المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي
البحث في الديجور..!
(من أوراق جحا: )
وهذه يا بناتي الفضليات وأبنائي الأحباب حادثة من الحوادث التي جرت لعمكم جحا في قديم الزمان ومازلتم تتندرون بها ساخرين ضاحكين!
بينما كنت أنا وحماري نجوب الصحراء ليلا في طريقٍ مظلمٍ قاصدين إلى دكاني الجديد لأدركه فجرا ، رحت أترنم بأغنية ألفتها في حينها ولحنتها أيضا ، أقول فيها :
|
"ها أني أمضي سعيدْ |
نحو دكاني الجديد |
ومعي المفتاح مشتـــــــــ |
ــاقا ويرنو من بعيد |
قاصدا ربا كريما |
أطلب الرزق الرغـــيدْ |
|
|
وكنت أثناء الغناء ألهو بالمفتاح مع نغمات الأغنية أقذفه في الهواء، ثم ألتقطه أفعل ذلك مرارا ، فإذا به ذات مرة يسقط مني في حفرة من حفر الطريق الغارق في دجى الظلام البهيم!
فنزلت لأبحث فوجدت الظلام يهجم علي كقطع الليل المظلم
فقلت لنفسي ولحماري معا:
في هذا الظلام البهيم (صفة للظلام وليس للحمار) لا أمل لي في العثور على المفتاح ،
وبينا أنا في همي وغمي لمحت من بعيدٍ نورا ينبعث فسحبت نفسي وحماري المتشبث بالمكان كأنه كان يبحث معي عن المفتاح ، فتوجهتُ به إلى ناحية النور
فأدركت حين وصلت قوما مجتمعين حول نار :
|
فكأنهم والنار من حولهم |
قومٌ جلوس حولهم نارُ! |
|
|
كما فعل شاعرٌ مسكين مثلي !
وعلا نهيق حماري لا أدري استحسانا بما قلت أم استهجانا؟!
فألقيت عليهم السلام فردوا التحية بأحسن منها ، وطفقتُ أبحث قُدَّامهم عن المفتاح الضائع هناك! غير معنيٍّ بهم، وبأسمارهم.
ورحت أذرع المكان جيئة وذهابا ، أبحثُ بهمة ونشاطٍ ودأَب واجتهاد
سألني أوسطهم:
- عم تبحث يا عمي جحا
(لا ادري كيف عرفني)
- أبحث عن المفتاح.
- أي مفتاح
- مفتاح الدكان
- أي دكان
- دكان الحبوب والغلال
- ومتى سقط منك هنا؟
- إنه لم يسقط هنا!
تعجب القوم وتصايحوا :
- لم يسقط هنا؟ عمَّ تبحث إذن يا رجل ؟
(يبدو أنهم نسوا اسمي ، ونسوا ما قلته لهم )
- عن المفتاح
قال كبيرهم:
- تقول إنه لم يسقط هنا؛ فأين سقط ؟
فقلت وأنا أشير إلى الجهة المظلمة المقابلة : لقد سقط هناك في حفرة من هاتيك الحفر .
قال أصغرهم: "يا لك من أحمق كما يقول جيرانك عنك!
يسقط هناك ، وتبحث عنه هنا!
قلت له : سامحك الله ، أوتريدني أن أبحث عنه في الظلام؟
فأنهي القوم حوارهم معي ضاجِّين في الضحك.
/
/
/
ومازلتم أنتم أيضا تضحكون عندما تروون هذه الحادثة
رغم أنكم تفعلون ما فعلتُ بل أشد
ألم تضيعوا مفتاح القدس الشريف في القدس الشريف وما زلتم تبحثون عنه في كل مكان إلا هناك؟!
مرة في باندونج
ومرات في كامب ديفيد
وثالثة في أوسلو
ورابعة في
وخامسة في
و في مجلس فزعٍ تسمونه كذبا وزورا بمجلس الأمن.
ومنكم من كان يبحث عنه في روسيا
ومنكم من راح يبحث عنه بكل ما أوتي في أمريكا
بل إن منكم من راح يحارب إخوانه بدلا من أن يحارب الأعداء لينتزع المفتاح من أيديهم.
مع أنكم تدركون جميعا أين سقط منكم؟ وكيف؟
فكيف تتندرون علي وقد فعلتم ما فعلت بل أسوأ؟
على الأقلِّ أنا رحت أبحث عنه في النور ،
وأنتم ما تزالون تبحثون عنه في الديجور!