قصة قصيرة بقلم:
الكاتب القاص
تيسير الغصين
المَوْتُ شَوْقَاً
كَيفَ يمكنه دَفْعُ مَوْجَةَ الحُزنِ العَاتِيّة التي ألمَّتْ بِبيْتهِ الصَغيرِ حِينَ اختطفَ الموتُ على حِينِ غِرَّة زَوْجَهُ مُخلِفة طِفلاً في أمسِّ الحاجةِ لها؟! أيُّ الكلمات تلك التي يمكن أن تخفف من فاجعته بأمه؟!
حاول جاهداً مواساته ، اصطحبه إلى معرض لبيع الألعاب فاشترى له واحدة غالية الثمن، لم يأبه بها وتركها في ركن غرفته، منخرطاً في بكاءٍ مريرٍ ..كلمة واحدة لخَصتْ مطلبه "اريد ماما.. لا أريد ألعابا ولا أي شيء آخر"، كظم الأب حزنه، حاول مواراة ألمه رفقا به، ضمّه إلى صدره، أحس بحزنه بركاناً يُفجِّر جوانحه، همس في أذنه غدا نلقى الـ ماما في الجنة يا صغيري، سكن الطفل لحظة وسأل بشغف، كيف نلتقيها وقد رأيتهم يُهيلونَ عليها الترابَ يا بابا؟!
قال الأب :
-كلنا سنموت ذات يوم، وفي الجنة نلتقي.
غابت ملامحُ الحزنِ عن طفلهِ رويدا وقال بلهفة:
- وهل سنلتقي بماما هناك؟!
ربتَّ على كتف صغيره بألم، وقال وهو يمسح دمعة في عينه:
- نعم، نعم.
في المساء افتقد الأب طفله، كان البيت ساكناً موحشاً، بحث عنه في كل زاوية من زوايا المنزل دون أثر، هتف بأعلى صوته، بلا مجيب سوى رجع الصدى، اشتعلت الهواجس في جسده، تعالت خفقات قلبه، لعله هنا، لعله هناك، أين ذهب طفلي المسكين.. أعلم مدى تعلقه بوالدته، قلبي يتفطر حزناً عليهما ..
قادته قدماه إلى حديقة المنزل، كانت العتمةُ وشاحاً للمكان، أشعل الضوءَ، جالَ ببصره في الأنحاء، دقق النظر فلعله نائما بين أعشاب الحديقة، دون جدوى..
وحدها المأساة كانت معلّقة بغصن شجرة الجميز، ارتجَّ فؤاده بين الخافقين بقوة، ركض بدون وعي، جُنَّ جنونه، وهو يشاهد جثة طفله مُعلّقاً بحبل رُبِطَ في عنقه بأحد أغصان الشجرة العتيقة.