أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الوردية

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الوردية

    الوردية.
    ق.ق
    أعلام المجد ترفرف فوق أسوار المصنع الجديد. منازل جديدة ؛ برائحة المونة المميزة، أسكن فيها موظفون وعمال. الوجوه مشرقة بالدهشة والأمل.
    ×××××
    الحدائق مفتوحة للعيال ؛للهو والركض واقتفاء أثر الفراشات الجميلة الملونة.شاشات التلفاز، وصفحات الصحف منشورة أمام الجميع في أكشاك مصلحة الإعلام الوطنية!
    ××××××
    أدمن والدي قراءة الصحف اليومية؛ المشرقة بوجه الزعيم. وأدمنت أنا اقتفاء أثر الفراشات الجميلة الملونة.
    وكانت أمي تغني يصوت ريفي جميل؛ وهي تعد وجبة العشاء لأبي ؛ ليتقوت بها في وردية حراسته الليلية.
    ××××
    الجميع يعرف كل شيء .. لا شيء يخفى على أحد.والجميع يملك الأمل ، وهو عندهم كل شيء.وأنا اقتفي أثر الفراشات الملونة الجميلة.
    ××××××
    كنت مولعا بالفراشات؛ اتتبع تنقلهن بين الأزهار. أحفظها في كتبي بين صفحات كتاب تاريخ زكي الرائحة.
    ××××××
    هل كان يحلم أحد منهم بأن تكون له وظيفة مستقرة ، تجلب له راتبا شهريا مضمونا ،رغم عدم كفايته؟ هل كان بمقدورهم تخيل ما حدث . وهم ينتظرون قرونا على أرصفة العمالة اليومية وعمال التراحيل في مهامهم الزراعية الشاقة، والخدمة في بيوت الأكابر ؟؟ودروب يدوخون فيها (السبع دوخات) كباعة جائلين لبضائعهم التافهة؟
    ينتظرون .. وينتظرون .. هل هو الوعد قد تحقق؟ أم نبؤة موحد القطرين قد جمعت قلوبهم؟
    إذ كان رجال الدولة، يصيدونهم صيدا، ويشحنوههم الى المصانع الجديدة قسرا . والغريب أن كثيرا منهم، كان يهرب فرارا من العمل بالوردية.
    ×××××.
    وصوت الزعيم يسكر السامعين بجنات المستقبل الموعود.
    لا خوف إذن ... لا خوف!!
    الفراشات ،أمام ناظري، تغريني بالسباق.
    وأبي يغني مواويله بصوت جميل، وأمي ، سعيدة،تعد له طعام عشاءه ليتقوت به في نوبة حراسته الليلية.
    ××××××
    الوردية تتلو الوردية، في وجبات ثلاث. العمال ينهمرون كالسيل قي كل مرة،على وجوههم ابتسامات أمل مشتعل ،وفي قلوبهم همة تهد جبال اليأس والعوز؛ يشمرون ؛ليملأوا العنابر بأنغام الماكينات.كانت الحدائق حول المصنع الجديد تغص بالفراشات الجميلة.
    ×××××
    نعم الراتب ضئيل ... لا ضير ولكن لا خوف من مستقبل ؛ فالمعاش التقاعدي مضمون.كما أنها روح جبارة كانت في عروق أيادي تلك الفئة المكافحة ، تعرف كيف تزيد الإنتاح ، وفي البيت نساء من عمق التاريخ،يعرفن كيف يدبرن الأمر.
    ×××××××.
    كل صباح صيفي رائق؛ ننطلق سويا للعب وتتبع الفراشات.. أنا وابنة الجيران ؛ذات الضفائر والأشرطة الملونة. كانت عيونها سهولا من البهجة الخضراء.. وضحكتها تفتح أبوابا من العبير الذي لا يزوي.
    ×××××××
    حنحارب ...
    حنحارب ...
    الأعداء أرانب ...
    "لن نسمح لذوي القبعات؛ القادمين من وراء البحر الكبير؛ أن يشتروا إرادتنا. لن نسمح."
    ×××××××
    طفوا النور ...!
    طفوا النور ...!
    غارة..!
    غارة ...!
    ××××××
    كان عشاءا حزينا، تحت مصابيح دهنوها بالأزرق.
    ضحكنا هازئين حين همس أبي في قلق: سيكون الخبز بالطوابير!
    ×××××××
    اشتد قلقي على فراشاتي الجميلة الملونة.وسكنتني كوابيس الليل.
    ×××××××
    كيف لصبي يعمل أبوه حارسا ليليا أن يختلط بأولاد كبارالموظفين؟؟؟ سيعلمهم سوء الأخلاق!!
    ×××××
    غابت رفيقتي ذات الصفائر خلف أبواب شباكها الليلي.
    ×××××××
    يهتف الزعيم بعصبية على شاشات التلفاز الحكومي الوحيد:
    سنقاتل التفرقة والاستغلال والاحتكار،ونقيم العدل والمساوة.
    ×××××××
    ذات صباح ، تحققت مخاوفي ؛ لم أر فراشة واحدة في الأفق ، بل شاهدت بأم عيني رايات المجد خامدة فوق الأسوار، كأعواد الذرة الخاوية. .. لا نسيم يهفو في المدى، ولا غصن طري يتحرك. ربما كان التلفاز يذيع موسيقا جنائزية ، لست متأكدا. لكن ما تيقنت منه أن أبي كان يبكي بحرقة على صدر أمي، بعد وصوله من آخر وردية حراسة ليلية؛ لأكبر مصنع ؛تقرر بيعه للتجار ذوي القبعات ؛ القادمين من وراء البحر الكبير.
    ×××××××
    ما زلت أحتفظ بفراشات ميتة؛ بين دفتي كتاب مهلهل لتاريخ قديم ... جديد.

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,142
    المواضيع : 318
    الردود : 21142
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    كتاب مهلهل لتاريخ قديم ... جديد.

    فهل كانت القصة تحكي تاريخا قديما بذكريات امتلأت بالأمل والتفاؤل في حياة كريمة
    فأشعلت في القلوب همة تهد جبال اليأس والعوز..
    ثم ذكريات لحرب خلفت نكسة وحرقة وحزن في القلوب
    أو هو إسقاط من التاريخ القديم على الجديد؟؟؟
    جميل ما صورت هنا وما منحت قلوبنا من مساحات إنسانية للتامل والإعتبار
    في نص مميز بصياغته ومراميه.
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أحييك أ. نادية لتواجدك، وتفاعلك، ونقدك البارع.أسرتني بذلك الاهتمام.
    سلمت سيدتي ودمت هنا وبخير.