربا ولا أخذ بثأر، وقد تداعت مآثر الجاهلية سوى سدانة الكعبة وسقاية الحجيج، فهما مأثرتان ضروريتان للجماعة، وهما لذلك باقيتان، أما شريعة الأخذ بالثأر التي كانت قوام حياتهم في الجاهلية، فقد قضى عليها الإسلام، إذ جعل حق الدم للدولة، فالقاتل المتعمد تقتله الدولة بصاحبه، أما من قتل خطأ فديته مائة ناقة لا تزيد. ويخوفهم الرسول من الشيطان، وما يدعو إليه من الشرور فقد انتهت عبادته، ولكن لم تنته أطماعه في تضليل الناس عن الجادة. وأيضا فإنه انتهى عهد التلاعب في الدين، وفي الأشهر الحرم. ولا ينظم الرسول العلاقات بين الفرد، وجماعته الكبرى من الأمة فحسب، بل ينظمها أيضا بينه وبين جماعته الصغرى من الأسرة، فيدعو إلى رعاية حقوق المرأة، وأن يعاملها الرجل برفق ورحمة، وقد رفع الإسلام من شأنها، ووضعها في المكان اللائق بها، فكفل لها حرية التصرف في مالها كما كفل لها حق اختيار زوجها. ويدعو الرسول إلى دعم الروابط بين أفراد الأمة، فالمسلمون جميعا إخوة متساوون في الحقوق والواجبات، لا غني ولا فقير ولا أسود ولا أبيض، ولا عربي ولا عجمي، فالجميع سواء، ولا فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح. ويشير إلى ما شرعه القرآن من نظام التوريث الجديد، ويقرر أن المورث لا يحق له أن يحرم ورثته من ماله، ويعطيه شيئا من الحرية، فيجعل له الحق أن يوصي لورثته ببعض ماله، ولكن على أن لا يزيد عن ثلثه، ويعرض لمشكلة كبرى من مشاكلهم، هي الأبناء غير الشرعيين الذين ولدوا في الجاهلية، فينسبهم إلى أصحاب الفراش، وكان من عادتهم أن ينسبوا إلى غير آبائهم، فقضى على تلك العادة السيئة حفظا للأنساب. وعلى شاكلة الخطبتين السالفتين كانت خطابة الرسول، فهي إما موعظة حسنة وترغيب وترهيب، وبيان لمسئولية المسلم الخلقية وأنه محاسب بين يدي ربه عن كل ما قدم في حياته، وهو يضح ذلك أمام عينيه ليصلحه، ويقوم نفسه ويسمو به في مراقي الكمال، وإما تشريع وتنظيم لمجتمعه، وما ينبغي أن يسود فيه من عوامل الخير ودواعيه، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا، فلا بغي ولا عدوان، بل تآزر وتعاون في قيام هذا المجتمع السليم. ومن المحقق أن الرسول كان في خطابته -كما كان في حديثه- لا يستعين بخلابة ولا تزويق، وقد برئت ألفاظه من الإغراب والتعقيد والاستكراه، وهي مع ذلك ألفاظ جزلة لها بهاء ورونق، تعمر بها القلوب والصدور، وترتاح إليها الأسماع والأفئدة، فتجتمع لها النفوس المتباينة الأهواء، وتساق إليها بأزمتها، إذ تلتحم بمعانيهم وما تدعو إليه من سبيل الرشاد، وهي -بلا ريب- مثل أعلى في البراعة والدقة، ونقصد دقة الحس ولطف الشعور، ولعل مما يدل على ذلك قوله: "لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي"1، فقد كره أن يضيف المسلم الخبث إلى نفسه. ونؤمن بأن هذه العناية بحسن منطقه لم تكن نتاج تحبير، أو تكفير إنما طانت نتاج ما خوله الله من نعمته في بيانه الرائع. وليس في خطبتي الرسول السالفتين سجع، ومن المؤكد أنه لم يكن يستخدم السجع في خطابته، بل كان ينفر منه بسبب استخدام الكهان له في الجاهلية على نحو ما مر بنا في الفصل السابق، ولذلك صد عنه كما صد عنه خلفاؤه. روى الطبري أن عمر بن الخطاب، سأل صحارا العبدي البليغ المشهور عن مكران الفارسية أثناء غزو المسلمين لها، فقال صحار: "يا أمير المؤمنين! أرض سهلها جبل، وماؤها وشل، وتمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، إن كثر الجند بها جاعوا، إن قلوا بها ضاعوا، فقال عمر: أسجاع أنت أم مخبر؟ فقال صحار: بل مخبر:. وواضح أن عمر أنكر عليه استخدامه للسجع في كلامه. ويروي الرواة أن عبد الله بن الزبير تكلم بكلام مسجوع عند معاوية، فقال له: "تعلمت السجاعة عند الكبر"، وفي أخبار معاوية أنه كتب إلى رجل كتابا، فأملى على كتابه: "لهو أهون علي من ذرة، أو كلب من كلام الحرة"، ثم استدرك قائلا لكاتبه: "امح من كلاب الحرة، واكتب من الكلاب". فالخلفاء كانوا يكرهون السجع لنهي الرسول، صلوات الله عليه عنه. وليس معنى ذلك أنه انمحى محوا من خطابة هذا العهد،


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)