البيت
تنازعوا على ميراث أبيهم الراحل .جاءوا عند سماع النعي ، وقد غابوا عقودا عن السؤال عن أمهم،
أو تفقد أحوالها. ناهيك عن رعايتها.
أمهم الراحلة لتوها، ما كفت عن السؤال عنهم ، وإبداء تعجبها من غيابهم عنها ، حتى أنها كانت تلهج بذكر أسمائهم وهي في سكرات رحيلها.
وجميعهم يتهربون حتى من السؤال هاتفيا. ويعتذرون دائما بأن شغلتهم أموالهم وأولادهم عنها.بعد أن حاولوا فيما مضى جاهدين ،أن يبيعوا البيت. ولكن أخاهم الأكبر وقف في وجوههم؛ إذن لو فعلتموها ،فأين تذهب أمكم؟
وهي التي ما وجدت بيتا منكم ،يستقبلها ،بأدني درجة من ترحاب يستحقه ضيف عابر.
$$$$
جلسوا صامتين كتماثيل لا روح فيها ولا حركة.
صرح كبيرهم الذي لفظت أمه أنفاسها على صدره:
دعوا البيت ، لا تبيعوه، دعوه لنلتقي فيه .
ألهذا جمعتنا؟
: نعم لنجمع أولادنا وأحفادنا، كل حين، نأكل سويا ، نلعب سويا، نفرح سويا، نحزن سويا ، نغني سويا، ونضحك سويا، ونبكي إذا لزم سويا، نريح أجسادنا من غبار سفر في دروب الدنيا ،ننام قليلا وندعو لأبوينا. ونرعى أصيص الورد في شرفته المطلة على مطلع الشمس.
التزموا الصمت جميعا ، وعيونهم تقدح غيظا.
: تعالوا نلتئم فيه ، نستقوي بجمع شملنا ، لنواجه جارنا القبيح.سيخاف صوتنا ، وسيرعبه هدير أغانينا.ونجبره إما على احترامنا والعيش جانبنا بسلام، أو ندفعه إلى الرحيل من الحي كله.
التزموا الصمت، وعيونهم تقدح شررا.
تعالوا نصلي في أركانه، صلاة الخوف ، ليزيل الله خوفنا، وصلاة الشكر لتمتد إلينا النعم. أقبل أياديكم، لا تبيعوه.
انتفضوا في وجهه رافضين ، مزمجرين.
لا حاجة لنا بحرب مع جار لا يهمنا ولا نهمه.كما أن البيت متهالك وآيل للسقوط.
: فلنسهم جميعا في ترميمه.
: لا طاقة لنا بتكاليفه.نحن أولى بثمنه.
أم تريد أن تحتله وحدك أنت وبنوك؟ وتأخذه ثمنا لرعاية أمك ؟!
لا تخدعنا .لقد انكشفت لعبتك. نعلم الآن لماذا رافقتها إذن.
لم يمنعكم أحد من وصل أمكم أو رعايتها أنتم الذين ابتعدتم بمحض اختياركم!
لا وقت لدينا .. لا وقت لدينا ..وما لنا بزيارة بيت قديم. لدينا ما هو أهم. فمشروعاتنا نحتاح إلى المزيد من المال، وبطوننا أيضا.
: لن يشبع ثمنه نهم بطونكم.دعوه واحة نعود إليها لنستريح من عناء سفر.
كما ستأتون لأراكم، فبيوتكم بعيدة ، متناثرة، وضيقة بما فيه الكفاية، كي لا تستقبل ضيفا ، أو تؤي فردا من رحم.
دعوه أرجوكم ، ولا تذهبوا.
دعوه ، فهو رباط يجمعنا.
تعالوا لندعو فيه لأرواح آبائنا وأجدادنا.
تكاثروا عليه، وكادوا أن يقتلوه ، وجاءهم من يشتري.
هو ذاته جارهم القميء ،ذلك الذي طالما صبر الأبوان عقودا على بوائقه وشروره، كان هو المشتري ،وبثمن بخس!
لا عجب ،فقد زهد الناس في بيت ، يجاوره شرير ، لا ضمير له.
$$$$
راح كل منهم مزهوا ، فرحا ، بنصيبه بين كفيه؛ يتساقط منه من بين أصابعه ،أكثر مما يمسك.
وفي عيونهم ، برزت نياتهم كرؤوس أفاع ؛ لقد عزموا إذن على ألا يلتقوا أبدا.
$$$$
متوكئا على حفيد له , كان يتلمس خطاه ؛ سارا معا نحو مطلع الشمس ، كانت عيناه دامعتين بحزن كبير، ضاما على صدره أصيص ورود تبدو كسيرة مصفرة، غير برعم وحيد بدا منتعشا متفتحا.