أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: "مايا ومايا"

  1. #1
    الصورة الرمزية هناء بن بريك قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Feb 2016
    الدولة : عدن
    المشاركات : 12
    المواضيع : 3
    الردود : 12
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي "مايا ومايا"

    "مايا ومايا"

    قصة/هناء عبدالله بن بريك


    وسط ركام الأنقاض تستلقي على ظهرها ، تحدق عيناها الزرقاوان بجمود إلى الأعلى ، في الغرفة التي تحولت للتو إلى هيكل بناء تستند على حائط واحد وسقف متهالك، نفذ بيسر ضوء القمر صوب كل ناحية داخلها ، فيما القى بظلاله الزرقاء الباهتة على جسد مايا الصغير وكأنما منحها قبس من الحياة , في البدء أحست بيد باردة , تتشبث بقوة أصابع يدها الصفراء, وكمن أستعاد وعيه بدأت تدرك رويدا أن كارثة ما قد حلت هنا وما كان يزيدها رعبا هو المجهول صاحب اليد الهامد بقربها بلا حراك ، مثلها هي الأخرى لا تملك القدرة على الأقل لتحريك عينيها , فأينما أستقر جسدها كان ذلك إتجاه بصرها .

    تسارع الأحداث لم يمنحها الوقت لتستنتج عن طبيعة الظرف الذي تواجهه الآن , وسرعان ما انطلق في الخارج وهج ناري أحمر يشعل السماء و يعقبه بثوان ارتجاجات عنيفة , تكرر الوميض تلو الآخر , وبدأت تميز أن مع كل ومضة نار مصحوبة بارتجاج ؛ ثمة إنفجارات ضخمة تحدث في مكان ما قريب .

    كلما تصاعدت ألسنة اللهب في السماء ,كان يعينها ذلك على رؤية أجزاء من الغرفة ، وتزداد إداركا بما خلفه القصف حولها من دمار نتج عنه انهيار ثلاثة حوائط ، وتحطيم لكل الأثاث والمقتنيات، دولاب صديقتها مايا ، سريرها ، ألعابها ، أغتيل كل شيء ، ولم يبقى سوى بقايا متناثرة .

    أصيبت بالهلع، فمنذ أن دبت نفخة الحياة في جسدها، كان الموقف الأصعب في أن تبكي بلا دموع وتنتحب بلا صوت ،و لو استطاعت الصراخ ، لصرخت بصوت عال، ولكن قدرتها الوحيدة هي أن تذرف دموع إلى الداخل وصيحة مكتومة تنادي: أين صديقتي مايا ، أين مايا .. لمَ تركتني ؟



    سرى نوعا من الألم في جسدها، ذلك الذي لم تجربه سابقا حتى في المرة التي خاطت لها صديقتها مايا -ذراعها- عندما تعرض للتمزق ، والآن ودت لو تنطلق قدماها وتفر من هذا الكابوس الذي تواجهه بعيينن مفتوحتين وجسد مستسلم .

    عند بزوغ أول خيط من النهار توقفت أصوات القصف ، حل صباح كئيب خانق ، بعد ليلة دامية في الخارج وكأن الموت نال حتى من نسمات الهواء ، الطائرات تحلق بكثافة ، والأجواء تنبئ بقادم لا يسر ، لم تمضي دقائق , حتى بدت تقترب جموع أصوات ليست مألوفة ، فجأة اقتحمت الغرفة أقدام كبيرة لعدد من الجنود ، استقرت أقدام أحدهم بجانب جسدها ، بينما كان بقية رفاقه يتجولون على الأنقاض ، تدوس أحذيتهم على زجاج متكسر ، وأخرى تزيح بعض البقايا وتقلبها أملا في العثور على ماقد يكون له قيمة.

    لصوص ! أين مايا.. أريد أن أصرخ ، أنا خائفة يا صديقتي خائفة.. (تحدث نفسها)

    انحنى نحوها وجه أصهب كمسخ , يتفحصها بعينيه الخضراوين ، تبدو نظرته غريبة وكأنما يتفحص سلعة ما ، يتهجأ الأحرف المنقوشة بخط صغير على صدر ثوبها ( م. ا . ي . ا) ، على رأسه خوذة تشبه الخوذة التي كان يضعها صديقها الجندي رومي على رأسه، الأصهب يقترب أكثر بشكل مخيف يشعرها بتوقف أنفاسها ، طريف أن تتساءل إن كان لديها من الأساس أنفاس ؟

    ما أن مد يده حتى أدركت أنها لم تكن المقصودة .. سحب اليد القابضة من أصابعها , وعلى مهل شعرت بتحرر يدها، استقام الجندي وعلامات الاشمئزاز بادية على وجهه وبطرف أصبعيه يمسك بشيء ويأرجحه في الهواء ، وفي الوقت ذاته يتحدث لرفاقه بلغة غير مفهومة , ليست لغة صديقتها مايا.

    بدأت تستجمع الفكرة عن ذلك الشيء ، إنها يد ، يد فقط لاغير ، بل أشلاء يد ، صدمت حين تعرفت على صاحبها ، إنها لصديقتها مايا , يد فحسب .

    على غرة سالت قطرة دماء من أشلاء اليد، لتستقر في عينها ، قذف الأصهب بيد مايا صديقتها جانبا دون إكتراث، والتقط مايا ممسكا بخصرها بقوة، كسبية حرب، دسها بقسوة وكومها في حقيبته .

    وأثناء مغادرة الأصهب ، تسنى لمايا أن تحظى برؤية شاملة لمحتويات الغرفة ، كل شيء مبعثر وقد فارقته الحياة ، اللون الأحمر الداكن صبغ غطاء السرير،تكسر رومي إلى أجزاء وصديقتها مايا صارت كرومي ، كان ذلك أخر مشهد يودعه بصرها، ودعت وطنها الوحيد ،وبحسرة ويأس تمنت لو لم تفارق يد صديقتها.

    جلبها الجندي إلى بيته ، ومنحها كهدية إلى طفلته التي كانت بعمر صديقتها مايا ، وتتحدث بنفس لغة أبيها الأصهب ، حتى أنها تمسك بمايا بطريقة لا تختلف عن طريقته.

    وفي ذات مرة ، ما أن رأت أباها قادما إليها،حتى اندفعت نحوه راكضة ، وبحماسة مفرطة ألقت بمايا بعيدا فارتطمت بعنف على الأرض ، عقب تلك اللحظة غادرها الشعور بأي ألم ، و أغمضت الدمية مايا عينيها إلى الأبد.

    ...

    السلام عليكم
    أتمنى من الكتاب والنقاد الأفاضل هنا في ملتقى الواحة أن يتكرموا بإعطاء أرائهم حول القصة .مع خالص الشكر والتقدير.
    إياك أن تدل الناس على طريق الله ثم تضله أنت..

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    تصوير بشع لقصف عنيف ودمار رهيب وصور مؤلمة لما يخلفه القصف من تحطيم لكل شيء
    ومن وسط ركام الأنقاض تبدأ الدمية مايا في إدراك ما حدث حولها من دمار فتصاب بالهلع لما رأت
    فتبكي بلا دموع وتنتحب بلا صوت ، وفي داخلها صرخة مكتومة .. أين ذهبت وتركتني صديقتي مايا
    وقد آلمها ان تجد دولاب صديقتها ، سريرهاوألعابها كلها اغتيلت ولم يتبق منها إلا بقايا متناثرة
    يأتي الجنود ليبحثوا عن ما يمكن ان يكون له قيمة وسط هذه الأنقاض فيعثر عليها جندي فيسحب
    من يدها أشلاء يد صديقتها أو ما تبقى منها فيقذفها دون اكتراث. بينما يأخذها هى معه لتشاهد قبل
    مغادرتها الدماء تصبغ كل شيء حولها وصديقتها مايا وقد تحولت إلى أشلاء وقد فارقتها الحياة.

    وبين مايا الدمية ومايا الطفلة التي سلبت منها الحياة كانت تلك القصة بأسلوب بليغ ملئ بالشجن عميق الفكرة
    سبكت القصة بالسرد والوصف القصي والتصوير المعبر والمضمون الهادف.
    تمتلكين قلما رائعا وفكرا خصبا فأهلا بك من جديد بك وبقلمك في واحتك.
    رمضان مبارك عليكم و كل عام وأنت بخير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,457
    المواضيع : 237
    الردود : 3457
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    ألقت الحروب التي مرت بها بلداننا العربية في الآونة الأخيرة وأهمها طبعا حرب غزة
    ظلالها على الحروف فاصطبغت بالدماء والدمار والأنفجارات العظيمة ، والنار الحمراء والأنقاض
    وعندما تندلع الحرب، يصبح الأطفال الحلقة الأضعف في غمارها. تطالهم الأعمال العدائية، فيقعون في
    مرمى مخاطر لا تحصى، ويُحرمون من أجمل سنوات الطفولة.وهم أكثر من يعانون من ويلات الحروب التي آلمتهم وأوجعت قلوبهم
    وسلبتهم الأمن والأمان وحصدت من أرواحهم البريئة بدون حساب.

    قصة مؤلمة جميلة الفكرة رائعة السرد وهادفة .. وقد أبدعت.
    بوركت ـــ وسلمت يداك.