أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: صندوق السمكات الصغيرات/ قصة قصيرة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي صندوق السمكات الصغيرات/ قصة قصيرة

    صندوق السمكات الصغيرات!!

    السمكات شديدة الحركة في عمق الصندوق. سمكات نشيطة، طازجة ،ما زال بها عبق البحر؛ وما زالت تحمل من أعماقه ذكرياته ،وتاريخه وأحداثه ،وعنفوان حركته. تتقافز بقوة نحو الأعلى ، لا تريد الاستسلام لقاع الصندوق؛ لا تريد أن تخمد في القاع.لكن عندي معلومة علمية بأن الحيتان تعشق الأعماق.
    ××××××
    كانت فتاة مفعمة بفورة الشباب وحيويته، وجمال رومانسي غض، تتفجر بثروة أنثوية طاغية. هيمنت صورتها على ذهنه، كما هيمنت على السوق الكبير؛واستلبت منه تعقله وتظاهره الكذوب بالحكمته ؛ فاشتهاها في خياله. وتلاعبت به بتمنعها ؛ كما يتلاعب السوق ويتقلب بتجاره ورواده وبضائعه.
    ××××××
    السمكات ؛ متلألئة بألوانها بين الأحمر، والفضي، والرمادي، والأبيض، والأسود؛ تجتهد في حركتها النشيطة ؛ تتقافز لأعلى ، تتقلب في توتر لا يهدأ ؛وحركة لا تستكين.
    ماذا تريدين أيتها السمكات؟؟ فالعودة لبحركن اللجي ضرب من المستحيل الآن.
    لكن أين أنت من الحيتان الطاغية القوة. لم نشهد يوما ما حوتا ، يتلاطم في قاع صندوق!!
    ×××××××
    حين يلقى إليها بالسلام في زحمة ذلك السوق،كانت تبادله التحية عن بعد؛ بابتسامتها المضيئة بالحسن. ولحظة التقاء عينيه بعينيها الصافيتين كبحر هاديء يخفي تحته عنفوان الموج ، كان صخب المكان يستحيل إلى أنغام مفرحة ؛ وكانت رأسه تدور مخمورة بعشقها المشتعل.
    يوما بعد يوم ، ازداد جنونا بها؛خاصة ،بعد أن صدته؛ كيف لها أن ترتبط بشاب ما زال على مقاعد الدراسة ، وما زال يمد يده لأهله كي يطعموه.
    - كيف تطالبني بأن انتظر حتى تخرجك بعد عامنا هذا؟! ؛ وكم من الوقت تريد كي تستقر في عمل ؛وتهيء نفسك.
    - انك إذن، تحبسني في صندوق.
    ××××××
    كانت تنادي بصوت رائع : تمدح سمكاتها الطازجات." السمك الطازة ، وطالب الأكال."
    ××××××
    السمكات هنا في سوقنا الشهير ، طازحة حاسمة النضج ، جاهزة لوجبات فورية. ولو تأخر عنها الطاهي، لتلفت وأصابها العطن.
    أما الحيتان فلها كل الحرية؛ حرية تمتد إلى أعماق أبعد المحيطات.
    ×××××
    ما زال يذكر كلماتها السريعة المتتابعة الحاسمة ، في لقائهما الأول بناء على طلبه. في حديقة بعيدة على أطراف المدينة.
    كانت مرتبكة؛ غير أنها حاسمة وجريئة ؛واثقة وواضحة.رغم أنه قد أيقن بذلك الحزن الدفين ؛ الذي يشع من عينيها دفئا عجيبا.فهل كانت تردد كلمات سبق وأن حفظتها عن ظهر قلب؟ شعر بذلك واهما ربما؛ وكأنها تتكلم كآلة بلا إرادة.
    " أهلي لن يقبلوا ، وأنا يا بن الحلال لا يمكنني الخروج على دائرتهم، وحدودهم التي ترسم لي خطوط حركتي.فهم معلمو السوق وحيتانه وأرباب تجارة الأسماك في مدينتنا ؛ هل بمقدورك أن تتحداهم؛ كم أنا مشفقة عليك. ولا أنا أيضا يمكنني أن أتحداهم. فلا سند لي سوى الله ثم ثروتي من أبي ؛الذي رحل في (عركة شعبية طاحنة) بالسوق؛ إذ ناولته يد الغدر طعنة في الصميم ؛ فسقط وسط زحام وصراخ ؛والقاتل مجهول.
    ××××××
    السمكات الجميلات في قاع الصندوق .. تتقافز .. تتحرك .. في نشاطها المعهود. وإذا حدث وانفكت واحدة من قاع الصندوق إلى الأرض؛ سرعان ما تقبضها يد التاجر ؛ليعيدها الى أحضان رفيقاتها، أو تطحنها أقدام المتسوقين، في وحل السوق الكبير.
    ×××××
    الحيتان وحدها من تملك حريتها؛ حنى حرية قرارها بأن تموت هناك بعيدا على رمال محيطات نائية.
    ××××××
    ورغم صدودها، فقد تعددت لقاءاتهما.
    ربما كانا يبوحان بهمومهما لبعضهما البعض؛ وربما آنسا شيئا من سكينة تهدهد شيئا من معاناتهما، وتخفف بعضا من مخاوفهما.
    "أعمامي يديرون أموال أبي ؛ وأنا معهم.أعرف أنهم يضيقون ذرعا بمراقبتي لحركة تجارتي، وسير أموالي؛ فأنا وريثة أبي الوحيدة؛ بعد رحيل أمي مرضا وحسرة على أبي الذي كان ( معلم السوق وسيد المعلمين).
    وأي اقتراب رجل مني ؛ فامر في غاية الخطورة، بل ودونه الذبح.
    حتى الحب محرم علي. والتفكير فيه هو الرعب بعينه. كثير من شباب السوق لملموا رغباتهم المشروعة والتزموا السكوت.
    ×××××××
    كيف للمحار الحبيس أن يخرج للنور؛ لينشر لآلئه في صدور الحسناوات؟
    ×××××××
    هل يسكت وينسحب إلى قاع الواقع، ويكف عن الحركة النشطة المتوترة، المزدهرة بكل ألوان الرغبة والحياة فوق سطح اليم ؟
    أم يقتحم الموج ، وينفك من شراك التردد، وشباك الغباء والعجز ؛ ليخوض صراعا ضد كل ما هو غير شريف وغير حقيقي وغير عادل؟؟
    ×××××××
    السمكات يقل عددهن . مع دورة السوق في نهاية اليوم الطويل.
    يخبو نشاطهن تدريجيا في نهاية وقت البيع والشراء والمزادات؛ لتستقر في النهاية في يد مشتر يفترسه الجوع، أو صاحب مطعم يعيد تدويرهن ليتاجر بهن مع راغبي الوجبات اللذيذة الفاخرة وفقا لذائقة كل منهم!!
    لكن هل يمكن طبخ الحيتان؟ لم أجرب كيف يكون طعم لحومها!!
    ××××××××
    احتدمت ( المعركة الشعبية) ؛عيونها تضيء المدى ، وابتسامتها تزين الأرض وتحيلها الى جنات وغناء.
    ××××××
    انفض زحام المعركة الشعبية الطاحنة.
    كان نسوة السوق يمصمصن شفاههن شفقة على شاب ؛سقط صريعا، بطعنة من قاتل مجهول.
    م.نديم

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    أحبها بجمالها الرومانسي وأنوثتها الطاغية فاشتهاها في خياله
    بائعة السمكات الصغيرات الطازجات ـ ولكنها كانت كسمكاتها حبيسة الصندوق
    فأعمامها معلموا السوق وحيتانه وأرباب تجارة الأسماك لن يسمحوا لأحد أن يقترب
    منها فهى الوريثة الوحيدة لثروة أبيها الذي ناولته يد الغدر طعنة في الصميم
    ليسقط صريعا ، والقاتل محهول.
    وقد نبهته أن حتى الحب محرم عليها، والتفكير فيه هو الرعب بعينه
    ولكنه أصر أن يخوض صراعا ضد كل ما هو غير شريف وغير عادل..
    ولكن للأسف .. نهاية المعركة كان سقوطه صريعا بطعنة من قاتل مجهول.

    أبدعت ببراعة في نقل الحدث بتصاعد درامي مؤثر وبأسلوب مختلف والسرد كان مميزا
    وقد رسمت الصورة بمقدرة فنية بارعة تصويرا وبناء
    قاص مبدع متمكن من حرفك ـ مالك لأدواتك القصية، بارع في سردك.
    بوركت واليراع.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    لك الف تحية أستاذة نادية؛لمرورك العاطر بالود والتذوق الراقي،ولنقدكم البارع في سبر أغوار تلك الحكاية البسيطة ،المتكررة في واقعنا المرير.
    أشكرك أستاذة نادية.
    تحياتي وودي.