عِندَمَا بِمَاسَاتِ الرِّضَا يَغْسِلُ النَّدَى خُدُودَ الوَرْدِ حُبًا، وَتُغَازِلُ الغَيمَاتُ مِن عَليَائِهَا عُيُونَ مَاءِ الأرْضِ وَغُدرَانَها بِدَمْعَاتِ الغَيْثِ صَبًا، يَلُوحُ فِي الأُفُقِ وَجْهُكَ المُشْرِقُ شَمْسَ طُمأنِينَةٍ وَبَهْجَةَ مَوَاسِمِ خَيْرٍ، رَاسِمًا بِابتِسَامَتِكَ الحَبِيبَةِ قَوْسَ قُزَحٍ مُغَرِّد الألوَانِ عَلى صَفْحَةِ السَّمَاء، فَأهمِسُ بِنِدائِي يُنَاجِيكَ، وَأَمُدُّ كَفَّ رَجَائي تَسْتَعطِيكَ، وَأَنثُرُ عَلى شَاطِيءِ ثَغْرِكَ فَرَاشَاتِ تَوْقِي إلَيْكَ، تُحَلِّقُ صُعُودًا لِتُدَاعِبَ بِأجْنِحَتِهَا الهَشَّةِ رُمُوشَ عَيْنَيكَ، وَتَطْبَعُ قُبُلاتِ شَوْقِي عَلى مُقلَتَيكَ.
وَأَهِيمُ وَالدُّنيَا تُنَاغِينِي بِحُلُمِ اللِقَاءِ، وَتَفْرِشُ لِي دُرُوبَ الأَمَلِ بِنَمنَمَاتِ البُسُطِ المَغْزُولَةِ عَلى نُول جِنَّياتِ الأُمنِياتِ الدّافِئَة تَتَسَرْبَلُ لَمَساتِكَ، وَتَتَزَيَّن بِنَظَراتِكَ، وتُعَطِّر وُرُودَ جَنَائِن الانتِظَارِ بِوَهْمِ الوَفاء، فأبُثُّكَ الأّشْواقَ تَترَى، مُغَالِبَةً دَمعاتِ أسَايَ ومُسْدِلَةً سَتَائِرَ التَّغَافُلِ تُكّبِّلُ نَزَقيَ الذِي ما تَفْتَأُ تَتَبرَّمُ مِنهُ وتَستَنفِرُهُ ، وأَزعُمُ بِدَفْقِ هُيَامِي أَن أمْوَاجَ استِرضَائك المُتَنَاوِبَةَ بَيْنَ مَدّ مُغَازَلةٍ تَحمِلُني ثَمِلَةً عَلى أَجنِحَةِ الهَوى تُرَفرِفُ حَوْلَكَ نَشوَةً وَنَجْوَى، وبَيْن جَزْرِ عِتَابٍ يَحُزُّ القَلْبَ اتِّهَامًا، فَتَنِزُّ الرُّوحُ لا تَعْرِفُ للرَّدِّ كَلامًا ، وَلا تَجِدُ بِها على الصَّدِّ إقْدَامًا، سَتَحْتَوي وَهَنِي فأْملِك يَوْمًا للرأي إبْرامًا.
لَكَ مِنِّي الحُبّ الَّذِي تَصِفُ يَزْدادُ تّجَذُّرًا فِي القَلْبِ، كُلَّما اشْتَدّت هَجْمَةُ رِياحِ الكَدَرِ عَلَيْنا قَسوَةً، والوَفَاءَ الّذي تَعرِفُ يَمُدُّ الفُرُوعَ أَعْلى فِي سَمَاءِ الوَجْدِ مَهمَا نَعَقَتْ غربَانُ الفّقْدِ تَلُومُ في الصّبِّ شَقْوَة، فَاهْنَأ بِمَا تَهْدَأُ بِهِ نَفسُكَ، ويَسْتَكِينُ إِلَيهِ قَلْبُكَ، وَتَطْمَئِنُّ لَهُ رُوحُكَ؛ مَشَاعِرَ حِيكَتْ لِأَجْلِكَ بِمَغَازِلَ تَعَلَّمَت الحُبَّ عَلى يَدَيْكَ، تَنْسِجُ مَعَانِيهِ كَمَا تَرَاهَا أنت، فإِنْ قُلتَ فَمَا تَراهُ العَينُ كَذِبٌ مَا لَمْ يُوافِقْ، وإِن أومأتَ فكُلُّ الكَيانِ عَلَى مَا فِي نِيَّتِكَ يُصَادِقُ، وَإِنْ أَرَدتَ فَليسَ إِلا مَا تُريِدُ قَدَرًا وَمُرادا.
وَادِعًا يَقبَعُ القَلْبُ حَيْثُ تُريِدُ، أزْمعَ السُّكنَى لِرِضاكَ لا يَتَمَلمَلُ وَلا يَحِيدُ ، وَلا يُطَالِب يَومًا بِمَزِيدٍ، فإِن أزَّ نَدى رُوحِكَ أَنِينُ اشتِياقِهِ أَوْ وَخَزَ صَفَاءَ ضَمِيرِكَ أَزِيزُ احْتِرَاقِهِ، فَأَدِر لَهُ ظَهْرَ البَدر يُعَلِّمُهُ مُحاقُه بِالنَّوى مَا فِي السَّتْرِ انْطَوَى، وأذِقه قُرَّ الهَجْرِ يَصْحُ من غِيِّه إِذ غَوَى ، فَلا أَطْوَعَ مِن خَافِقِ مُلْتاعٍ إِكْتَوَى بِنَارِ الصَّبرِ ، وَأعْظَمُ القَهْرِ يَا حَبِيبُ فِي عَقْرِ الجَوَى نَظرَةُ الزَّجْر، فَكَيْفَ بِالعِتَابِ فِي غَزَلٍ واللومِ فِي قِيلَةِ أَمَل.