عَشِقْتُ فيكِ البُعد .
ـــــــــ
البعد أسمى من نجم ،،، وأدنى من قلب ،،، و هي أقرّ من روح ، وهي أثبت من نفس ،،، فِيّ أنا ،،، أنا وحسب ، أنا وهي أبثُّها وتبثّني ،،، نفسي بحشو بدنها الأَلِق ، ونفسها بجوفي الحرِض المستعر .
إن أصابني الوَمَا[1] رشفتُ من رضابها شيئا من عسل فأروى منه ولا أظمأ .
وإن وعكني ألم شممتُ ريحها فأبرأ ولا أسقم .
وإن صدّعَنِي البعد أطلت النظر بعينيها ، لعل المُقَل ترسل قبلة تلُمّ صدعي ولا أثْلم .
وإن غلبني الهم وعزّ النوم ، أوحيت لها سَحَرا فتجيئني كما يجيء المطر الأرض الموات فتحيا ،،، وبها هي أحيا .
فأرجوها ،،، فتأبى !!! ثم أرجوها ،،، فتأبى .
فامسك يدها ولا أظنها كيدٍ ، فأقبلها قبلة ما سُبقت بمثلها في الأرضين السبع ، وأرمقها نظرة ذي حاجة مسّتْهُ الآن ،،، فتَرِق .
فتقول برحمة وشفتها ترعد رعدة مُشْفِق : ماذا تريد ؟
أقول : أريد أن أنام يا ،،، يا حبيبتي .
فتحنو ،،، كأنها رئم الآرام ، أو كأنها الظبية راعها ألم خِشْفها[2] الصغير ،،، فتمدّ ذراعيها وتسحبني لتدنيني من نحرها وصدرها ، وتضمني ضمة رؤومٍ ما شعرت بها من قبل ، ثم تُرَبِّتْ[3] على كتفيّ بيسارها ، وتمسح شعري ورأسي بيمينها ،،، ثم تُهَاهِي[4] وتغني بصوت شجي كأنها الفيروز .
وما أن استوى ذلك وأحسَنَتِ النغم حتى أرهفتُ سمعي فسمعت بلعها ريقها ثم دقّ قلبها فآنسني ، فأمنتُ ، فنمت غارقا في لُجّة الأحلام .
وما أن شاب رأس الليل حتى أيقظتني .
فقالت : أكتفيت ؟
قلت : ممّ ؟
قالت : من نومك .
قلت : أما نومي بلى ، وأما منكِ فلا .
قالت : وماذا تريد أيضا ؟
قلت : أريد حبكِ وعشقكِ ،،، أريد أن تقولي أحبكَ ،،، لا لا أقصد يا حبيبي ، فأنا يا حبيبتي فيما يتعلق بالعواطف أحب ياء الملكية ولا أحبذ كاف المخاطب ، فياء حبيبي ألصق للنفس وأصدق معنى وأقوى نشوة ،،، فقوليها ؟
ضحكت وقالت : أنت مجنون .
قلت : بكِ ،،، وأنعم به من جنون ،،، فقوليها ،،، سألتكِ بالذي هيّأ الأرحام لتصهر بالأصلاب ،،، والذي أودعكِ ظلمات ثلاث ،،، والذي أخرجكِ طفلا ،،، إلا أن تبوحي .
يا هي ،،، سألتكِ بالذي أبدع فيكِ القَدّ ،،، وزاد فيكِ بسطة ومدّ ،،، والذي أسبغ عليكِ المحاسن فلم نُحصِ لهنّ فيكِ عدّا ،،، إلا أن تقولي .
ويا هي ،،، سألتكِ بالذي أورثني حبكِ حبا غراما ،،، وزادني فعشقتكِ عشقا هُياما ،،، واستشرى تِيْها ثم تَيْما[5] وأجرم التيم بحقي إجراما ،،، إلا قلتِها .
قالت : صبرا ،،، فلم يبق لك مني غير دُنُوّ الموعد ، وسأقولها في حينها .
قلت : آهٍ منكِ ،،، ألا تَرَيْكِ فِيّ أقمتِ ،،، فأعْضَلْتِ ،،، وطويتِ فيّ رجلا كان حيا .
ألا تريكِ مددّتِ مدّكِ في نفسي ،،، وصرتِ كالعجائب يتهيأ بعضها من بعض .
ألا تريكِ كالقمر تظهرين بظهوره ، وتُمْحَقِين محاقه[6] .
يا حبيبتي وحبيبة عصبي ودمي ،،، وأيّم الله لقد ترادف حب ، وتوالى عشق ، وتواتر هُيام ،،، وإني والله لأخشى سطوة التيم
فالبعد ،،، البعد ،،، ولقد عشقتُ فيكِ البعد
ــــ إنتهى ــــــــ
حسين الطلاع
3/فبراير/2009 م .
المملكة العربية السعودية – الجبيل .
[1] : الوما هو العطش الشديد القاتل .
[2] : الخشف هو ولد الظبية .
[3] : التربيت هو الضرب الرحيم الخفيف على الوليد لينام أثناء الهز
[4] : المهاهاة كالمناغاة وهو غناء الأم لوليدها كي ينام .
[5] : التيم : الحب المفضي إلى الموت
[6] : المحاق هو الإختفاء .