أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: صباح العيـــــــــــــد

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي صباح العيـــــــــــــد

    صباح العيد

    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    ........................................

    (1)
    خرجتُ من حجرتي التي تقبع في ممر طويل مظلم، مُلحق بتلك المدرسة النائية في جبل «النخلة الحمراء» .. أمام الباب مطلع وعر، تمرُّ منه السيارات القادمة من صنعاء، والمتجهة إلى مدينة «الأحد».
    الوقتُ أمامي قصير لألحق صلاة العيد .. لماذا تأخرتُ في النوم؟ .. لم أنم إلا قبيل الفجر بنصف ساعة أو أقل قليلاً .. باق عشرُ دقائق على الصلاة .. عليَّ أن أصل إلى الساحة التي سيصلون فيها صلاة العيد.
    نظرتُ أمامي فوجدت الأستاذ «سيد ريحان» المدرس بالمدرسة الابتدائية المُجاورة يمشي مُصطحباً ابنه الأكبر «مصطفى» ذا الأعوام التسعة .. أما حلمي ذو الأعوام الخمسة فيبدو أنه مازال نائماً .. فعل خيراً فالدنيا برد، ودرجة الحرارة تنخفض عن عشر درجات!
    تلفت «سيد ريحان» إلى الخلف فأبصرني، فانتظر لألحقه .. شدَّ على يدي مهنئاً بالعيد السعيد، راجياً أن يُطيل الله عمرينا لنكون العام المقبل «على جبل عرفات معا» .. وعانقني، فشممتُ عطراً رخيصاً يفوح من طيات ثيابه.
    ثياب ريحان مكوية، وشعره لامع، وفرحة العيد ترقص في عيني طفله «مصطفى».
    لاحظت سيد ريحان وهو يُحملق في وجوه اليمانيين، ويهمس لي:
    ـ رباه! .. كم هم مختلفون اليوم عن الأيام السابقة!
    مشينا صامتين ـ أنا وسيد ـ والولد يقفز وكأنه عصفور!

    جلستُ بجوار سيد ريحان على حشيش أخضر، في أرض مستوية، تتخللها بعض أشجار الخوخ .. تأكّدت أني أيضاً ألبس بنطلوناً وقميصاً جديدين، اشتريتهما منذ أسبوع من «صنعاء»، لكن بلا مكواة تمر عليهما .. فأين أجد الكوّاء في هذا المكان النائي؟!!
    (2)
    هاأنذا أجلس مطرقاً في مصلّى العيد، بكل مشاعري أستمع إلى «الشيخ محمد الأعرج»، وهو يُلقي خطبة العيد، عن معنى التضحية والفداء. والشيخ محمد مدير المدرسة الابتدائية المجاورة، وقد أخبرني منذ عدة أسابيع أنه درس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية ـ وإن كان لم يُتم دراسته الجامعية ـ ولذا فهو يفهم الفقه السني فهماً جيداً، وإن كان يُخطئ في اللغة ـ في كل خطبة ـ في كلمات قليلة!
    (3)
    هاهم اليمانيون يتعانقون في مودّة وفي حرارة بعد انتهاء الإمام من خطبته القصيرة .. وضحكات الإمام الصافية العالية تحتوي المكان.
    نظرت إلى اليمانيين وهم يسلمون عليَّ بإعزاز، فوضعتُ على فمي ابتسامة عريضة، لكن لم يقل لي «سيد ريحان» هل كانت حقيقية أم باهتة، كما اعتاد أن يصف ضحكاتي فيما سلف من أيام؟
    عانقني بعضُ طلابي، وعانقني بعضُ من لهم أولاد يدرسون عندنا في المدرسة الثانوية .. في حرارة حقيقية.
    (4)
    في المدرسة الثانوية ثلاثة أساتذة فقط:
    عبد الغني حسنين: مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية، وقد ذهب ليلة الأمس إلى قرية «الخرابة» المُجاورة ليقضي يومين من أيام العيد مع ابن قريته «فريد»، وقد ألحَّ على أن أذهب معه (فزوجة «فريد» ابنة خالته، وليست غريبة عليه) .. ولكنني لم أستجب!!
    وعلي عوض الكريم: سوداني، يدرس اللغة الإنجليزية والمواد الاجتماعية، وقد ذهب منذ يوم الخميس ـ من ثلاثة أيام ـ إلى «صنعاء» ليُمضي العيد مع أبناء يلده، (وكان قد قضى عيد الفطر في ذمار) وعرضَ عليَّ أن أذهب معه إلى صنعاء، ولكني قلتُ له:
    ـ أنت ستذهب إلى أقاربك وأصدقائك .. وأنا ماذا سأفعل؟!
    ضحك ضحكة عذبةً أنارت وجهه الأسمر:
    ـ أنت أيضاً قريب وصديق.
    ولكنني لم أستجب!!
    وأنا .. مدرس الرياضيات والعلوم!

    أما المدرسة الابتدائية المُجاورة لمدرستنا فلها مدرس واحد هو «سيد ريحان»، وقد أعدّت له القرية سكناً مؤثثاً، مكونا من حجرة واحدة، يسكنُ فيه هو وزوجته الجميلة النحيفة البيضاء وولداه مصطفى وحلمي.
    اليمنيات يزرن زوجته عصر كل يوم، فلا يجد مفرا من أن يصطحب ابنه الكبير «مصطفى»، ويأتي ليجلس معنا، ويُخفف عنا وحدتنا بأحاديثه الجميلة، وقصصه المسلية!
    هل يعود من المُصلَّى ليجلس معي، ويُخفف عني وحدتي، ويذكرني بأيّام الأعياد في مصر!
    (5)
    صحبني «سيد ريحان» وابنه في طريق العودة. وقبل خطوات من البيت استأذن مني .. في سرعة ولهوجة .. لأنه مدعو عند شيخ القرية ـ هو وزوجته وطفلاه ـ ورجعتُ إلى حجرتي عابراً الصالة المُظلمة.
    أوارب الشباك قليلاً .. لأسمع ضحكات الأطفال .. وصياحهم .. وصفاراتهم.
    أخرجتُ بعض الحلوى التي اشتريتُها أمسِ من البقال الوحيد في القرية .. ليست جيدة، لكنها خير من لا شيء!
    تذكّرتُ أبنائي وزوجتي وأخواتي الأربع (فأنا الأخ الوحيد الذي يدخل عليهن في العيد) فأحسستُ بغصة في حلقي! .. مددتُ يدي لأشرب كوب الشاي البارد الذي عملتُه قبيل الفجر ونمتُ، ولم أشربه!
    أُحسُّ ألماً شديداً في ساقي اليُسرى.
    البردُ شديد .. فلأغلق الشباك، ولأتمدد على سريري، ولألبس جورباً سميكاً عساهُ يخفف عن ساقي بعضَ ألمها.
    .. يبدو أنني لن أخرج من البيت ـ اليوم أو غداً ـ حتى يعود عبد الغني من «الخرابة»!
    حسناً .. لقد اشتريت أمس من البقالة ما يكفيني يومين!
    الرياض 23/1/2001م.

  2. #2
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي الحبيب د حسين علي محمد
    شعرت و أنا أقرأ قصتك بالمرارة في حلقي بدون مبالغة .
    فلقد مررت بهذه التجربة المقيتة يوم كنت مغتربا في بلد شقيق و لكن حظي كان أصعب من حظك إذ كانت معي عائلتي وكنا نقتات الملل و الضجر طيلة أيام العيد و نختلق المناسبة لزيارة أصدقائنا كضيوف ثقال .
    خرجت من الغربة بقرشين و بحكمة مفادها : الغربة كربة .
    اشكرك على هذا الأسلوب السهل الممتنع العابق بعاطفة جياشة يلمسها القارئ بين الحروف دون تهويل .
    دمت في خير و عطاء

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب القاص الاستاذ الدكتور حسين علي محمد

    مازلت اتابع اعمالك الادبية , ولقد كتبت لك يوما بانني اعتبر
    نفسي قارئا محبا معجبا بك وباعمالك , وها انا امام قصة
    شعرتني اعيشها معك , بساطة ساحرة في اللغة , صور واقعية
    صادقة تعكس بمهارة وصف المكان , وتابعت بشوق قدرتك العالية
    على ضبط الزمن , يرافق كل ذلك نبضات ادبية شيّقة , واخيرا
    جاءت النهاية مقنعة الى حد كبير .
    بارك الـلـه بك

    اخوكم
    السمان

  5. #5

  6. #6
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 2,362
    المواضيع : 139
    الردود : 2362
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    السلام عليكم

    وصف جميل جدا ونشاركك كل هذه المشاعر والبرودة من شدة الوحده
    فعلا هى آثار الغربة .... وما ادراك ما الغربة !

    اتفهم مشاعرك - لا تحزن كثيرا .. يعنى اين ذهب عبد الغنى .. ما هو ذهب ايضا ً الى " الخرابة "

    لا تنس ان هناك كثيرون يكونوا وسط اهلهم ومازالوا مغتربين أو يشعرون بالغربة !

    ادعو الله ان ييسر على كل مغترب ويعطيه اهلا خيرا من اهله الذى تركهم فلا يكون وحيدا ابدا

    تحيات متعاطفة معكم نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    الغربة وما يلاحقها من وحدة وسقيع داخلي حتى ولو كان الطقس شديد الحرارة ، فهذا الصقيع منبعث من الخواء العاطفي والأسري الذي جبلنا عليه نحن خلق الله .

    أستشعرت هذا من خلال هذا النص ، فتدثرت بغطاء الأهل ، وحمدت الله على التواجد مع الأخذ والعطاء ، حتى ولو استأنا من البعض ، إلا أن هذا الدفء الذي أستشعره منبعث من خلال صحبتهم ومؤانسة النفس بلمتهم .

    خالص تحياتي أستاذي الفاضل د . حسين علي محمد
    إلا أنني أرى هذا النص قريب من مذكرات مغترب أكثر من أن يكون قصة أو رواية .
    وللإنصاف أريد أن أسجل شكري لتحديد مناطق الأحداث بقصصك حتى أنني أستشعرها وأتخيل روحي هائمة باجوائها ؛ رغم أنني لم أطئ بقدمي أبعد من موطني .
    تحياتي أستاذي الفاضل .

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    إلى الأستاذة نسيبة بنت كعب:
    أشكرك على تعليقك اللطيف، ومأ أجمل قولك:
    "لا تنس ان هناك كثيرين يكونون وسط اهلهم ومازالوا مغتربين أو يشعرون أنهم في غربة (بتصرف)".
    فالغربة والاغتراب من مآسي الإنسان المعاصر.
    تحياتي .. وشكراً جزيلاً لك على تعليقاتك.

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    إلى الأستاذة الأديبة عبلة محمد زقزوق:
    تحياتي وشكري الجزيل على تعليقك.
    وقد توقفت أمام تعبيرك الجميل:
    "الغربة وما يلاحقها من وحدة وصقيع داخلي؛ حتى ولو كان الطقس شديد الحرارة، فهذا الصقيع منبعث من الخواء العاطفي والأسري الذي جبلنا عليه نحن خلق الله".
    تحياتي وموداتي على مؤازرتك الدائمة لما أكتبه.
    ودمتِ بخير وسعادة.

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    هذه القصة

    بقلم: أحمد المحمود ـ الرياض
    ....................

    يااااه ما أصعب الغربة وما أقساها ! صباح العيد، بعيداً عن أحضان الأم وحنين الأخوة وهرج الأبناء، يا له من صباح! لحظات ومناظر يتفطر لها القلب حينما تمد ذراعيك بعد الخروج من مصلى العيد وتضمهما فتفاجأ بأنك تمسك خيط دخان عندها تنظر ذات اليمين وذات الشمال فلا تجد غيرك يلبس البنطال فتهرع إلى سريرك الوحيد الذي اعتاد عليك فتتكور حول نفسك تغمض عينيك ليتحقق لك ما عجز الواقع عن تحقيقه .. قصة واقعية جميلة تخلد لحظة عاشها بطل القصة بكل تفاصيلها .. أستاذي الدكتور حسين اشتقت إليك .. تصبح على أمل لك محبتي وتقديري ..
    تلميذكم أحمد.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. صباح الخير يا بغداد
    بواسطة ايمن اللبدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-04-2004, 05:52 AM
  2. استشهد صباح العيد
    بواسطة محمود مرعي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 17-12-2003, 07:46 PM
  3. صباح الخير يعيوني
    بواسطة الخيزُران في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 31-07-2003, 01:32 AM
  4. صباح الخير
    بواسطة خليل الحلبي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 17-04-2003, 05:07 PM
  5. صباح جديد ووطني
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-04-2003, 01:16 PM