لم يدر في خلده أن قدميه ستذرعان ذلك الشارع جيئة وذهابا.. بعد ثلاثة وثلاثين عاما على مغادرة المخيم..
ذلك الشارع الذي كان يصل بين بيته في مخيم الشاطئ ومدرسته .. والممتد حتى بداية شارع النصر..
تداعت ذكرياته هذه المرة.. تذكر الحلوى ذات الطعم اللذيذ التي كان يصر على أن يعود بها لبيته ويطعم جدته وأمه منها..
تذكر رفاق الطفولة والذين التقى بهم بعد غياب ثلاثين عاما.. وكيف كان يسير في شوارع مختلفة حتى يوصلهم ثم يعود هو لبيته.. تذكر وداعتهم وشقاوتهم البريئة..
وكيف أن الحب الأخوي الطفولي الذي جمعه بهم ما زالت تسيل أوديته..
ذلك اليوم الذي اصطحبهم المعلم فيه لمكتبة المدرسة وكانت القصص الجميلة المزركشة تحتل أرضية المكتبة أتاه ليخبره:
ها أنت وقد أصبحت كاتبا وشاعرا ومتخصصا في النقد ما زال الحنين يشدك إليَّ..
تلك الأشجار الضخمة التي تحتل ساحة المدرسة .. وذلك الفناء .. وكل زاوية في المدرسة وكل ركن أتته لتنعشه وتحتل فؤاده من جديد..
ذلك اليوم الذي سار فيه على الأقدام حتى حي الزيتون.. مع جماهير المدرسة ليشجعوا فريقها في الكأس النهائي لمدارس الأونروا..
وصرخات التشجيع والتهليل وفرحة الأهداف وهي تدخل الشباك ..
تعادل الآن جلوسه في أرقى استادات العالم .. لو أتيح له مغادرة غزته.. في حلم قادم بعد عقد من الزمان _ لربما _..
المدير الحاني العطوف والذي قابله بعد 17 عاما وعمل مدرسا ضمن طاقمه .. وحينها لم تعجبه السياسة الوادعة مع الطلاب والذي بات ينتهجها ذلك المدير الذي كان على أهبة التقاعد ..
المظاهرة الوطنية التي انطلقت عقب توقف اليوم الدراسي وطافت أرجاء المخيم وصولا لمنزله الجديد في حي الشيخ رضوان.. ما زالت شعاراتها ترن في أذنيه..
الطريق التي سلكها في الصف الرابع الابتدائي من حيه الجديد لمخيمه العتيق.. تطل الآن عليه.. وتعاتبه كيف تمر بي ولا تتذكر شجر الجميز التي كانت بالقرب من المقبرة ؟
المعلم الشديد والصارم والماهر والمتمكن.. وذلك اليوم الذي نجى فيه من علقة نالت أغلبية الفصل.. فقد تمكن هو والقلة النادرة من أن يقرأ الدرس بخط يده الذي نسخه في البيت بكل عناية وكأنه يرسم رسما.. وكانت سببا في أن يكونه خطه منذ ذلك اليوم وإلى الآن جميلا وممتعا..
وللثرثرة الطفولية بقية ..