إذا كنتُ قد فهمتُ تماماً ما يرمي إليه
أخي \ خليل .. فإنه يجدر بي أن أقول : بكل وضوح وشفافية وصراحة ..

هنالك فارق لغوي وعملي كبير ..
بين مفهومي البناء وإعادة البناء، وهذا الفارق لا يُخطئه القارئ المبتدئ، فما بالك بالمفكر واللبيب .!

وأنا - حتى هذه اللحظة - لا أعلم ولا أؤمن بوجود أرضيّة أو خلفية عربية إسلامية - لشيء اسمه إعادة بناء الأمة - لمعالجة أوضاع العرب والمسلمين .!

فهل المقصود بالأمة التي نبكي على أطلالها .. هي حقبة الفتنة الكبرى، ودولة الأمويين .. التي أورثتنا فلسفة تكميم الأفواه، وثقافة تهميش الرعيّة، وفكر توريث الحكم لأبناء العائلة الواحدة علناً وعنوة .. على حساب مبدأ الشورى القرآني ... فأين الأمة هنا .!

أم أن الأمة هي تلك التي كانت إبّان حكم العباسيين، الذين أورثونا ثقافة طمس معالم العهد السابق - لهم،
وثقافة الثقة في الأجانب، وائتمانهم على أسرار الدولة - على حساب أبناء الوطن وإخوة الدم،
وأورثونا الفكر القائل بأن الأنتماء
العرقي للإنسان هو جريمة عليه أن يدفع ثمنها .. فأبادوا بذلك أتباع الأمويين وأقاربهم عن بكرة أبيهم .. ولم تشفع لهم عروبتهم ولا إسلامهم ... فأين الأمة هنا .!

أم أن الأمة هي تلك التي كانت إبّان الحكم العثماني، تلك الحقبة التي روى لنا الآباء والأجداد سياساتها وأحداثها المريرة التي عاصروها ..
حيث كان العرق التركي سيداً .. لأنه تركي، والعرق العربي خاضعاً تابعاً .. لأنه عربي .. ولم يكن الإسلام والفكر - ضمن المعايير المعمول بها .. فأين الأمة هنا .!

إن ما أراه، وما أفهمه، وما علمته من التاريخ، هو أننا لم نصل في يومٍ من الأيام إلى مرحلة بناء الإنسان الفرد .. الذي هو الأساس لبناء المجتمع .. ولا أقول بناء الدولة أو الأمة.

وعلى الذين يستشهدون بمرحلة وجود الرسول بيننا، ألا يتجاهلوا حقيقة أن تلك مرحلة خاصة بكل المقاييس والمعايير ..
فكياننا ونهضتنا إبّان تلك المرحلة، كانت بفضل وجود الرسول بيننا، وتواصله المباشر مع السماء .. وليس لأننا عربٌ ومسلمون .

أما بعد تلك المرحلة مباشرة- حيث رُفعت عنا الخصوصية، وأصبحنا عرباً ومسلمين - بشراً كبقية البشر-، فقد بدأنا في الهبوط الحاد الذي يدل على خلل في ثقافتنا القبلية الداعية للسيطرة والفرقة، وطفت اختلافاتنا الفكرية وقصورنا الفكري، والتاريخ يشهد بذلك ..

فإذا كُنا نسعى لإعادة بناء الأمة في عهدها - أيام الرسول .. فذلك يتطلب وجود الرسول .!!!

وأما بعد الرسول، فليس لدينا ما يستحق أن نفخر به، أو نحاول إعادة بنائه ..

فعن أي أمة تتحدثون ؟

إن الشعوب والأعراق التي نهضت من حولنا لم تدّعي بأنها أمة واحدة، ولم يحل ذلك دون نهضتها ..
إنها أُممٌ نهضت لأنها اعتمدت على حقيقة واقعية ميدانية .. أساسها الإنسان الفرد وانتمائه للوطن والمجتمع الذي يكفل له كرامته .. ولم تعتمد على شعار أجوف !


دام حوارنا الهادف بإذن الله ..