أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الزبال

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الزبال

    الزبال
    ريفي على أبواب الثلاثين،لا يخلو من وسامة ودقة ملامح؛ تكسو وجهه مسكنة مفتعلة، وشذرات لحية مشاغبة غير حليقة،ووسخا يبدو عالقا بزيه الذي ينم عن وظيفته.حتى رموش عينيه كانت تنوء بذرات من تراب وغبار علق بها.
    ×××××
    أراه يجالس نسوة عجائز ؛إذ يفترشن الأرض عند أبواب الشقق؛ يتحدث إليهن بحماس، وينصتن إليه باهتمام شديد.
    كما ألقاه جالسا عند الشيخ الصالح في الطابق الأرضي، على كرسيه أمام شرفة شقته. مكانه الأثير، بعد إحالته الى التقاعد من وزارة الأوقاف.
    وعند بقال الحي ، وبائعة الفاكهة والخضروات، والحسناء صاحبة محل الدجاج، وفي دكان الحلاق؛ ذلك المتعطر المتأنق.
    .
    والغريب أنك تجده دائما وفي يده كوب من الشاي أو العصير أو شطيرة بالسكر أو قطعة من الحلوى.
    ومن كثرة ما كنت أراه في أماكن متعددة وفي أوقات متقاربة، ظننته يتناسخ؛ ليكون في جميع الأماكن في ذات الوقت.
    أراه دائما يتحدث بهمس وحماس، والناس تنصت إليه باهتمام شديد.
    أي حفاوة تلك التي يلقاها من أولئك الناس!
    ×××××
    أعاتبه كثيرا بأنه لم يمر على باب شقتي ؛ليرفع أكياسا تكدست منذ يومين؛ فيرد بغمغمة غير مفهومة؟ ونظرة تحمل شيئا من عدم الرضى.
    كان النسوة، يضحكن ويعلقن بكلام يرضي صاحبنا ذلك الزبال الوسيم.
    .×××××
    وبرغم أنني أتحفة بخمسة جنيهات كاملة كل أسبوع ؛ والجميع يدفعون ذات المبلغ كل شهر.
    فهو لا يهتم كثيرا بقمامتي ؛ التي أحرص كل الحرص على أن تكون في أكياس محكمة الإغلاق ؛ لا تبدي شيئا منها أو حتى بعض رائحة.
    ورغم معاتبتي له مرات، لم يبد اهتماما كثيرا بأكياسي ، مما يضطرني في بعض الأيام، إلى اصحابها ليلا إلى صندوق يبعد عن البيت مسافة غير قصيرة.
    ×××××
    ورغم وجوده الذي لم يتعد أشهرا قليلة، إلا أن أحوال ذلك الحي الشعبي الهادئ ،قد تبدلت كثيرا منذ مجيئه.
    ××××××××
    صحوت على صراخ وعويل، في الشارع المقابل لنافذتي التي تقع في الطابق الخامس؛ عندما أطللت برأسي في حذر، كانت زوجة بقال الحي تشتبك في معركة كلامية حادة مع بائعة الفاكهة، واختلط الصراخ بالشتائم ، بتدخل أهل الخير ، وعيب يا جماعة مش كدة؛ إذ اتهمتها زوجة البقال ،بأنها تخطط لخطف زوجها منها.وسرعان ما هدأت المعركة.
    ×××××
    ذلت ضحى ، استوقفني الرجل الصالح الذي أحيل لتوه إلى التقاعد من تفتيش المساجد بوزارة الاوقاف ، ليشكو لي جاره المقابل.
    عندما عاتبه لترك قمامته بلا أكياس مغلقة أمام باب شقته؛ فما كان من جاره ،إلا أن عنفه وسبه؛ قائلا له اسكت يا حرامي المساجد.
    “ تصور يا أستاذ أنه يشيع بين الناس في الحي؛ أنني كنت أسرق صناديق النذور بالمساجد، مش عيب برضو؟"
    ××××××
    صراخ الليل والنهار لا ينقطع، فزوج بائعة الفاكهة قد طلقها الطلقة الثالثة، فراحت تركض وهي تولول في الشارع كاشفة رأسها؛تستنجد بالجيران؛ حروح فين يا خواتي، حروح فين ؟؟؟
    ×××××××
    اختفت بائعة الدجاج.إذ وجدت المحل مغلقا لأيام عدة.معركة جديدة تشتعل في الحي الصغير،إذ هجم شباب على دكان ذلك الحلاق الأنيق المتعطر، الذي فر قبلها هاريا ، وأحرقوه.
    أشيع بأنه استدان مبلغا كبيرا من المال من الحسناء صاحبة دكان الدجاج، على وعد بينهما بالزواج؛ ولما طالبته بسداد دينه أو الوفاء بوعده، أنكر كل شيء؛ فحرضت عليه أهلها.
    ××××××
    القمامة تنتشر على مداخل البيوت، وفوق عتبات الدرج، وفي الشوارع. وتراكمت حتى سدت المنافذ والدروب، وتحللت حتى زكمت رائحتها الأنوف.
    ××××××
    سألت نفسي متعجبا، إذن، ماذا كان يحمل ذلك الزبال في تلك الأكياس الممزقة كل صباح؟؟؟!

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,212
    المواضيع : 318
    الردود : 21212
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    خسئ والله هذا الزبال..
    إن مهنة الزبال هى أبسط وأعقد وأقدم مهنة عرفها البشر
    وهى من أشرف المهن ، ولا يمكن الأستغناء عنها ـ لولاها لغرقنا في بحر من الأوساخ والقمامة
    لكن هذا الزبال كانت القذارة في طبعه ، وهو غير أمين في عمله ومهنته
    فقد استطاع في الفترة الوجيزة التي وجد فيها في ذلك الحي الشعبي الهادئ أن يقلب الأوضاع
    ويملأها بالبغضاء والشحناء بين أهل الحي بالغيبة والنميمة والدسيسة
    أما القمامة فقد تركها تتراكم وتسد المنافذ وتزكم برائحتها الأنوف.

    في كتاباتك صور من الحياة تكاد تنطق بواقعيتها ـ جاءت في سردية طيبة اللغة وأداء آسر
    في عالمك لا نقرأ حروفا جامدة ، بل نعيش في بناء متقن يتسلل بدهاء إلى هدفه.
    تحياتي وكل تقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 922
    المواضيع : 189
    الردود : 922
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    سلمت أستاذة نادية.
    قارئة متذوقة، وناقدة واعية.

    الزبال هنا يا عزيزتي، مجرد رمز. وليس هو ذلك الرجل الذي يقوم بخدمة شريفة ؛ وإلا نحونا نحو تحقير لم نقصده واستهانة ،بشرف مهنة نقدر خطورتها، لم ننويها.
    إنه هنا، رمز لكل ساع بالغيبة والنميمة. وكم من الناس من انحرف بمهنته عن مقاصدها النبيلة.
    أعجبني في تعليقك ، ذلك التنويه على أهمية تلك الوظيفة وشرف القيام بها.
    وتقدير من يتكلف عناءها.
    غير أن للأديب استغلال أي مكون من مكونات الحياة ،كرمز يحرك به أحداث روايته.
    (ولا أخفيك سرا، أن ذلك الكائن موجود بالفعل في محيط أعرفه ولي معه احتكاك مباشر.)

    سلمت بخير.
    م.نديم