إذا صـحّ لأحدنا خِـداع نفسه فليفعل .. ولكن عليه أن لا يـُعـوّل كثيراً على سذاجة الآخـرين ، لأنها خادعة .!
الجنون يُمثـّل قمة الحرية والسعادة - في الدنيا ، ويعفي من المسئولية دائماً .. ولكننا نرفضه كما نرفض الموت .. ونتمسك بالعقل كما نتمسك بالحياة .. ونـدّعي امتلاك الحكمة ونتجاهل أننا لا نمتلك القـرار .!
لا وجود لحرية كاملة مع إيمان حقيقي .. ولا مجال لسعادة حقيقية مع عقل سليم في حياة مؤقتة ..!
عندما يُقـرُّ الإنسان أنْ لا فضل له فيما يفعل من خير .. ولا فخر له فيما ينال من شرف .. فسيُدرك حينها لماذا هو مُـلام- مُـدان مُحاسب مسئول - عما يُقال إنه اقترف ..!
فالإنسان في الدنيا بمثابة المسئول الكبير الذي يضع توقيعه على ما يُنجزه غيره - لينال الفخر .. غافلاً أو متجاهلاً أنه بتوقيعه إنما يتعهد بحمل ما قد يترتب على ذلك الإنجاز من وزر ..!
وعاقلٌ هـو .. مَـنْ إنْ سألته عن حياته .! أجابك بأنها لا تعدو أن تكون شاشةً تعرض أحداثاً - تبدو للآخرين أنها من صنعه .. بينما يُدرك هو أنها ليست خارجة عن إرادته- فحسب ، بل أنها كثيراً ما تـُسيّره وقلّـما تستشيره - ويلومه الجاهلون إذا قال أن هذا ممكنٌ وذاك مستحيل .!
فأفعال الجميع وردود أفعالهم ، إنجازاتهم وإخفاقاتهم .. كل ذلك تـُقـرّره حواسيبهم المبرمجة سلفاً - دون إرادتهم ، وتديره إمكاناتهم التي تُحـدّد مواقعهم ، وتـُظهره شاشاتهم .. ويحملون بأقوالهم لا بأفعالهم - لواء النجاح أو راية الفشل ..!
نحتاج إلى جهد كبير لكي نسمع ألحان الفكر في سجون الثقافات ، بينما يمكننا بيُـسر مشاهدة صورة الفكـر - بارزة على واقع أفراد المجتمع .!
إن القصور الفكري في تحليل بعض الوقائع- لدى البعض منا - جعلهم يبتكرون مسميات لا منطقية يُبررون بها عجزهم ، وينالون بها من غائبين .. كمصطلح ثقافة الانهزام – الذي يقال في شأن المنتحرين ..! ويتجاهلون أو يجهلون أن الإنسان من حيث الحرية الخاصة .. صنفان :
إنسان عاقل بالوراثة - صادق بالفطرة - منطقي بالضرورة - ضعيف بالطبيعة .. يحيا مكبلاً بأدبيات الأخلاق أو استحقاقات الإيمان ، فيمنعه المنطق من استعمال المتاح عند عجـز المباح .. فإذا خاصمته الأقدار - كأن تضعه في المكان أو الزمان الخطأ – فإنه يلجأ إلى فعل ما يستطيعه هو ولا يفهمه الآخرون .. فيُبررون عجزهم عن فهمه بتجريمهم لفعله ..!
وآخر سطحي عبثي همجي يحيا طليقاً يخلو قاموسه من الممنوعات- فيواجه الحياة أنى يشاء وكيف استطاع ..
الحديث هنا عن حيثيات حياة البشر كما يراها الإنسان بعين العصر ، ويلمسها بمجسات البيئة ، ويقرأها بفكره في ثقافة مجتمعه – وكل ذلك تحت سقفٍ ومن خلال زاويةٍ - يُحددهما القدر ..!
كل النظريات الفكرية التي تحاول كشف أسرار الإنسان ، كأسباب عجزه وتخلفه ، ومصادر قوته وتقدمه ، ودوافع صراعاته ، وتضارب أفكاره ، وبحثه عن الاستقرار تارة وقتله الاستقرار تارة أخرى ، واختلاف قناعاته ..
.. إنما تستند – لدى المؤمنين - إلى حقيقة ثابتة .. هي الوجود المطلق للقدرة والعدالة الإلهية .. حيث أنه لو افترضنا غير ذلك لانقلبت الموازين وتغيرت المفاهيم .
وتلك العدالة الإلهية المتفق على وجودها هي التي شاءت وجوداً مؤقتاً - لكائن عاقل - قادر نسبياً- يُـدعى الإنسان .. وذلك ربما من أجل إثبات استحالة وجود الصواب بفعل قدرة – غير تلك الإلهية .!
وحياة الإنسان - بمفهومها الابتدائي العفوي .. هي نقيض الموت .. ورغم تحفـّظ المنطق - على هذا التبسيط والتسطيح لمفهوم الحياة الرحب ..
.. إلا أنه يمكننا القول بأن الحياة بهذا المعنى هي الغاية الأولى والهدف الأساس لمعظم الناس ؛ ومن ثم يأتي هدفهم الثاني والنهائي اللا محدود وهو : تطوير إمكاناتهم وقدراتهم وزيادة ممتلكاتهم في حياتهم اليوم - من أجل تلميعها وتهيئتها للاستمتاع بها ..
وهم في الواقع إنما يحاولون بذلك إيجاد مبرر لحياتهم- وكأنهم من أوجدها ، وكأنهم باقون ..!
والحقيقة أنه .. لم يَخـْتـَرْ هذا الشاب الطموح أن يكون ابناً لذاك الأب الغني الشحيح ؛ ولم تختر تلك المرأة المتباهية بجمالها أن تكون أُمّاً لتلك الفتاة القبيحة التي لا نصيب لها في الزواج ، ..
ولا الرئيس ولا المرؤوس ولا السائل ولا الأبله ولا الفيلسوف .. كان له القرار فيما كان ..!
فالمرأة المُهيأة لدور الأم والمُعَـدّة سلفاً بمواصفات الأمومة .. لا تصلح لدور الزوجة – إلا تجاوزاً ..
وعندما يتزوج رجل - من الصنف الباحث عن زوجة – من امرأة من صنف الأمهات .. فإن الأبناء سيسعدون ، وسيدفع هو الثمن ، ولن تـُدرك تلك الأم - السعيدة بأمومتها - مأساة ذاك الأب التعيس بزواجه ..!
.. وهكذا الحال مع كل اختلاف بين بقية الأصناف .. ولا يتحقق الزواج السعيد الناجح إلا عندما تسمح الأقدار بزواج رجل وامرأة من ذات الصنف ..!
السؤال : أين كنه الإنسان وما حقيقته ..! .. بين الحاسوب البشري الأزلي المُبرمج داخله .. ؛
وبين شاشته الآدمية التي يراها الآخرون وهي تعرض النتائج المحتومة لأوامر ذلك الحاسوب .. ؛
وبين القدر الذي يُخرج هذه المنظومة إلى حيّز الوجود ، متى وكيف وحيث يشاء .!
فمن هو هذا المخلوق .! ، وما دوره فيما يجري له ومعه وعليه وبه وفيه ومنه ومن حوله ..! وماذا يعلم عن نفسه وعن غيره وما ذنبه ..!
جزء كبير من تصرفات الإنسان - كفرد -هو نتيجة طبيعية وحتمية للعوامل الوراثية التي توجّهه ، والتي لا سيطرة له على تفاعلاتها داخله ، وما تبقـّّى تـُحدده الإمكانات والبيئة من حوله - وهي الخارجة عن إرادته - أيضا ..!
ولكن في محطاتٍ كثيرة من حياتنا - نحن المسلمين - نجد إسلامنا - بمفهومه الحديث القديم - يفرض علينا مخالفة المنطق وتجميد الفكر والتنازل عن جزء كبير من الكيان ..!
والبدائل المنطقية لهذا الواقع المرفوض- مُغيـّبة .. فهي إما مرفوضة عند أعداء المنطق ، أو ممنوعة من قبل أولياء الأمر ، أو محاربة ثقافياً ، أو مُـحـرّمة دينياً .. ودون حُجّـة مقنعة من الجميع ..! .. ولم يبق أمام الفكر سوى باب المستحيلات ..!
والعقل يقول إن العدالة الإلهية لا يمكن أن تتعارض مع المنطق ؛ وبالتالي فإن الفكر الذي يستند لها لا يكون سوياً إذا اعتمد العشوائية وطمس الآخر من أجل إثبات صوابه في محطات عجـزه .!
لقد أدى سوء استغلال الكنيسة عند غيرنا في سابق الأزمان .. إلى تكميم الأفواه وقطع الأعناق وتكبيل الأفكار .. فثار فكر الإنسان الغربي وكانت النتيجة ميلاد العلمانية ..
ولكن .. كأنما المنطق فكر غربي ترفضه الشهامة العربية باسم الإسلام البريء ..!
فجُـلُّ العرب المسلمين - من كتـّاب وشعراء ، قادة وعلماء ، مثقفين ومفكرين ومهتمين- قد اعتادوا السير على جثث المنطق واحترفوا مغالطة الواقع وتلذذوا بتجاهل الحقيقة .. ،
حقيقة عدم وجود الإنسان العربي المسلم - الفرد- الذي يزعمون أنهم يسعون للنهوض به ..
فكأنهم يستنهضون العدم ، ويئنون بحمل اللا شيء ، وكأنهم دخلوا ثقباً أسوداً – حيث توقف بهم الزمن وانعدمت أمامهم مبررات التساؤل واستحال عليهم التواصل ، ولا مجال للتراجع ولا رؤية للمصير ..
بينما يظنون أنهم قد أدوا أدوارهم لمجرد سماعهم لصدى كتاباتهم وهي تدوي في صحارى أوطانهم الخالية من الإنسان والمنطق والفكر ، والمليئة بالنفط والجهل والفقر ..
وكأن المفاهيم قد واعدتهم وأخلت بوعدها .. فهم ينتظرون يوماً يصير فيه الفقر غنًى من تلقاء نفسه ، ويصبح الجهل علماً بمعجزة خاطفة ، ويُمسي التخلف تقدماً دون مقدمات ، ويتفق الناس على أن العبودية هي قمة الحرية .. ،
ليصبحُ الأعرابي الأشد كفراً وبهتاناً – بقبليّـته وتعصبه وفقره وذله وجهله ونفاقه .. يصبح بذلك رمزاً للإنسان العصري والمسلم المؤمن .. ومن لا يرى رؤاهم فهو في نظرهم عدو للوطن والعروبة والإسلام .!