بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و بعد
أرجو من عمالقة هذا المنتدى الأخذ بيدي و قد ارتأيت أن أبعث لكم بأول مولود لي في القصة و الشعر
أرجو التصحيح و النقد و أعلموا أنني أحس نفسي نملة بجانبكم
النملة بدون صرصور
تمددت ذات يوم من أيام الشتاء،قرب ركن من أركان حوشنا القديم حتى أتمتع بقيلولة عزمتني لها أشعة الشمس الدافئة. كنت آنذاك تلميذة في الثانوي.
وجهت ظهري للشمس، ووجهي نحو جدار يصعب عليك تحديد تاريخ بنائه، جدار لا زال طينه يشهد لحضارة أسلافنا العريق و يعكس إتقان عملهم نظرا لصموده رغم تآكل قاعدته.
استرخت عضلاتي متأثرة بدفء ممتع للغاية،فرحت أقترب من لحظة مفارقة الدنيا لحين غرة.
تهيأت لنوم، تنبأت مسبقا بلذته، و في هذه اللحظة بالذات طرأ جديد عكر علي صفو هذه اللحظات و التي تمثل جسر عبور بين اليقظة و النوم ،و هي آية من آيات الخالق و نعمة من نعمه.هذا الجديد الذي تمثل في إحساسي بلسعات لطيفة على مستوى ذراعي ساهم في كسر نعاسي، فشرد نومي و معه لذة القيلولة،لأن من طبعي ألا أواصل النوم إذا حدث شرخا في إحدى مراحله .
فتحت عيناي لتفقد مكان اللسعة، فإذا بنملة تزور ذراعي دون دعوة، و تلسعني دون حقد و لا انتقام، غير مبالية بالمصير الذي ينتظرها،فهي تبحث عن هدف و تؤدي مهمة كان ذراعي ميدانا لها و أرضية رطبة راحت تختبر خيراتها علها تجد ما تستغله.
أحسست بتوتر نتيجة انقطاعي عن النوم ،و بتلقائية صوبت يدي نحو ذراعي
و حولت إبهامي و سبابتي رافعة ضم النملة المعتدية.
وضعتها أمامي تحتضر، و بعد ثواني تحولت جثة هامدة رحت على إثرها أعاتب نفسي على هذه البشاعة في المعاملة.
بقيت لحظات أنظر إلى تفاصيل جسمها، فراودتني أفكار كثيرة و أنا أتأمل هذا الكائن العجيب انطلاقا من مورفولوجيا جسمه، إلى حركة هذا المخلوق النشيط و رحت أسأل نفسي –هل لهذا المخلوق دماغ، هل ينتج أفكارا هل له إحساس إلخ.............
قررت الوصول لأجوبة، فبدأت في البحث عن نقطة انطلاقها فإذا بالمأوى لا يبعد عن رجلي سوى سنتيمترات معدودة.سطرت لنفسي خطة على أجد أجوبة لبعض التساؤلات التي راودتني قبل قليل، متذكرة نصا قرأته و أن تلميذة تحت عنوان" تجربتي مع لنمل".
قررت إذا خوض تجربتي الخاصة.
حملت الجثة الهامدة ووضعتها على مقربة من الجحر، و رحت أتأمل السيناريو الذي سيدور أمامي.
كان النمل ينحى منحى يبدو أن وجهته محددة سابقا-و هي عبارة عن غرفة ،أكل الدهر عليها و شرب-تعودت والدتي وضع بقايا الأكل فيها للحمام.كان النمل في حركة دؤوبة ،ذهابا و إيابا ،هذه تحمل حبة كسكس والتي تليها قشرة تمر و أخرى شيئا مجهولا و الكل في صف منضبط يسير على وتيرة واحدة يوازيه الصف الثاني الذي أوصل النقلة و عاد للمزيد.
و فجأة لاحظت أن إحدى النملات تمردت عن صفها و ابتعدت عن سكتها، نعم : لقد تنبهت لوجود الجثة .و لمحتها تقترب منها و بدأت تحوم حولها و تتحسس ثم تبتعد قليلا و تعود لتكرر نفس الحركات. أخيرا قررت ما كنت أنتظره مسكت بالجثة و حاولت جرها لكنها عجزت رغم أنه يقال أن النمل يستطيع حمل ضعف وزنه بعشرين مرة لكنها عجزت دون أن تستسلم ،و راحت تعيد المحاولة رافضة التخلي عنها ،و انبهرت في هذا الفعل الحضري،و سكنت عضلاتي ،و رحت أكتم أنفاسي خوفا من إزعاجها و بتر التجربة.
تركت النملة الجثة لحالها، و ذهبت بسرعة فائقة متجنبة في طريقها أخواتها المنتميات لكتيبة المكلفة بجلب القوت من الغرفة .دخلت بيتها و تسمرت عيناي في مدخله...و راح تصوري يقفز من خيال لآخر ،ترى ماذا يحدث في أديم الأرض ؟و رفض رمشي لقاء أخيه خوفا من أن تفوتني لقطة من هذا الشريط الشيق.
و مرت لحظات رحت أجمع فيها كل صبري من أجل الانتظار،و فجأة ابتعدت إحدى النملات عن مسارها،و عوض أن تتوجه لجلب القوت توجهت نحو الجثة الهامدة و يا للعجب تبعتها ثانية و ثالثة و رابعة و تضاعف مستوى حيرتي ،و رحت أتساءل عن هوية النملات ،هل توجد من بينهن مكتشفة الجريمة،و كيف علمن بمكانها؟كيف بلغهن الخبر المحزن؟و راحت التساؤلات تغرق فكري ، و توسعت رقعة حبي للاستطلاع و تحسرت لعدم وجود شاهد جنبي، حتى يؤكد لي أن كل هذا ليس سرابا.
دارت النملات حول الجثة، و رحن يمسكن بها و جرت في أصغر موكب جنائزي عرفه الكون، و الغريب في الأمر أن حاملات النعش كن يسرن للخلف دون أن يتهن عن طريقهن.
و اقتربت الجنازة من مسكنها،و شعرت أنني أحبس أنفاسي،و أقلص عضلاتي ،و أختزل وجودي متوهمة أنه يمكن لي المشاركة في هذه الجنازة و الدخول إلى بيت العزاء،لأعرف نهاية هذه المغامرة-و هل ستدفن الضحية أم ستتخذ زادا ينوع ما تجمعه النملات من غرفة أمي.
فسبحان المبدع خالق العالمين
و كتبت على إثرها هذه الأبيات
فكرت مليا و طال تأملي في خالق الكون رب السماء
ما وجدت أعظم من آياته سبحانه نعم علينا بالذكاء
إن كنت ذكيا كن ذا إيمان بدونه قد بليت بالغباء
و تمعن في الخلق أمامك و دقق غير مباليا بالآراء
ستجد يدا الله في كل صغيرة و كبيرة و تستدل دون عناء
و تهدأ في الحياة مطمئنا و ترضى إن فكرت في الفناء
سبيلنا قرآن و منهجنا سنة ووعده حق فعش في هناء
ملحق واقع مكن في صدري فاستمع و تابعني بوفاء
للنملة شعور و لها لغة يسبح له ما في الأرض و السماء
هذا قوله و في الواقع صدفته ستعرفها أخي دون رجاء
جاورت مأوى نمل ذات قيلولة فتساءلت هل للنملة من ذكاء
و راودتني فكرة في التو طبقتها و أمسيت مجرمة و تابعت بوفاء
و أبعدت الضحية عن طريق إخوتها فشعرت إحداهن بما حل من بلاء
فغيرت منحاها و توجهت للجثة و تحسست طويلا و راحت للنداء
و في الحين عادت تتقدم الموكب أهي المكتشفة حاملة اللواء؟
أم مسعفات علمن الخبر فجئن جمعا للحمل و العزاء
و أقيمت جنازة و جرالميت و كم تدحرجت بل أدخلت بعناء
لو ساع بيت المأتم لدخلت أتدفن الضحية أم تتخذ للغذاء
فسبحان من تعالت قدرته عظيم مسخر النحل للشفاء