القي قبعته على رأسه وارتدى معطفه الجلدي لم ينظر حتى في المرآة التي اعتاد أن ينظر إليها قبل خروجه ولم يعبأ بتلك الزجاجات التي سقطت من على الطاولة وتحطمت ولكنه خرج مسرعا من البيت وكان أحدا يطارده .
كان الوقت متأخرا والجو شديد البرودة في تلك الليلة من أواخر شهر ديسمبر وكان الضباب يملأ المكان وظل يتساءل لماذا خرج في تلك الساعة ؟ والى أين ؟ كان يسير بسرعة اقرب ما تكون إلى العدو وأنفاسه تخرج من صدره ملتهبة تغطي على برودة الجو وكأنها أنفاس مرجل لبارجة حربية قديمة.
كانت قدماه تقوداه إلى مكان هي تعرفه أكثر منه وما هي إلا دقائق وقد استوقفه تلك البركة القديمة التي كان دائما يلهو عندها هو ورفاقه وبات يتذكر الحقول الخضراء والماء العذب والسماء الصافية ولكنه لم يجد المكان كما كان بل وجده مستنقع ضحل تكسوه الأوساخ فأضاف ذلك إلى قلبه حزنا إلى حزنه وألما الى ألمه ولكن سرعان ما نظر إلى تلك الأشعة من البخار التي تتصاعد من البركة وهي تعلو وتعلو حتى تعانق سحاب السماء ووقع نظره على تلك النبتة الخضراء الصغيرة المتبقية من الحقول الواسعة وقد كستها قطرات البرد وكأنها حبات ماس متلألئة فجثي على ركبتيه ونظر إلى السماء ودموعه تنهمر على خديه وهم أن يقول شيئا ولكن صوت المؤذن قد استبقه بأذان الفجر