أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 25

الموضوع: الانتــقــام الرهــــيـــب

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الانتــقــام الرهــــيـــب

    الانتــقــام الرهــــيـــب
    (محمد نديم على - القاهرة )
    عندما كنا صغارا , كان أبوه لا يتركه يهنأ باللعب معنا, فحين يحتدم اللعب وتحلو الصحبة, كان أبوه يتسلل بيننا في هدوء ساحبا إياه إلى المنزل وحين كنا نركض خلف الحنطور , كان أسرعنا إليه فيحجل كابي فصادة ويقفز ملتصقا بخلفية العربة كقرادة في رأس عجوز , ولأنه ضعيف البنية ولا يقوى على الصراع , سرعان ما كنا ندفعه بعيدا ليسقط فوق إسفلت الشارع ونأخذ مكانه _ تلك اللحظات التي لا أنساها ... يجلس القرفصاء مغيظا مقهورا منتفخ الوجه احمر العينين , تدمدم داخله رغبة حارقة في الانتقام , فلا يجد بدا من الهتاف على الحوذي
    : كرباج ورا يا أسطى....... كرباج ورا يا أسطى
    فيلسعنا الكرباج على وجوهنا ومؤخراتنا فيشعر بالسرور ويركض خائفا منا إلى بيته فنركض خلفه نشكوه لأبيه الذي كان يوسعه ضربا .
    - يا آسطى عيب .. هكذا عقل العيال
    - ده ولد نكدي و زربون وبوز فقر .
    - حرام عليك ...... لعب عيال .....هو حصل إيه يعني.؟
    *******
    هذه الفوضى ألا نهاية لها؟
    مصلحة العمل فوق كل اعتبار من لا يعرف عمله جيدا فليجلس في بيت أمه وأبيه.
    كاد غضب المسئول أن يفتك بصاحبنا .
    لم يدافع عن نفسه مكتفيا بابتسامته المقهورة , أومأ برأسه موافقا على توجيهات مسئوله في العمل رغم قسوتها.
    لم يكن قادرا على مجرد الدخول في مناقشة أو جدل للحصول على حق له.
    لماذا يفعل به هذا المتسلط ما فعل؟ كل الموظفين يقرأون الصحف بمكاتبهم؟ لا أحد يدري.
    كان كثير الانطواء ينزوي عند اشتعال الموقف مكتفيا بإيماءة من رأسه ثم يلوذ بالصمت.
    غير أني كنت ألحظ نفس الحالة التي كانت تعتريه وهو صغير عندما كان يشعر بالحنق والعجز عن الانتقام.
    هذا هو حظي .
    لا تكمل. إنها إرادة الله. أنت أبنه الوحيد كيف يعاملك هكذا؟
    أنا الوليد المنكود الذي كان سببا في موت أمه لحظة ولادته.
    _ أبي يقول كذلك لذا فهو يعاملني معاملة سيئة خاصة بعد أن تزوج بامرأة سليطة اللسان تسرق ماله رغم قلته ولا تتركه يهنأ بهدوء العيش في شقته الصغيرة.
    كان أبوه يضربه ضربا مبرحا لأقل هفوة تصدر منه.يجبره على العمل معه في ورشته لإصلاح السيارات . وذاك عمل لا يحبه صاحبنا مما يضطر أبيه إلى عقابه بربطه إلي عمود حديدي وينهال عليه ضربا بسلك معدني.
    ضربه وهو طفل .. ضربه وهو صبي .. ضربه وهو شاب أمام أقرانه فتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه .. لكنه دائما لا يرد ولا يعترض .. كان وجهه ينتفخ بحنق يعبر عما يجيش في صدره من ألم وقهر .. ثم يلوذ بالصمت وينزوي عاكفا على قراءة كتاب متهرئ أو جزء من صحيفة متسخة.
    أوقعه حظه في زوجة لا تقل قسوة عن أبيه . إذ حصل على شهادة التجارة المتوسطة بالكاد
    الولد متفوق حرام عليك يا حاج !!
    ليس عندي مصاريف للجامعة... شهادة متوسطة يعني شهادة متوسطة. لآ هو ابني ولا أعرفه إن التحق بالجامعة.
    .. ولخلافه المستمر مع أبيه طرده فاستأجر غرفة فوق سطح أحد المنازل في حي شعبي عتيق . وراودته ابنه صاحبة الدار عن نفسه فكان أن تزوجها في ظروف لم يخطط لها. وتحولت حياته إلى جحيم مقيم لفقره وعجزه عن تحسين ظروفه المادية.
    كان رئيسه في العمل صورة أيضا من أبيه لا تقع الأخطاء إلا في الأوراق التي يدونها صاحبي .. ولا يكشفها إلا ذلك المسئول المتسلط فيهينه بلا هوادة ويلومه بعنف وبلا تسامح.
    ضاقت عليه الأرض بما رحبت . فلا راحة في البيت أو العمل أو في علاقته بأبيه الذي يطالبه بزيادة ما يسهم به معه في مصروف البيت إذ أقعده المرض لعصبيته الزائدة فاغلق الورشة وترك زوجته تعمل في الدلالة..
    صار يأتي إلي العمل على غير عادته متأخرا ... ناشرا أمامه صحيفة الصباح في تحد للسيد المدير ... يلتهمها من الغلاف إلى الغلاف منتفخ الأوداج لا يرد تحية أو يلقي سلاما. يدخن بشراهة ولم يكن من المدخنين!!
    علمت منه إذ حدثني باقتضاب انه لم ينم طوال شهر سوى سويعات قليلة ينغص نومه فيها كوابيس مزعجة.
    فجأة دخل علينا السيد المدير قاصدا أن يضبط صاحبنا متلبسا بالجرم المشهود. أختطف من يد الجريدة في حنق بالغ لاعنا أسلاف أبيه مهددا برفته من المصلحة
    قائلا في هدوء كمن أحبط مؤامرة خطيرة : هذا عمل ياروح أمك وليس مقهى.
    وسمع صاحبنا هذه الكلمات فانتفخت أوداجه واحمر وجهه وجحظت عيناه. ...... يسب أمه.... التي ما رآها .... ولكن عشفها.
    ( هو هو صاحبي الذي يجلس القرفصاء على أرض الشارع مغيظا مقهورا )
    واقترب في بطء وخشيت أن يفتك بالسيد المدير أو يقتله . إلا أنه دفعه بهدوء بعيدا عن طريقه .......
    ولدهشتنا جميعا انطلق راكضا في بهو المؤسسة الحكومية العتيقة ودموعه على وجنتيه وهو يصيح بصوت متهدج :
    كرباج ورا يا أسطى كرباج ورا يا ا اسطي
    هوامش :
    كرباج ورا يا أسطى كرباج ورا يا ا اسطي
    عبارة يطلقها الأطفال كي يحثوا الحوذي على ضرب أطفال آخرين تعلقوا في طهر عربة الحنطور.
    وتقال للانتقام ( عفاريت هم الأطفال في شوارع الأحياء الشعبية العتيقة بالقاهرة)

  2. #2
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : العــــراق
    المشاركات : 82
    المواضيع : 15
    الردود : 82
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    سلمت يا سيدي
    والله استمتعت بموضوعك
    دمت لنا

    مودتي
    أكرم

  3. #3
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    لقد قرأتك تماماً أيها الأديب ، ولقد صاحب القراءة مزيجٌ من الغضب والحنق على صاحبنا ، على واقعٍ لا أشك بوجوده .
    بصمتك الرائعة جعلتني أقف إحتراماً لهذا الأدب الرفيع.

    لقد امتعت عقلي بأدبك.

    دمت بخير وبحفظ الله

    تقبل تحياتي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أكرم الشرفاني مشاهدة المشاركة
    سلمت يا سيدي
    والله استمتعت بموضوعك
    دمت لنا
    مودتي
    أكرم
    أهلا بك أستاذ أكرم الشرفاني
    سعدت بوجودك وقراءتك لي.
    امتناني لتقديرك لحرفي المتواضع.

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راضي الضميري مشاهدة المشاركة
    لقد قرأتك تماماً أيها الأديب ، ولقد صاحب القراءة مزيجٌ من الغضب والحنق على صاحبنا ، على واقعٍ لا أشك بوجوده .
    بصمتك الرائعة جعلتني أقف إحتراماً لهذا الأدب الرفيع.
    لقد امتعت عقلي بأدبك.
    دمت بخير وبحفظ الله
    تقبل تحياتي وتقديري

    أخي الفاضل : راضي الضميري

    أسعدتني بشهادتك التي أعتز بها.
    أفخر أن حروفي لها قارئ مثلك.
    امتناني.

  6. #6
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الفاضل أديبنا / د. محمد نديم ..

    نص من النوع الإجتماعي . حيث أثر الأسرة في تربية النشأ ، وخاصة الأثر السلبي الذي يلازم هذا النشأ حتى سني عمره المتقدمه ولا يستطيع التخلص منه غالبا .
    بحق لنصك تأثير قوي على القارئ وهو يتابع الأحداث من خلال سردك المتقن ، البسيط السلس ، الذي يأخذ القارئ إلى داخل النص ليعيش داخل الصورة وليس معها ..
    بطل قصتك الذي انفجر أخيرا ليعلن ثورته على ذاته المهزوزة ، والتي تعتمد الكيد للانتصار على المواقف ، وتجبن حين المواجهة ، والتي دوما تتعرض للإتطهاد ،، بسبب ضعف الشخصية ، لم يستطع التصدي للجرح والإهانة ، خاصة فيما يمس والدته التي لم يراها ..
    فانطلق راكضا .. كرباج ورا يا اسطى ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء شوكت خضر مشاهدة المشاركة
    الفاضل أديبنا / د. محمد نديم ..
    نص من النوع الإجتماعي . حيث أثر الأسرة في تربية النشأ ، وخاصة الأثر السلبي الذي يلازم هذا النشأ حتى سني عمره المتقدمه ولا يستطيع التخلص منه غالبا .
    بحق لنصك تأثير قوي على القارئ وهو يتابع الأحداث من خلال سردك المتقن ، البسيط السلس ، الذي يأخذ القارئ إلى داخل النص ليعيش داخل الصورة وليس معها ..
    بطل قصتك الذي انفجر أخيرا ليعلن ثورته على ذاته المهزوزة ، والتي تعتمد الكيد للانتصار على المواقف ، وتجبن حين المواجهة ، والتي دوما تتعرض للإضطهاد ،، بسبب ضعف الشخصية ، لم يستطع التصدي للجرح والإهانة ، خاصة فيما يمس والدته التي لم يرها ..
    فانطلق راكضا .. كرباج ورا يا اسطى ..
    الأستاذة الفاضلة صاحبة القلم الواثق
    وفاء شوكت ..
    قراءة متأنية ...
    ووعي بالحدث والشخصية وخلجاتها وخلفياتها الاجتماعية ...
    وتصرفها في حدود هذه البيئة...
    قراءة واعية اسعدتني
    شكرا لعينك الناقدة
    وقلمك الآسر بالفن .
    دمت مبدعة سيدتي وبألف خير.

  8. #8
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    أديبنا الكبير الراقي /د. محمد نديم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وقفت أمام قصتك هذه طويلاً
    بدأت بالعنوان الذي جذبني للمتابعة لأرى هذا ( الانتقام الرهيب !!) ؛ فجعلتني ألهث خلف سطورك لأعيشها معك كما أبدعتها .
    بعيدا ليسقط فوق إسفلت الشارع ونأخذ مكانه _ تلك اللحظات التي لا أنساها ... يجلس القرفصاء مغيظا مقهورا منتفخ الوجه احمر العينين , تدمدم داخله رغبة حارقة في الانتقام ,
    نرى هنا هذاالعجز المؤدي إلى القهر ،هذه الفقرة هي لب القصة..
    بدات قصتك بارتداد إلى الماضي لمرحلة الطفولة ، ولكنها لم تكن كاشفة لكل أبعاد الموضوع ؛ فمارست معنا عنصر التشويق ، وبدأت في إعطاءالمعلومة على مراحل ، استخدمت أسلوب التقطيع بين الحاضر والماضي ببراعة ..تنقلنا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الوظيفة مباشرة ، ثم ترتد بنا إلى مرحلة المراهقة لتعود ثانية إلى الطفولة لنعرف السر الدفين ..سر كره أبيه له وأول مرحلة له في هذا القهر بل لعلها الأساسية "
    أنا الوليد المنكود الذي كان سببا في موت أمه لحظة ولادته
    "
    هكذا يلقي عليه أبوه بتبعة حدث لا ذنب له فيه مطلقاً ، بل ويسقط عليه كل تبعاته المستقبلية..
    "
    أبي يقول كذلك لذا فهو يعاملني معاملة سيئة خاصة بعد أن تزوج بامرأة سليطة اللسان تسرق ماله رغم قلته ولا تتركه يهنأ بهدوء العيش في شقته الصغيرة.
    وتتآمر عليه كل الظروف من بنية ضعيفة إلى استهانة الجميع به ؛لينتقل من قهر إلى قهر ،قهر الأب المستمر ،قهر رفاقه ، قهر زملائه ورئيسه في العمل ثم يصل إلى القهر الأكبر ..زوجته ، وما أقسى هذا الأخير ، وهو دائماً لا يلجأ إلى نفسه أبداً بل يلجأ إلى عامل خارجي يرفع عنه قهره :
    : كرباج ورا يا أسطى....... كرباج ورا يا أسطى
    وهكذا يقضي طفولته ومراهقته وشبابه في انتظار ما لن يأتي
    وحتى عندما قرر التحدي ..تحدي مديره بقراءة الجريدة متعمداً ، وكانه يصعد الأمور تمهيداً لـ "الانتقام الرهيب "
    ( هو هو صاحبي الذي يجلس القرفصاء على أرض الشارع مغيظا مقهورا )
    واقترب في بطء وخشيت أن يفتك بالسيد المدير أو يقتله . إلا أنه دفعه بهدوء بعيدا عن طريقه .......
    ولدهشتنا جميعا انطلق راكضا في بهو المؤسسة الحكومية العتيقة ودموعه على وجنتيه وهو يصيح بصوت متهدج :
    كرباج ورا يا أسطى كرباج ورا يا ا اسطي[/color][/size][/right]
    هكذا كان انتقامه الرهيب !!!!!!
    نهاية قوية للغاية هي أحد أركان القصة المهمة ، ولا أعتقد ان هناك تعقيباً يمكن أن يفيها حقها .
    أخي الأديب المتألق /د. محمد نديم
    أجدت في كل عناصر القص يا سيدي ..تقنية القص ..نقل مشاعر بطلك بهذه البراعة التي جعلتنا نعيشها معه ..الحوار القصير الموجز والمعبر .. الخاتمة والتي يمكن ان تكون وحدها قصة قصيرة جداً .
    أدرت العمل باقتدار كبير لتبدع لنا هذه القصة الراقية شديدة الحساسية .
    لك كل الشكر والتقدير والاحترام.
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    النديم..دكتور...

    من شاب على شيء شب عليه
    وكأن لسان حال المسكين يقول ذلك...!
    اريد ان ابحث هنا عن بعض ملامح التربية التي هي تكون في هذه المرحلة الاساس لِمَ بعدها لكونها تغرس في عقل الامتلقي ما يجب ان يكون عليه فيما بعد لكونها مرحلة مهمة ، بل هي مرحلة حيرت علماء النفس ايضا، الاطفال في هذه المرحلة يحتاجون بلاشك الى منافذ لصرف طاقاتهم التي تكون جبارة خارقة، فاذا جوبهوا بقيود تبحث هذه الطاقات عن سبل اخرى لتخرج وترى النور، فاذا لم تجد تكبت في الداخل وتتراكم فتصبح محل هدم تام للذات الانسانية بحيث يصبح المرء ذاك خاضعا لرهانات الظروف والزمن ما ان تبلغ حدها الذي لايطاق حتى تنفجر الصراعات الداخلية للمرء فاما ان يصاب بالجنون او بالكآبة وفي كلا الحالتين يصبح انسانا يحتاج الى رعاية، وهذا ماحصل بالضبط مع صاحبنا، حيث تكاتفت عليه الظروف حتى حاصرته بشكل لايطاق، فمن الصغر دب فيه روح الانتقام، لكنه من الصغر كتم الامر لكونه لم يجد السبيل والدعم اللازم في تقوية سبل الانتقام التي لم يجدها اصلا الا في صرخاته للحوذي الذي كان هنا اداة يريح ذات الصبي بضربه للسوط على ادبار الاخرين، لكن حتى في هذا كان ترد عليه سلبا حيث ينتقم والده لاصدقائه له، وفي التربية الحديثة نجد بان الاهتمام بتنمية افاق الصغار وقدرتهم على البوح بما يلم بهم وما يقيد حركتهم الذاتية امرا مهما جدا، لكنه مع بطلنا لم تكن موجودة لانه ابدا لم يجد من يبوح له من يسانده بل ظل هاجدس كونه تسبب في موت امه يكبر في ذهنه حتى غدا يكره احب مخلوقات السماء في ارض للانسان، وهذا ما تؤكده دراسات علم النفس بان تكرار الشيء على النفس تصبح في مرحلة ما امرا يعتاد عليه بل يدمن عليه، وهكذا ادمن البطل هنا هذه الكلمات فاصبح يلعن الام لكونها انجبته ولم تفكر بان تحميه وتركته من ايدي هذا المارد الجبار الذي تزوج امرأة اخرى لاتعرف من حقوق الام شيئا، فالبرغم من تفوقه الا انه لم يجد السند، فكان لابد ان يكب على وجهه ويعيش حالة تثبيط دائم لكل ما قد يجوب في ذهنه، حتى الانتقام الذي كان لابد وان يكبر ويتراكم اكثر واكثر في ذهنه اصبح يتخذ شكلا اخرا، قد يكون انتقاما بطئيا ليس للاخرين انما لذاته، وهكذا اصبح الطفل الصبي الشاب رجلا في غير اوانه وفي ظروف غير التي تخلق الرجال وبنفسية غير مكتملة ومهئة لتحمل اعباء الوقت والحياة، فدخل معترك الحياة وهو فاقد كل مقومات البقاء، واسلحة المواجهة، فسقط في هوة عميقة لايمكن ان يخرج منها الا باحدى الحالتين اما الجنون او الموت وكلاهما امر افضل له بكثير مما يعيشه هو.

    النديم..دكتور..
    هذا بعض هذياني اغفر لي ان كنت احيد عن السرب..
    محبتي تعلمها لك
    وتقديري دائم
    جوتيار

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة
    أديبنا الكبير الراقي /د. محمد نديم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وقفت أمام قصتك هذه طويلاً
    بدأت بالعنوان الذي جذبني للمتابعة لأرى هذا ( الانتقام الرهيب !!) ؛ فجعلتني ألهث خلف سطورك لأعيشها معك كما أبدعتها .
    نرى هنا هذاالعجز المؤدي إلى القهر ،هذه الفقرة هي لب القصة..
    بدات قصتك بارتداد إلى الماضي لمرحلة الطفولة ، ولكنها لم تكن كاشفة لكل أبعاد الموضوع ؛ فمارست معنا عنصر التشويق ، وبدأت في إعطاءالمعلومة على مراحل ، استخدمت أسلوب التقطيع بين الحاضر والماضي ببراعة ..تنقلنا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الوظيفة مباشرة ، ثم ترتد بنا إلى مرحلة المراهقة لتعود ثانية إلى الطفولة لنعرف السر الدفين ..سر كره أبيه له وأول مرحلة له في هذا القهر بل لعلها الأساسية ""
    هكذا يلقي عليه أبوه بتبعة حدث لا ذنب له فيه مطلقاً ، بل ويسقط عليه كل تبعاته المستقبلية..
    "
    وتتآمر عليه كل الظروف من بنية ضعيفة إلى استهانة الجميع به ؛لينتقل من قهر إلى قهر ،قهر الأب المستمر ،قهر رفاقه ، قهر زملائه ورئيسه في العمل ثم يصل إلى القهر الأكبر ..زوجته ، وما أقسى هذا الأخير ، وهو دائماً لا يلجأ إلى نفسه أبداً بل يلجأ إلى عامل خارجي يرفع عنه قهره :
    وهكذا يقضي طفولته ومراهقته وشبابه في انتظار ما لن يأتي
    وحتى عندما قرر التحدي ..تحدي مديره بقراءة الجريدة متعمداً ، وكانه يصعد الأمور تمهيداً لـ "الانتقام الرهيب "
    هكذا كان انتقامه الرهيب !!!!!!
    نهاية قوية للغاية هي أحد أركان القصة المهمة ، ولا أعتقد ان هناك تعقيباً يمكن أن يفيها حقها .
    أخي الأديب المتألق /د. محمد نديم
    أجدت في كل عناصر القص يا سيدي ..تقنية القص ..نقل مشاعر بطلك بهذه البراعة التي جعلتنا نعيشها معه ..الحوار القصير الموجز والمعبر .. الخاتمة والتي يمكن ان تكون وحدها قصة قصيرة جداً .
    أدرت العمل باقتدار كبير لتبدع لنا هذه القصة الراقية شديدة الحساسية .
    لك كل الشكر والتقدير والاحترام.
    الأديب الأريب الأستاذ القاص الواثق
    حسام القاضي
    شرف لي أن ترى سطوري شيئا من ابداع نقدك وتنويرك هنا.
    لعلها قراءة تتيح لي التبصر أكثر في درب الإبداع الذي لا يخلو من عتمة ... ينيرها دائما القلم الناقد البصسر.
    لك الود.
    أخوك
    النديم.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة