في دمائي
صورة الأباريق الضاحكة للسماءِ
وأدمع الغيم الباكي
تنظَّم كاللآلئ في عقد حسناءَ
تضحك ، هي الأخرى
تتراقص في صهد اللهيبِ
... سراب كل أماني العود ولتْ
حين غادر جذع أمه الحنون
هو ذا يتلظى في كانون الخيمة
تحت أباريق وقدور سكرى...
في دمائي
في دمائي حنين
لمشهد الغيم في سماء البوادي النائمهْ
في سباتها الأبدي ،
راحة لاتغتفرْ
* * * * *
أنت يا شيخ القبيلهْ !
كم سرقت نعـاجا ...
وهربت من جامع النجع،
ولبست لعنة الفقيهِ،
واعترضتَ سبيلهْ .
واغتصبتَ غادة النجعِ
ونخرتَ جذوع الفضيلهْ ... ؟
في دمائي
في دمائي حقد عليك
مذ رأيتك نخّاسا،
في سوق الخيول الأصيلهْ.
يوم خنقت شيخ القبيلهْ
واتهمت به الأطفالْ
والنساء والرجالْ
... ومشيت تملّق نعل الوالي
ليلاً ، وأهديت ما لا تملكْ
لون الزرابي،
وبكارة خود القبيلهْ
وكرامةِ البسطاءِ
وزُهدِ الفقيهِ للحراسِ.
أقسمتَ بألف « قرفيّةٍ » (1)
على باب الوالي
لتكون عميلهْ!
وتآمرتَ على آمال الفلاحين
على أماني "الكسّابين"
على أغاني الرعاةِ
وترانيم الغيد الجميلهْ
في دمائي...
في دمائي حقد عليك ولكنْ
مالي لردّ طغيانك حيلهْ
* * * * *
وأنت يا رأسَ جماعتنا ،
وذيل مجاعتنا !
الزّارع في عقول شبابنا سوسا ويأسا،
الدافع بطهر بناتنا ،
لهاوية الرذيلهْ
الرّاكع في حجر العرّافةِ
تبغي بها عند التابوتِ
وجاهةً وتبغي بها
للشيطان الوسيلهْ
... تراكمَ الحصادُ
أقمتَ أعراسا في " باريس "
حيث البيادرُ فاض شعيرها
خفّ وزنك طافحاً
تلبس فينا ترف السنين القليلهْ
تنزعُ منا قصديراً
أعددناهُ قبوراً
لهاماتنا...
وأشباهِ أجسادنا النحيلهْ
لنْ تصنع منك البطلَ النبيلْ
تلك الخيلاءُ
ولا ألفاظكَ المعسولةُ
تُطعمُ أطفالاً
ولن تركب مجداً
بتلك الخطبِ الهزيلهْ ...
لك أيضا في دمائي حقدٌ
ولكن ليس لي
لكشف هرائك حيلهْ
* * * * *
صبيةُ النجع يلعبونْ
يمرحون فرحينْ ...
« آشتا تا تا تا تَهْ ! ...
أو ليداتْ الحرّاثهْ ... »
وفي تجاويف الويدْ
يدوي انشيدْ :
« ... ياإخوتي! جاء المطرْ ! ...»
وعلى تلال برقة تعالى صوت صبيةٍ :
« يا مطرْ صُبِّي صُبِّي !
طيْحي حوش الِّرِّبِّـي !
يا مطرْ يا بشْبا شهْ ... »
وأرى على البعد عقالا
يواري صلعة شيخ القبيلهْ
أراه متّكئا هناك ...
في ركن من خيمة ضُربتْ
في عرض العراءْ
يحدِّقُ في حبيبات الماس تنمِّقُ خيوطَ الماءْ
... أي الأمطار يغسلُ عارنا ؟
وأيُّ ريحٍ ... تمسح الغبارْ
حتى نُـقِـرَّ لله فقط بالوحدانيهْ !؟
ويغربُ عن أبصارنا
وبصائرنا مجدُ " الدولارْ "
... ضحكتْ سماءُ النجعِ من توهُّمـي
فصبَّتْ جراراً
تَواصل دفقُها في خيوطٍ
من مطرْ ...
« ... ساء مطرُ المنذَرين ! »
هذا أصلُ الحياةِ
وتلك قذائفُ اللعناتِ !
تبُثُّها حناجرُ المحرومينْ
في رياحٍ لم تعصف بعدُ بالوثنْ
لكنها ضجَّتْ بفضاءاتٍ غائمهْ
ومازالتْ قريتي تهذي نائمهْ
يُرْعبهـا كابوسُ " الشيخِ "
ويخْـذُلُها ذيلُ مجاعتنا الدائمهْ !
* * * * *
« أنا الذي كسدتْ فُصحـى غِنىَ أدبي
وأوجعتْ كلماتي من به ورمُ
وألهبتْ حُرّقِي سمع الذين عَمُوا
وأزعجتْ حِكَمِي من بالهوى حكموا
قد ذُبْتُ في أحرفٍ في بوحها نغمُ
عشقتُ ذاتَ بهاءٍ تاجها القيمُ
فبنتُ في أعينٍ من طبعها الكرمُ
يا ليتَ أهلي يحكون ما علموا ... »
أما الزنابقُ المشنوقةُ
في واد غير ذي زرعٍ
فقد قهرتْ حبال الموتِ صبراً
وغنتْ بوحها لضياء الفجر الآتي...
فكأنما هذي الأمطارُ
أرختْ سراحها من صلع الشيوخ الحيارى
وعانقتْ بها الريح تتلو
آيات تقشعرُّ لها جلود السامعينْ
و تُعيذُُها بفالق الإصباح
من كيد الماكرينْ !
وأنت يا طبيبنا المحترمْ
أفي جسد العليل أم في ضميرك الداءُ ؟
كم كليةٍ بيعتْ بالأمسِ...
فما يرتجى للبائع حقٌّ
ولا الزارعين شفاءُ
وكم شربت مرارة « هبوقراط (2)»
في حبة منومهْ ؟
وكم للعاقر نسبتَ بنينْ ...
وكم شَكّاً خنقتَ به اليقينْ !
وكم زور شهدتَ لمدَّعينْ ...
في دمائي ...
في دمائي عليك حقدٌ ولكنْ
عتقك روحا يسائلني في الشافعينْ !
وأنتم بني وطني؛
أما ضرّ بكمْ ...
عيبٌ يشينُ طباعَ النائمين؟
----------------------------------------------
(1) تطلق على ورقة نقدية ذات لون بني
(2) قسم يؤديه الأطباء