أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: قصة قصيرة :- محبوس فى زنزانة بِرحة

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي قصة قصيرة :- محبوس فى زنزانة بِرحة

    هنا بالداخل توجد غرفتان ، غرفة للطعام ، والأخرى للنوم ، ويتوسطهما ردهة ضيقة تؤدى إلى الحمام .
    وعلى جانبى الغرفتين توجد العديد من الكتب تملئ أرففاً معشقةً فى الجدران ، ويوجد قط بالحجم المتوسط ، بجواره طبق من اللبن أوشك على انتهائه .
    - ربما وضعته " فاتن " فى صباح هذا اليوم للقط .
    لم أتذكر على وجه الدقة آخر لقاء تم بينى وبين أم على ، ولكن كل ما أنوى عليه هو البقاء مع ابنى وزوجتى ، دفعت باب غرفة الطعام ، ودخلت ، فوجدت فاتن ملقية على الأرض ، ملفوفة فى جلبابٍ فضفاضٍ أبيض ، ممددة على قطعة من السجاد ذات اللون الأحمر الداكن ، وبين ثنايا الجلباب يشع بريق لسكينٍ ممسكةً به بقوة ، جزعت ، مددت يدى تحت الجلباب الأبيض لأنتزع السكين ، فلم أجده ، تقربت أحتضن رأس فاتن وأقبله ...
    - فاتن ...فاتن .... استيقظى .
    *****

    نهضت ، وثبت ، درت حولها ، نهضت ، وثبت ، دارت حولى ، أتنفس بعمقٍ مصحوباً بخوفٍ وفزع ، تتنفس بعمقٍ مصحوباً براحةٍ وأمن .
    أمسكت بسكينٍ كان موضوعاً على طاولة الطعام ، يشبه ما كان مع فاتن ، ربما يكون هو ، أو لا يكون هو .
    استدارت حولى ، خفت ، ارتعشت اليدين ، سقط السكين على الأرض ، هرولت مسرعاً غالقاً باب الغرفة ، تاركاً فاتن وحدها ، واتجهت صوب غرفة النوم ، وأوصدت بابه .

    *****

    ودخلت ، طالعتنى صورة فاتن جالسة فى استكانة واطمئنان على كرسى التسريحة ، تمشط شعر رأسها ...
    - أبو على ... حمد الله على سلامتك .
    جثم الخوف على صدرى ، جاس فى دمى ، تملكتنى فكرة الهرب والفرار ، لم أستطع ، نظرت لى ، نظرت إليها ، أوشكت على السقوط الاضطرارى ، تملك الوهن أضلعى ، غمر العرق ثيابى ، ازدادت ضربات القلب ، غبت عن فاتن .
    إلى أين أنا راحل ، لا ، لن أرحل عنكِ يا فاتن ، تشبثت بها ، أرغمتنى رائحة العطر المنبعثة منها على الاستفاقة .

    *****


    وجدتنى مطروحاً على فراش المرض ، وأحد أقاربى يناولنى مسكناً ليخفف عنى بعض آلام الرأس التى أصابتنى بشدة ، وآخر يحضر الكمادات اللازمة لتنزيل درجة حرارة الوجه ، وآخر يستعد لأى عملٍ تطوعى قد يقوم به .
    وأم على لم تكن من ضمن هذا الحشد الكبير .
    - أين أنتِ يا فاتن .
    الوجوه أمامى تنبأ بأنى مصاب بمرضٍ خطير ، اعتدلت لأسمع ما يوصف لى عن مرضى ، اتكأت على مسندٍ وضعه شخص غريب لم أتعرف عليه ، هيئت نفسى لسماع ما يمكن أن يقال ، وتحليت بالصبر ، ولكن خابت ظنونى ، فقد مرت الدقائق ولم يتفوه أحد ببنت شفه ، وسألت أحدهم ....
    - ماذا جرى ؟ وما الذى أصابنى ؟ ولم كل هذا التجمع ؟

    *****

    أتانى من الخارج نحيب ونشيج لامرأةٍ ، عرفت من خلال نبرة صوتها أنها امرأة فى العشرينات ، امتزج صوت لامرأة عجوز مع النحيب ، كون ما يشبه العزاء لفقد عزيز أو قريب ، تنبأت بما حدث .
    - يا للمصيبة ... ماتت فاتن ... لا إنها لم تمت ... لا ... إنها الآن فى أحضان قبرها ... وربما لم تدفن بعد .
    الاضطراب عنيف ولا أقوى على احتماله ، ارتمت الشجون الثقيلة على القلب الواهن ، تجذبنى عشرات الخيوط من الحنين إلى فاتن ، يتبدى خيالها فى الأحداق ، يرتخى كبريائى أمامها ، أشعر بأنفاسها تلامس أنفاسى ، الآن سترتد الروح إلى الجسد ، وسأعبق صدرى بأريجها ، وأحيا بتوحدها معى ، ونسكر غربة الزمان والمكان ، ونقيع هنا أبد الدهر ، ونلملم ما بقى من العمر ، ونرسم البسمة فوق ثغر على .
    - مازلت أناديكِ ... فاتن ... أم على .

    *****

    لم أتمالك نفسى حين وخزنى أحدهم بإبرةٍ مزقت العضل ، انتفض الجسد الموجوع نفضة أودت به إلى الرقود والسكون والاستكانة والتأنى فى رؤية المستحيل .
    - فاتن .
    يدور فى الرأس صداع يحرك ما كان ساكن .
    - اننى الآن فى شوق لرؤية فاتن للمرة الأخيرة .
    دفعن ذلك الإحساس للوثوب والاستعداد لرؤيتها ، فتهيأت لرؤياها ، وانتعش القلب وانشرح ، ومال أحدهم على الآخر مدمدماً بصوتٍ رفيعٍ ....
    - إنها الحمى التى اجتاحت كيانه ... يا له من مسكينٍ يستحق الشفقة .

    *****

    اندفعت بقوةٍ صوب الباب ، فانتابتنى حسرة أليمة حين اكتشفت فجأة أنى وحيد فى الغرفة .
    أخذت أتأمل المكان ، الكرسى ، التسريحة ، الدولاب ، السرير ، نافذة الشرفة ، وزجاجاة العطر ، و " بورتريه " لفتى يرسم امرأة ذات وجه يقطر من أهدابها دما ، وألبوم لصورٍ " فوتوغرافية " طوته الأيام مركوناً فى ركنٍ منسى ، مهمل ، غبار الأيام والليالى جعلت صوره فى طى النسيان .
    زرفت من العين دمعة على الخد ، أمسكت به ، التصقت اليد بوجوه قد حنت إليها ، أشعة من الأنوار النورانية تصدر من وجه امرأة ... " ربنا يسعدك دنيا وآخره " ، وصدر رحب لرجل ... " أنت حر " ، ودمعة ملتصقة فى بؤرة العين ... " ربنا يخليك لى يا أخويا " ، وقلب معتصر بالأحزان ... " البقاء لله " ، ويد وضاء تربت على الكتف ... " لا تحزن إن الله معنا " .
    ترتعش الأنامل من بهاء الوجوه ، فلم تقو الأعصاب على التحمل ، وأخذت تتفكك عصباً عصبا ، وانهارت ، وما بقى منها إلا الذكرى .

    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  2. #2
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    أخي العزيز سامح الشبة
    وصف دقيق و مفصل يبرز مقدرتك الكبيرة على نقل الأحاسيس و المشاعر ناطقة حية أمام القارئ .
    دمت في خير و عطاء

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد أبو نعسة
    أخي العزيز سامح الشبة
    وصف دقيق و مفصل يبرز مقدرتك الكبيرة على نقل الأحاسيس و المشاعر ناطقة حية أمام القارئ .
    دمت في خير و عطاء
    الأخ العزيز والقدير / سعيد أبو نعسة

    سعيد أنا بمرورك على نصى ، ونقدك الجميل الذى أضاف للنص الجديد .

    فى انتظار مرورك دائماً فلا تبخل بى على .

    دمت بخير وابداع .
    تقبل احترامى وتقديرى

  4. #4
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأديب القدير الأخ / سامح الشبة .
    سلام الله عليك .

    أي حزن زرعته فينا .. حماك الله ، عشنا معك الكلمة والحس ، لله درك على هذا اليراع النابض .
    أتابع أعمالكم وتنتابني حسرة لأني لم أوفق في أدب القصة والأقصوصة ، كم كنت أتمنى أن أتقن هذا الفن ، لكن لن أستسلم وسأحاول مرات ومرات وأرجو منكم الإرشاد .

    دمت بحفظ الله ورعايته .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  5. #5
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دخون
    الأديب القدير الأخ / سامح الشبة .
    سلام الله عليك .

    أي حزن زرعته فينا .. حماك الله ، عشنا معك الكلمة والحس ، لله درك على هذا اليراع النابض .
    أتابع أعمالكم وتنتابني حسرة لأني لم أوفق في أدب القصة والأقصوصة ، كم كنت أتمنى أن أتقن هذا الفن ، لكن لن أستسلم وسأحاول مرات ومرات وأرجو منكم الإرشاد .

    دمت بحفظ الله ورعايته .
    الأخت المبدعة القارئة الواعية / دخون

    بعد التحية :-

    أى روعة ، وأى قلم مر على قصتى .
    أتابع فى كل قصةٍ أكتبها هنا فى " الرابطة الثقافية " وجودك بين قصصى ، فهل أصبح ذلك إدماناً ؟

    ويزيدنى شرف بأن من يقرأ قصصى المتواضعة " دخون " .
    فلا تتحسرى على كتابة فن القصة ، وحاولى مراتٍ ومرات ، فلا يأس مع الكتابة .
    فلا تستسلمى أبداً ، فأن لا أحب المستسلمين اليائسين .
    تقبلى احترامى وتقديرى لشخصك الكريم .

المواضيع المتشابهه

  1. قصة قصيرة ......... العازف
    بواسطة تعب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-08-2016, 10:13 PM
  2. زنزانة الضمير. بقلم/ أسماء عايد
    بواسطة أسماء عايد في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 19-08-2014, 03:06 AM
  3. محبوس
    بواسطة محمود موسى في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-09-2013, 02:55 AM
  4. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM
  5. محبوسٌ سنة ....!!
    بواسطة سلطان السبهان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 21-05-2007, 01:05 AM