الأخ المحترم\معروف محمد آل جلول ..
أشكر لك الاهتمام والمتابعة، وأُحيي فيك دماثة الأخلاق، ورُقِي الأسلوب، وجمال الطرح..، وأرجو أن نكون جميعاً عند حسن الظن دائماً .. وأقول :
أولاً، سأتوقف قليلاً عند مفهوم كلمة "مُعتقد أو عقيدة".. كيف نفهمه !
أقول: إن الثقافة هي التي تنتج الاعتقاد، وليس العكس !
فاعتقاد الإنسان بأي أمر، هو رأيه وفهمه وقناعته بذلك الأمر !
فإذا كان الظن هو عدم الجزم، فإن الاعتقاد هو الجزم .. بغض النظر عن طبيعة الموضوع !
ولعلنا جميعاً نلاحظ أن استعمالنا للفعل "أعتقد"، يأتي دائماً على لسان المتحدث ليدل على قناعته بأمر ما، من حيث صواب ذلك الأمر من خطئه ! وهو ما قد يختلف فيه أتباع الدين الواحد!
وكمثال على ذلك، اختلاف آراء وفتاوى الفقهاء !
فعندما يختلف أكثر من فقيه أو عالم، حول رأي الدين في مسألة واحدة .. فيتشدد هذا الفقيه في تلك المسالة- بما قد يصل به إلى التحريم أو التكفير، ويتساهل فيها الآخر .. فهذا اختلاف في الاعتقاد، ناجم عن اختلاف في الثقافات !
ولذلك ظهرت المذاهب والطوائف المتعددة بين المسلمين .. منذ فجر الإسلام.!
ومن أمثلة ذلك، اتهامهم للخليفة ( عثمان بن عفان)، بأن ثقافته القبلية والعشائرية، قد غلبت على معتقده الديني.. فاتهموه بأنه كان يُحابي أقرباءه - من أفراد عشيرته، ويوليهم المناصب العليا في الدولة، على حساب حقوق المسلمين الآخرين .. وبذلك قُتل في منزله - وهو خليفة المسملين .. وقامت إثر ذلك الفتنة الكبرى !
ثانياً.. أثر الثقافة على الدين ..
نحن كُنا قبل الإسلام عرباً، لنا ثقافتنا الخاصة، التي يغلب عليها حب الشعر مدحاً وهجاءً وغزلاً، والتفاخر بالأنساب والكرم والشجاعة، وتمجيد الثأر والغزو والبطولات والسيف .. هكذا كان يعرفنا العالم حينها!
وكان ذلك مُستمداً من صعوبة الحياة في البيئة الصحراوية، ومن استحقاقات واقع الحياة القبلية .. ولم يكن المعتقد الديني هو مصدر هذه الثقافة أو أساسها !
ثم صُرنا - بعد الإسلام -عرباً مسلمين .! .. أي تغيّرت معتقداتنا، وكان من الواجب والمنطقي والأصلح لنا، أن تتغير وتتهذب ثقافتنا تبعاً لمعتقدنا الجديد!
حيث إن معنى "مسلم" هو التسليم الكامل لله.. بمعنى أن ما كُنا نعتقده صواباً، ثم قرر الإسلام أنه خطأ، يجب على المسلم تركه .. ولكن هل حصل ذلك بصورة صحيحة وكاملة .. أم لا .. هذا هو السؤال !
الإجابة.. ما نحلم به، وما ينبغي أن يكون - شيء، .. والحقيقة والواقع شيء آخـر.!
مثال على تصادم الثقافة مع الدين .. يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام .. دمه ماله وعرضه .
فماذا فعلت ثقافة العنف والبطولات، لتجاوز هذه الحواجز الدينية ؟ لقد استحدثت الثقافة العربية " فكر التكفير"، ومحاسبة الناس على نواياهم - التي لا يعلمها إلا الله، من أجل استحلال دمائهم!
ومازال التعصب الأعمى للعادات الاجتماعية، وللقبيلة والعشيرة والطائفة.. مثلاً، هو سيد الموقف في المجتمعات المسلمة؛ ومازالت الثقافة العربية - التي يغلب عليها تقديم الشجاعة وإظهار البطولة، على حساب الحكمة -هي التي تحكم العقل العربي حتى بعد إسلامه .. إلا من رحم ربي !
أعتذر عن الإطالة، وأشكر لك اهتمامك .. والله ولي التوفيق ..