الأخ الكريم \ سيف الدين ..
إسمح لي أولاً ، بأن أُهنئ نفسي، ورابطة الواحة وملتقاها، ومنابر الفكر والحوار فيها .. بانظمامك لنا ووجودك بيننا .
وأن أُعبّـر لك عن بالغ سروري وعظيم إعجابي بما قرأت لك هنا .
فمثلك ممن يحملون لواء الفكر بجديّة، وبقوة الحجة ووضوح الفكرة ونبل الغاية، ولا يبخسون الكلمة حقها، ولا يضنون بجهدهم ووقتهم ..
أولئك الذين نفتقدهم ونبحث عنهم، فأرجو أن أجد حرفك حيثما وُجد الفكر، في منابر واحتك التي يحق لها أن تفخر بك .
أحببتك في الله - والله، فلا تتردد يا أخي - جزاك الله خيراً - في طرح التساؤل، وتوجيه النقد - حيثما وأينما وجدت لهما مكاناً .. فبذلك تؤكد حضورك في ساحة الصادقين والمخلصين .
ثانياً .. بخصوص تحفظاتك - التي أُرحبُ بها أيما ترحيب .. أقول :
1- لا يتم تناول المفاهيم والأفكار والآراء والاختلاف والخلاف والخلط والاختلاط - لدى الإنسان- إلا بسبب تأثيرها في حياته ومصالحه .. المرتبطة بالضرورة بوجود الآخر وحقوقه.
وأظنك لا حظت بأنني استخدمت في العنوان : كلمتي تقبل وتحتمل .. ولذلك مدلوله الذي لا يغفله من هو مثلك .
2- ولعلك لاحظت، بأنني قلت عن خلط المفاهيم، إنه خللٌ ثقافي تعليمي، في إشارة إلى اختلاف أساليب ومعايير التعليم، ومصداقية وحيادية مصادر ثقافات المجتمعات في مفهومها .. للعقل، وحرية الفكر، وللآخر، وللوجود البشري ككل ...الخ ؛ حيث لا تكون المآسي إلا بسبب عدم الاتفاق في المفاهيم .
3- أنت تعلم أنّ كلمة "الاختلاف" تشير إلى وجود مادة أو موضوع يستوجب الحوار .. وهذا لا يكون إلا بين طرفين أو أكثر - مما يعني أني لا أقصد الإنسان لنفسه - كفرد لوحده .
أما الخلاف، فهو الوصول إلى نقطة اللا تفاهم .. وهذا ما لا أراه جائزاً في عالم العقلاء .
4- تعلم أن الخلط، إنما يكون عمداً - عناداً، أو نتيجة جهلٍ أو تسرّعٍ .. وهو ما يؤدي إلى الخلاف . ولا أعتقد بجواز ذلك للعقلاء المفكرين .
أما الاختلاط، فهو المزج الخاطئ والغير متعمد للمعاني، ويحصل ذلك نتيجة التداخل والتشابه الكبير بين مدلولات الألفاظ - التي هي أساس المفاهيم، وما يترتب عليه من سلوكٍ غير سوي - يكون مؤقتاً عادة - حيث يزول مع توسع المدارك المعرفية، والإلمام باللغة، وحرص الإنسان على تحرّي الصواب والإنصاف .. إذا كان يستعمل عقله باحثاً عن الحقيقة، معافىً من داء التعصب .
أما عن حال المسلمين وأوضاع العقل والمفاهيم عندهم .. فأنا لا أميل إلى فكرة أن الغرب أو عملاءهم أو سواهم، هم من يقفون وراء الارتباك الحاصل في ساحتنا الفكرية.
وإنما أُرجع السبب إلى الحصار المضروب على العقل المسلم، واستبداله بالنقل، ومنعه من التفكير، بحجة عدم أهليته لفهم رسالته في الحياة دون وصاية دينية وفكرية وثقافية - موجهة - عليه .
فنحن نعلم بأن الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى طوائف - يُكفّـر ويلعن بعضهم بعضاً .. لم يكن بسبب الغرب .
ويمكنني القول إن إقحام الإسلام- كدين توحيد - جاء ليحدد علاقة الإنسان بربه بالأساس، والزج بمفهوم الجهاد في الصراعات السياسية الإقليمية بين الدول، وعند تضارب المصالح الاقتصادية، وأثناء التدافعات البشرية الطبيعية، والخلافات الحدودية .. هي من قبيل خلط المفاهيم والتلاعب بعواطف ومشاعر البسطاء، من أجل شحذ هممهم، للخلاف والصدام مع الآخر .. بسبب ظاهري - ليس هو السبب الحقيقي .
أشكر مرورك وحضورك، أيها الأخ الحبيب، والمفكر النجيب، وأُجدد ترحيبي بك في منابر الفكر .