فى الخامسة عشر من عمرى كنت فى اوج فترات انعزالى وانطوائى التام كانت علاقتى مع اصدقائى القدامى قد توقفت عندما اكتشفنا فجاة اننا لم نعد صغارا وان عهد الطفولة قد انتهى تقريبا واصبحنا ننظر الى بعضنا من جوانب اخرى لم اكن اتوقعها
رغم تعرفى على زملاء جدد فى بداية المرحلة الثانوية الا اننى عرفت من البداية ان اقربهم لى بعيد عنى باميال
ومع انتهاء الدراسة وفى صيفا شديد الحرارة جاءت اشد فترات حياتى عزلة ووحدة
ظللت بقيت طوال ثلاثة اشهر دون ان ارى احد او اذهب الى احد
رغم حياتى داخل بيئة اجتماعية اساس حياتهم العلاقات الاجتماعية الا انى لم انل منهم شيئا كهذا
ظللت نظرات الاخرين دوما هى الجحيم كما قال سارتر
ادى انعزالى الشديد الى لفت انظار الجميع لم يعد مشكلة فى المنزل سوى
لماذا لا تخرج؟ لماذا لا تتحدث؟ لماذا تعتكف فى الغرفة؟
مئات الاسئلة بلا اى اجابات
كل ضغوطهم واصرارهم جعلنى اكثر عزلة واكثر احساسا بالعجز
عندما اسير فى الشارع تتجمع كل الاعين نحوى
فى شارعا كشارعى الكل يتصرف وكان الشارع منزل للجميع
كل الاسرار وتفاصيل الحياة تناقش على الملا
لذا كان اختفائى وصمتى الدائم من الصغر مثار الدهشة والسخلاية على الدوام
ولكن فى تلك المرحلة تحديدا قد وصل انعزالى واستغراقى فى احلام اليقظة الى حدا مخيف
بدا الخلط بين الحقيقة والخيال يتزايد يوما وراء يوم
الكل ينظر الى شعرى المنكوش وملابسى غير المهندمة ومشيتى الخجولة السريعة مع نظرات مرعوبة تحدق فى الفراغ
فالمح ضحكات السخرية وابتسامات التهكم على وجوة الجميع
يتاكد لى يوما بعد يوم انى لا انتمى لهذا العالم
يرمى احدهم التحية فلا ادرى ماذا اقول
نذهب الى الاقارب فاذا انا كالذى اجلس علية لا احرك ساكنا
اشعر بهمهمات الجميع وسخريتهم واولهم والدى واخوتى
فى احد المرات كتبت لى امى فى ورقة بعض الكلمات والردود التى يجب ان استخدمها فى التعامل مع الناس وكاننى اجنبيا يتعلم العربية
الحقيقة ان المشكلة لم تكن فى مخزون الكلمات فقد كنت املك منها ما يزيد عن كل ممن فى سنى
فكان لابى مكتبة عامرة وقد بدات القراة مبكرا
اقرا فى كل شىء حتى ولو لم افهمة
قرات فى الادب والشعر والفلسفة والتاريخ والسياسة
لكنى امام الحياة الواقعية لا شىء
قالت لى اختى مرة ان امى كانت تشك اننى معوق ذهنيا وانا صغير
او اننى اعانى مرضا ما فى عقلى
فالى ان وصلت الى عامى الخامس عشر كنت اصر على تسمية كل الحيوانات التى لدينا باسماء شخصية وابقى اتحدث معها واناديها وكانها بشرا
بل كنت فى طفولتى اذهب لاشكو اليها ايضا
وقد وصل هذا الى كل الناس تقريبا حتى تيقن الكثير من انى مخبول تماما
حتى ان احيانا كان بعض النسوة الكبيرات كن ياتين ليتفحصنى ويتاكدوا من حالتى العقلية
وكانت امى تستاء بشدة وتشعر انهم يحاولون اشعارها بان الولد الوحيد الذى انجبتة وافتخرت بانجابة لن يكون ابدا رجلا
كانوا خبيثات وقاسيات اشد القسوة
كان الكل فى البيت والشارع والمدرسة يتندر على هذا الفتى الذى لم يتحدث فى حياتة الى بنت
كان المدرسون ينتقدون الفساد وانحلال الفتيان ولكنهم ينظرون الى انحلالهم بالنسبة لى الى انة قضاء اخف من قضاء
وفى ذاك اليوم وقد طفح الكيل وتجمعت الضغوط من كل جانب
واستباح الجميع سيرتى وحياتى
واخذ الكل يضيف الى ما عندة المزيد والمزيد من التخيلات والافكار عن هذا الكائن العجيب الذى يعيش معهم
وبينما انا فى عزلتى اتخبط بين عالم الطفولة باحلامة البريئة والمراهقة بمستلزماتها الحريئة
سطع فى حياتى نجما اسمة ميرزا
كان اسما غريبا لفتاة غريبة كان مقدرا لها ان تلعب دورا كبيرا فى حياتى