أمواج البحر تضرب بأطرافها المائية كتل الأسمنت التي تقف حاجزاًً بينها وبين الشاطئ..حيث يجلس العاشقين..بعد يوم ألهبت فيه الشمس جو المدينة بأشعتها النارية..توالت الأمواج..تطاير ماؤها رذاذاً دقيقاً رقيقاً دغدغ وجوه المحبين..الجالسين...
"كل الأحبة..اتنين..اتنين"..مطلع أغنية تذكرتها إحدى الموجات..وهي تتنهد وتغني النصف الثاني من المطلع "وانت يا قلبي حبيبك فين".
اقتربت الموجة..برفق..من شاطئ العشاق..بعد أن داعبت صفحتها الزرقاء أجنحة نورس صغير..نظرت بإعجاب إلى حبيبين اتخذا علي الشاطئ مكانا قصيا.
تلكأت أمامهما..متعمدة..لتسمع ما يهمس به كل منهما للآخر..استمعت..واستمتعت..وال حبيب يسكب في أذن حبيبته ووجدانها لواعج شوقه وآهات حنينه..تمنت أن يكون لها حبيب..تبثه أشجانها.
أرسلت الموجة نحو الحبيبين عبر الهواء رذاذها أذرعا شفيفة..لتربت برفق وحنان علي وجنتي الحبيبة..التى كستها حمرة الخجل فجعلتها تبث في الفضاء أشعة نورانية أضاءت المكان بديلا عن أشعة الشمس الغاربة.
لمست الموجة صدق العواطف وحرقة الأشواق فأخذ رذاذها يتسلل بين شعر رأس المحبين..ويستقر عند جذوره..وكأنها تريد قراءة أفكارهما..أو تلطيف نار حبهما..تنهدت..تذكرت أحلامها مع حبيب غاب عنها..هنأت المحبين بحبهما..وتمنت "ليل عرسٍ هام فيه عاشقان".
طافت الموجة بالشاطئ كله..كلما رأت حبيبين صادقيّ الحب..مخلصيّ العهد..تشابكت أصابع يديهما في رباط مقدس..دعت ربها أن يزيد ارتباطهما وثوقاً..ويتوج بنهايةٍ سعيدةٍ حبهما الوليد.
بعد رحلة حب جميلة..وهي في طريق عودتها لعرض البحر..لمحت الموجة..شخصان يتناجيان بحديث إفكٍ خلف كتلة أسمنتية نائية..بعيدة عن أعين الناس..عادت إلى الشاطئ..اتجهت نحوهما..استمعت ولكنها لم تستمتع..وفجأة امتقع لونها وتحولت زرقتها اللازوردية إلي سواد داكن وكأنها ارتدت في لحظات ثوب حداد..إكفهر الجو...هربت النوارس..اندفع المحبون بعيدا عن شاطئ البحر..ماعدا المتناجيين..وثالثهما..لم يشعروا بتلك الهزة الأرضية التى ضربت قاع البحر..ارتسمت ملامح غضب عنيف علي صفحة الموجة..تحولت أطرافها المائية إلي أنياب..اندفعت نحو الشاطئ وكأنها رؤوس الشياطين..أو أطراف إخطبوط ضخم..التف بعضها حول رقبتي المتناجيين..بينما تجلدهما مئة جلدة..أطراف أخري..وفي لحظات ابتلع قاع البحر شخصان متناجيان.