أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: القضاء والقدر

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي القضاء والقدر

    القضاء والقدر
    ــــــــــــــــــ
    دعوة للتفكر لتحديد المسئوليات ، وعدم العبث بنواميس الكون ،،، والنظر بجدية وعقلانية من خلال الحق والرأي والحكمة .
    ــــــــــــــــــ
    زارني زميل لي ، رفيق عمل لأعوام نافت على العشرة ، ثم صار صاحبا ومحطّ أسراري ، أستودعه ما خفّ وما ثقل ، واسمه : محمد . ف . ن . م . ،،، وكنيته : أبو فيصل .
    وقد كانت زيارته على حين غفلة ، حيث كنت وحيدا أقلّب أوراق وتصاوير ولدي مصعب يرحمه الله ،،، بحالة لا أظن أحدا يحسدني عليها ، ثم دار بيننا نقاش طويل ، طويل جدا ، وكان من الأهمية بحيث أعدت سبكه بأسلوبي على النحو التالي :
    ــــــــــــــــ
    قال : أتذرف الدمع أيها الحبيب ؟
    قلت : نعم ، أذرفه كالسيل على الخد ، وأجود به كالسماء ، حتى إذا ارتوت منه العِيْس بقي منه ما ينبت عشب الأرض ،،، على ولدٍ أُخِذَ مني قسرا ، وأُزْهِقَت روحه قهرا ، في يومٍ أرْوَنَانِي[1] تحرّقت سمائه ، وفي هاجرة تغلي مراجلها .
    قال : ولم كل هذا يرحمك الله ؟
    قلت : لأن الشقيّ سفك دم ولدي طاهرا زكيا ،،، آه يا صاحبي ممن يقال له ......... ، لا كان أحمدهم بل أذمّهم ، كيف ألحّ وألحف ، وكيف كالشيطان أزّ ولدي أزّا ، حتى أرسله إلى شَعُوْب[2]، ثم جاء مرموقا بالرحمة والكل يحضنه ويحمد الله على نجاته وسلامته ! ثم فاضت عيناه !!! هِهْ ، والله لقد ذكرت إخوة يوسف عندما جاؤوا أباهم عشاء يبكون ! فما أغنى ذلك عن شيء البتة .
    ثم ،،، ثم القهر يا صاحبي ، كيف حالوا دوني ودون سؤاله عن كيفية حدوث الحادث ! وكيف منعوه حتى صار أمنع من أمّ قِرْفة[3] .
    ومن عجب أبا فيصل : قيل لي ( نحن تنازلنا ) !!! أتعي هذه الجملة يا صاحبي ، هم تنازلوا !! تنازلوا عن ماذا ؟ هل مصعب خروف ؟ ولمن هذا الخروف ؟ وأين أنا ؟ ومن الذي يتنازل أنا أم هم ؟؟؟ ،،، ثم غيّبوا ذلك القذر كما غيَّبَت السُّنُّورُ خُرْئَها[4] .
    وتقول لي يا أخي : لم كل هذا ؟؟؟ دعني ، دعني أوفي الكيل لمن أراد أن ينهل .
    ،،،، ثم بدأ الحبيب يربّت على كتفي ويرفّه عني حتى ظعن الحزن ،،، وحتى إذا حلّ العقل محل العاطفة ، والضحك محل البكاء ، قال : أليس ذلك قضاء وقدر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ .

    قلت له : أنا لا أدري كيف ينظر الناس إلى القضاء والقدر ، كأنهم يلقون التهم على السماء وهم من جرائمهم براء !!! كأنهم يريدون قول أن هذا الشيء أو الحدث أراده الله وأن الإنسان مجبرا على الفعل ، ومكتوب له ذلك في اللوح المحفوظ .
    قال صاحبي : لكأنك يا حسين حِدّت عن الطريق ،،، بل هو القضاء والقدر ، وكل شيء في كتاب .
    قلت : تريّث أخي ولا تشطط أصلحك الله ، إنما القضاء هو : على أوجه عدة منها الأمر كقوله تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) ،،، ومنها الانتهاء من الشيء كقوله تعالى ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) ،،، ومنها الحكم كقوله ( فاقض ما أنت قاض ) ،،، ومنها الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سماوات ) ،،، ومنها الإرادة كقوله تعالى ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ،،، ومنها القتل ( فوكزه بعصاه فقضى عليه ) ،،، ومنها الحكم بين الناس كقاضي المحكمة ،،، ثم إذا رجعنا إلى فقه اللغة العربية نجد أنه ما اجتمع حرف قاف وضاد ومعتل في أي كلمة إلا دلّ على فعل محكم تام أو عمل متقن كامل أو أمر نافذ لا محالة وهذا هو الأصل .
    ولعلنا إذا ربطنا القضاء بالقدر يظهر لنا وجه جديد وهو الأمر بنفاذ وسريان القدر .
    قال صاحبي : لسنا في هذا نبحث ، إلا أنني خشيت عليك حيود الاعتقاد بلومك الغلام الذي تسميه قاتل ولدك يرحمه الله ، وأنك ترفض مبدأ القضاء والقدر بموته .
    قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله ، من قال أنني أرفض القضاء والقدر ؟ والله إني لأؤمن به أشد الإيمان وأفهمه وأدركه ، ولا أكفر به البتة ،،، ولكن اجلس لعلي أريك وجهة نظر منذ ثلاثة أعوام وأنا أتدبرها ، ومن يدري فربما تبعتني ورميت عن قوسي .
    فضحك الحبيب وقال : هات ما عندك .
    قلت : ما اجتمع القاف والدال والراء في أي كلمة عربية إلا ليدل على كنه الشيء أو نهايته بصفاته وخصائصه ، بغض النظر عن كون الكلمة ثلاثية أو رباعية ، ستجدها تشير إلى ما يتجاذب إلى هذه المعاني ، حتى كلمة ( قد ) إذا استخدمتها بقولك ( قد بلي المتاع ) فهي تفيد أن المتاع بلغ نهايته من البلى ،على أن القدر في حقيقته ( تقدير الخواص والصفات سواء كانت فيزيائية أو كيميائية في المادة أو الخلق ، وتحولاتها وتطوراتها من حالة إلى حالة باجتماع أسباب أخرى تؤدي إلى التغيير والتحول ) ،،، أما القضاء : فهو الأمر بنفاذ وسريان ذلك القدر والتقدير كنظام كوني فطري .
    كخلق آدم عليه السلام ، حيث ذكرت بعض الآيات الكريمة أنه خُلِق من ( حمأ مسنون ) والحمأ هو الطين ، والمسنون صيغة مبالغة من الآسن ، وهو الراكد المنتن الرائحة لوجود البكتيريا والمواد العفنة فيه ، وغالبا ما تكون هذه الصفات الكيميائية بطين المستنقعات المتعفن لركود الماء الآسن فوقها ،،، وهذا ( قدر واحد من أقدار خلق آدم ) .
    وذلك لحكمة بليغة من الخالق عز وجل ، أنه إذا مات الإنسان سرى عليه العفن والتحلل ، لوجود الأسباب المؤدية لذلك منذ الخلق الأول ( الحمأ المسنون ) وهو( قدر ) أو تقدير خواص محددة مؤدية للعفن ،،، وبعد الموت يتم التحول وهو ( قدر ) آخر مسبب ومرتبط بالقدر الأول ،،،،، والقضاء هنا أنه إذا اجتمعت هذه الخواص تم التحول لا محالة وهو أمر لا مفر منه .
    النار : خواصها المعروفة الحرارة والحرق وهو ( قدر ) أي تقدير هذه الصفات بها ،،، والقضاء هو الأمر بنفاذ وسريان تلك الخواص المقدرة .
    الوقود : خواصه السيولة والتطاير والبرودة وقابلية الإشتعال والإضطرام وهو ( قدر ) أي تقدير هذه الصفات والخواص فيه ،،، والقضاء هو الأمر بنفاذ وسريان تلك الخواص فيه .
    وإذا اجتمعت النار والوقود حدثت الحرائق والكوارث وهو ( قدر ) إجتماع شيء مع شيء آخر في ظروف جديدة مؤدية لحالة أو تطور جديد ( الإحتراق ) والقضاء هو الأمر بنفاذ وسريان التطور الجديد ( الإضطرام ) طالما اجتمعت الأسباب المؤدية له .
    وإذا لم تجتمع النار والوقود ( قدر ) يبقى الأمر كما هو بسلام وأمان وهو قدر ، والقضاء بإنفاذ أمر السلم والأمان طالما هناك أسباب مؤية إليه ( الفصل بين المتضادين ) .
    ــــــــــــــــــ
    التلقيح أو الحمل في رحم الأنثى :
    البويضة في الرحم : من خصائصها الكيميائية أنها حمضية لجذب العنصر المغاير لها في الصفات والتركيب الكيميائي ، وتقبل التلقيح من النُطاف لأنه قاعدي الصفة الكيميائية ( وهذا قدر أو تقدير خصائص محددة ومعقدة قدرها الله سبحانه في البويضة داخل الرحم ) والقضاء هنا هو الأمر ببقاء الويضة على ما هي عليه من ركود طالما لم يتم إحداث تغيير في بيئة الرحم كوجود نطاف يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في تحولات البويضة ، إلى أن تموت بعد شهر فتطرد من الرحم على شكل طمث لتحل محلها بويضة أخرى .
    النطاف في الذكر : من خصائصه الكيميائية أنه قاعدي ينجذب للصفات الحمضية تماما كانجذاب السالب للموجب ، وله صفات القدرة على التلقيح ( وهذا قدر أو تقدير هذه الصفات فيه ) .
    التلقيح : هو تحول البويضة ذات الخصائص المعينة ( تقديراتها ) ، من حالة إلى حالة جديدة ، الإخصاب ( وهو تقدير صفات جديدة ) بسبب وجود ظروف جديدة بصفات وخواص تؤدي إلى التحويل ، وهو النطاف مما يؤدي إلى حدوث الإخصاب وهو ( قدر جديد ) ناتج عن أتحاد ( قدرين مختلفين ) ، والقضاء هنا هو الأمر بنفاذ وسريان القدر الجديد طالما تهيأت الأسباب المؤدية إليه .
    أليس هذا هو القضاء والقدر يا محمد ؟
    قال : نعم هو كذلك والله .
    ـــــــــــــــــ
    ثم قلت : أريد أن أسألك يا محمد : هل بويضة الأنثى تفرق بين نطاف الزوج أو نطاف رجل آخر ،،، ؟؟؟؟؟؟ .
    قال : لا ،،، لا تفرق ، بل تقبل النطاف والتلقيح من أي ذكر كان .
    قلت : إذن فالبويضة تخضع للقضاء أو النظام الكوني أو للقانون الفطري بقبول التلقيح من النطاف لأن القدر فيها ألزمها ذلك ؟
    قال : نعم .
    قلت : إذن لماذا نعاقب المرأة والرجل إذا حدث هذا ونسميه ( جريمة ) طالما هناك ( قدر ) في البويضة ، و ( قدر ) في النطاف عند الرجل ، أدى اجتماعهما كقدرين إلى إحداث قدر ثالث وهو الحمل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ، هل ذلك الحدث أو القضاء والقدر في هذه الحالة ، شيء أراده الله عز وجل ؟ وإن كان كذلك ، فكيف يريد ذلك ثم يعاقب عليه ؟؟؟ .
    قال : هاه !!!
    قلت : أغلق فمك هذا ،،، بل هي إرادة من الرجل والأنثى ، تعبثوا بالأقدار التي جُعلت فيهما عبثا بدافع الرغبة والمتعة ، فهيئوا الأسباب الداعية لحدوث قدر جديد وهو ( جريمة الزنى ) .
    في حين إذا قتل شخص شخصا آخرا بحادث سيارة فقط لمجرد العبث والمتعة والاندفاعات الجنونية لتحقيق رغبات لم يحسب لها حساب ،،،، نُعَوّل على القضاء وقدر ، ثم نُبرّئ ساحته من الجريمة !!!!!! .
    بالله عليك ما الفرق بينهما : الحالة الأولى ( الحمل ) وتم تسميته ( جريمة الزنى ) وتستوجب العقاب ،،، مع أنه قدر متطور عن أقدار أخرى اجتمعت .
    الحالة الثانية : السيارة وهي حديد وقدر الحديد ( خصائصه وصفاته ) الصلابة والقوة والوزن الثقيل ، يؤدي للجروح والكسور والقتل إذا استخدم بطريقة همجية ،،،، ويؤدي إلى المنفعة إذا استخدم الاستخدام الأمثل .
    السرعة : وتؤدي إلى بلوغ النقطة المراد الوصول إليها بوقت قصير ، إذا كانت بتركيز وانتباه وعقلانية ،،، وتؤدي إلى القتل إذا كانت عبثا ومجونا ،،،،،،، .
    في الحالة الأولى تعبث الرجل والمرأة ببعضهما البعض بهدف المتعة واللذة ،،، فتطورت حالة جديدة نتيجة المتعة ، تسمى ( جريمة الزنى ) تستوجب العقاب .
    في الحالة الثانية تعبث الفاعل بالسيارة والسرعة أيضا بهدف المتعة ،،، فتطورت حالة جديدة نتيجة المتعة ( الموت ) ، غير أنه تم الإتفاق على تسميتها ( قضاء وقدر ) ولا تستوجب العقاب !!! .
    أين العدل ؟ أين النظرة الثاقبة للسنن الكونية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    لماذا يا صديقي نطلق القضاء والقدر على الموت والحوادث ،،، في حين يتم البحث عن الأسباب وربطها بمسبباتها في كل ما يجري في الكون من أحداث وكوارث وحرائق ووووو ،،، الخ ؟؟؟ .
    ـــــــــــ
    أطرق أبو فيصل قليلا ثم قال : هذه حالة تستلزم إمعان الفكر والتمحيص ، غير أنه ينقصنا الدليل .
    قلت له : لقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أكثر من مرة إلى أن كل شيء قضاء وقدر ،،، الرقية التي ارتآها الأعرابي علاجا ، حيث أشار الرسول إلى أنها قدر أيضا !!! وحكمته صلى الله عليه وسلم تقول أن المرض قدر من الله ، والرقية وطلب العلاج قدر آخر من الله لدفع قدر المرض .
    طاعون عمواس : مرض قاتل وهو قدر من الله ،،، والفرار منه هو فرار من قدر المرض إلى قدر العلاج والنجاة منه ،،، وقد اوضح ذلك الصحابيان الجليلان ابو عبيدة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
    واعلم يا أخي أيما قدر وجد فهناك قضاء ،،، واعلم أن الكون بما حوى هو قدر ، وقد سبق تفسير القدر ( خصائص وصفات وتراكيب فيزيائية وكيميائية ) يجب أن تقوم بالوظائف المناطة بها وهو القضاء أو الأمر بالنفاذ والسريان أو الفطرة الكونية .
    هل يكفي هذا دليل يا محمد ؟
    إسمع ،،، لقد ذكرت شيئا : هل الذي يقتل عن طريق الخطأ ، يسمى قاتلا مجرما يستحق الإعدام ؟
    قال : لا
    قلت : هل هو قضاء وقدر ؟
    قال : نعم
    قلت : إذن لماذا ألزمه الشرع عقوبة مالية كدفع الدية مثلا ، ثم تطورت في العصر الحديث إلى زيادة العقوبة بإيداعه السجن كحق عام للدولة ؟
    أين القضاء والقدر هنا ، وكيف ينظر الناس إليه ؟ بل كيف قدر وقضاء هذا الأمر ، وكيف عقوبة تلك عليه ؟؟؟
    قال : ماذا تريد أن تقول ؟
    قلت : ليس فقط أمر ولدي قضاء وقدر ،،، بل كل شيء في الكون قضاء وقدر ( أحداثه ، متغيراته ، ثوابته ، كوارثه ، أفلاكه ونواميسه ، مخلوقاته ، وحتى حضارات العالم ) وهذا من وجهة نظري لا يُبرّئ قاتل ولدي من افتعال الجريمة ، وهذه هي الحقيقة .
    ــــــــــــــــــــ
    اللهم اشهد انني مؤمن بقضاءك وقدرك خير الإيمان .
    اللهم اشهد انني لا أريد أموالا ولا ديّات .
    اللهم اشهد أنني لا أعدل مصعبا بقراب الأرض ذهبا .
    اللهم عدلك أنت ،،، أنت وحدك .
    اللهم أدعوك لمصعب بالرحمن الرحيم .
    اللهم ، وعزتك وجلالك أخشى دعوتك بالمنتقم الجبار على شرذمة الأوغاد ،،، بل لا أستطيع فحبسة تروم لساني وخيفة تعتري قلبي ،،، فالعوض اللهم ، العوض اللهم ، والرحمة لمصعب ،،،،،،،،، آمين
    ـــــــــــــــــــ
    حسين الطلاع
    18/أبريل/2008
    المملكة العربية السعودية - الجبيل






    [1] الأروناني هو الشديد الحر .

    [2] شعوب من أسماء الموت الزؤام .

    [3] أم قرفة امرأة من فزارة كان يعلق في بيتها خمسون سيفا لخمسين فارسا كلهم لها مَحْرم .

    [4] السنانير هي القطط ومن في حكمها ، فإذا أرادت قضاء حاجتها حفرت في التراب ثم تدفنه فلا أحد يعرف أين قضت حاجتها .

  2. #2
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.47

    افتراضي

    أخي الكريم حسين الطلاع ..

    صبرك أخي وكان عوضك عند رب رحيم لا تضيع عنده حقوق ..
    ما بين اندهاشي بلغتك الأدبية ، وبين ألم اعتراني فاعتصر قلبي لمصابك ، بت لا أدري أيهما أتبع متعة القراءة أم حزن عميق وتمحيص فكر ما بين القضاء والقدر بفلسفة إسلامية فتحت أفق العقل ليتعمق بما أرودته هنا من تفسير وتوضيح مقنع لوجهة نظر صحيحة ما أتت من فيض مشاعر بقدر ما هي فيض حكمة وتبصر وفكر ..

    كثيرا ما نخطئ بالتمييز ما بين الفعل والقدر ..
    فالقدر لا تتدخل به يد البشر بل يكون الإنسان هو وسيلة كي تتم مشيئة الله ..
    أما الفعل فهو ما تقترفه أيدينا بقصد أو بغير قصد ، وما يكون ناتجا عن فعل قمنا به بأمر من أنفسنا المتبعة لهواها ، أو تفكيرنا الذي لا يتبع إلا قناعاتنا صحت أو أخطأت ..

    أشكر لك فائدة تفضلت بها علينا ..

    نسال الله أن يجيرك في مصبتك ويخلفك خيرا منها ..
    ونسأله أن يرحم مصعب وأن يتغمد روحه فردوسه الأعلى ويجمعك به برحمة من عنده .
    ألهمك ربي الصبر والسلوان وعوضك الخير وبارك لك وبك وبما رزقك ..

    تحتي واحترامي لشخصك أيها القدير ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    سيدي الكريم

    آجركم الله و رحم مصعب فهو الرحمن الرحيم


    \

    موضوع القضاء و القدر عالجه الكثير من العلماء و المفكرين
    لكني الآن أرى طرحا موضوعيا مميزا بعقلانيته وواقعيته

    لي عودة مع الموضوع

    وهو للتثبيت
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  4. #4
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الأستاذة : وفاء شوكت خضر حفظها الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكر لكِ تعليقكِ الجميل الذي يدل على فكر واعٍ ومشاعر نبيلة ،،، ولقد لفت انتباهي قولكِ ( كثيرا ما نخطئ بالتمييز بين الفعل والقدر ) وقولكِ ( فالقدر لا تتدخل به يد البشر بل يكون الإنسان هو وسيلة كي تتم مشيئة الله )
    جميل جدا قولكِ هذا ، وهذه هي الشعرة الخفية بين شيئين متشابهين ، وهي نفسها التي يتم التلاعب بها للتلبيس على الناس وقلب الحق باطلا والباطل حقا !!! كيف ؟
    أولا : نجزم جزما قاطعا أن القدر كما أسلفنا هو ( تقدير أو وضع أو إيداع خصائص ومميزات ومواصفات فيزيائية حركية أو كيميائية في المادة أو في الخلق أو في الكون ) ثم سرى عليها النظام الفطري الكوني وهو القضاء أو الأمر بنفاذ تلك المقدرات أو الخصائص والمواصفات وعملها كنظام دقيق .
    الفعل : هو إستجابة حركية تقوم بها العضلات في الجسد بناء على أوامر من الدماغ يرسلها من خلال الأعصاب على شكل سيالات عصبية متجهة إلى العضو أو العضلة ، فتنقبض وترتخي مشكلة الحركة المطلوبة .
    قدرها : مجموعة من الخصائص تساعد على تلبية احتياجات الحركة مثل ( شكل العضلة وأربطتها ، الكهرباء الموجودة بالعضلة بفعل الأملاح وما إلى ذلك ، الأعصاب التي تشبه أسلاك الدارة الكهربية ، السيال العصبي الذي يشبه التيار الكهربي ، المخ وهو مدير عام الجسد والفعل والمولد الحقيقي لكل شيء في الجسد .
    هذا هو سيدتي الكريمة قدر الفعل أو قدر الحركة عبارة عن عوامل مودعة أو خصائص مؤدية إلى حدث ما حال توفر الإرادة البشرية للقيام بفعل .
    وللعلم هناك فرقة اسمها القدرية قالت : إن الإنسان حراً طليقا مميزا ، أي أنه ذو إرادة مطلقة !!! وهذا طبعا يا سيدتي خطأ وليس صحيحا .
    وهناك فرقة أخرى اسمها الجبرية قالت : إن الإنسان مجبر وقد جردوه بالكامل من الإرادة في الفعل ، وأن الله تعالى هو الفاعل وحده !!! وهذا أيضا خطأ وليس صحيحا .
    الصحيح هو التوسط بينهما كما جاء به أهل الكتاب والسنّة ، من أن الإنسان مخيّر في أمور تقع تحت إرادته ،،، ومسيّر في أمور لا إرادية تتعدى نطاق قدرته ،،، كيف ؟
    قال تعالى ( وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة ) صدق الله العظيم
    وقال تعالى ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) صدق الله العظيم
    هاتان الآيتان توضحان براءة السماء من جرائم الإنسان ، وتحدد المسئولية على من تقع ،،، وتوضح القدر أيضا والإرادة .
    لقد وضح الله سبحانه النجدين وهي إرادته سبحانه ، وتم ترك الخيار لإرادة الإنسان وهي إرادته سبحانه أيضا ، فإن سلك الإنسان بإرادته الشخصية سلوكا حسنا كان مرضيا بإرادة الله .
    وإن سلك الإنسان بإرادته الشخصية سلوكا سيئا كان مسئولا ومحاسبا حسابا عسيرا بإرادة الله أيضا .
    وهاتان الآيتان تدحضان كل من القدرية والجبرية معا ،،، وربما توضح بعض إشكالات تفهّم اللوح المحفوظ ، إذ أن ( كل شيء في كتاب ) تحتاج إلى تبصر ودراية .
    وكذلك الحال على القدر ،،، هو نظام موضوع .
    ولا يحق لكل فاعل أثيم أن يعلق أفعاله المشينة على مبدأ القضاء والقدر .
    فقد روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يكون آخر الزمان قوم يعملون المعاصي ثم يقولون الله قدرها علينا ، الراد عليهم كالشاهر سيفه في سبيل الله . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    ثم ورد في الأثر أن سارقا سرق في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ،،، فما حضر بين يديه قال له عمر بن الخطاب : لماذا سرقت ؟
    قال السارق : قدّر الله ذلك !!! .
    فقال عمر : اضربوه ثلاثين سوطا واقطعوا يده ! .
    قيل لعمر : لم فعلت ذلك ؟
    قال رضي الله عنه : يقطع لسرقته ،،، ويضرب لكذبه على الله .
    سيدتي الأستاذة وفاء : هل بعد هذا العلم وتمييز الأفعال والإرادة والأقدار يحق للقتلة أن يعلقوا جرائمهم على القضاء والقدر ؟
    أسعد كثيرا بفيض فكركِ الراقي
    مع تمنياتي لكِ التوفيق والسداد .
    حسين الطلاع
    ـــــــــــــــــ
    الأستاذ : عبد الصمد حسن زيبار حفظه الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    سررت كثيرا بدعوتك لولدي يرحمه الله ولا أراكم الله مكروها ، مع بالغ شكري وتقديري لحسن اطلاعكم .
    وفقك الله وسدد خطاك
    حسين الطلاع

  5. #5
    الصورة الرمزية مينا عبد الله قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    الدولة : حيث تكون روحي
    العمر : 42
    المشاركات : 2,091
    المواضيع : 110
    الردود : 2091
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    سيدي الفاضل واستاذي الكريم د. حسين الطلاع

    في البدء خالص عزائي وكبير حزني ... وانت تعلم حرارة دمعي على مصعب رحمه الله

    التحليل المنطقي الذي سقته لنا ... يجعل النفس تتواصل معك وترفع اكف التأييد لفكرتك

    شكرا لهذا الفكر النير ... شكرا لك استاذي الذي أتتلمذ على يديه ضروب الحياة وفلسفتها وأضف لهذا الكثير

    احترامي ومحبتي

    مينا
    أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة

  6. #6
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jun 2008
    المشاركات : 6
    المواضيع : 0
    الردود : 6
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

      افتراضي

      بسم الله الرحمن الرحيم
      الأخ حسين الطلاع صبركم الله وجعلكم إن شاء الله من الصابرين وأعظم الله أجركم .
      طرح راقٍ لموضوع القضاء والقدر ينم عن تفكير مستنير وطرح فكري سلس ومفهم ، وإسمح لي أخي الكريم بهذه الإضافة البسيطة والتي لا تخرج عن سياق ما طرحت من فكر راق لكنها قد تكون إثراء للموضوع .


      قال تعالى في سورة آل عمران : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا } وقال في سورة الأعراف : { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } وقال في سورة الحديد : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } وقال في سورة التوبة : { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } وقال في سورة سبأ : { لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين } وقال في سورة الأنعام : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه لِيُقْضَى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون } وقال في سورة النساء : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ، قل كل من عند الله ، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً } .
      هذه الآيات وما شاكلها من الآيات يستشهد بها الكثيرون على مسألة القضاء والقدر استشهاداً يفهم منه أن الإنسان يجبر على القيام بما يقوم به من أعمال ، وأن الأعمال إنما يقوم بها ملزماً بإرادة الله ومشيئته ، وأن الله هو الذي خلق الإنسان ، وخلق عمله ، ويحاولون تأييد قولهم بقوله تعالى : { والله خلقكم وما تعملون } كما يستشهدون بأحاديث أخرى كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " نفث روح القدس في روعي ، لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وما قدر لها " .
      لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دوراً هاماً في المذاهب الإسلامية . وكان لأهل السنة فيها رأي يتلخص في أن الإنسان له كسب اختياري في أفعاله فهو يحاسب على هذا الكسب الاختياري . وللمعتزلة رأي يتخلص في أن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله بنفسه ، فهو يحاسب عليها لأنه هو الذي أوجدها ، وللجبرية فيها رأي يتلخص في أن الله تعالى هو الذي يخلق العبد ويخلق أفعاله ، ولذلك كان العبد مجبراً على فعله وليس مخيراً وهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء .
      والمدقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دقة البحث فيها توجب معرفة الأساس الذي ينبني عليه البحث ، وهذا الأساس ليس هو فعل العبد من كونه هو الذي يخلقه أم الله تعالى . وليس هو علم الله تعالى من كونه يعلم أن العبد سيفعل كذا ويحيط علمه به ، وليس هو إرادة الله تعالى من أن إرادته تعلقت بفعل العبد فهو لا بد موجود بهذه الإرادة ، وليس هو كون هذا الفعل للعبد مكتوباً في اللوح المحفوظ فلا بد أن يقوم به وفق ما هو مكتوب .
      نعم ليس الأساس الذي يبنى عليه البحث هو هذه الأشياء مطلقاً ، لأنه لا علاقة لها في الموضوع من حيث الثواب والعقاب . بل علاقتها من حيث الإيجاد والعلم المحيط بكل شيء والإرادة التي تتعلق بجميع الممكنات واحتواء اللوح المحفوظ على كل شيء . وهذه العلاقة موضوع آخر منفصل عن موضوع الإثابة على الفعل والعقاب عليه أي : هل الإنسان ملزم على القيام بالفعل خيراً أم شراً ، أو مخير فيه ؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له الاختيار ؟
      والمدقق في الأفعال يرى أن الإنسان يعيش في دائرتين إحداهما يسيطر عليها وهي الدائرة التي تقع في نطاق تصرفاته وضمن نطاقها تحصل أفعاله التي يقوم بها بمحض اختياره ، والأخرى تسيطر عليه وهي الدائرة التي يقع هو في نطاقها وتقع ضمن هذه الدائرة الأفعال التي لا دخل له بها سواء أوقعت منه أو عليه .
      الأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه لا دخل له بها ولا شأن له بوجودها ، وهي قسمان : قسم يقتضيه نظام الوجود ، وقسم تقع فيها الأفعال التي ليست في مقدوره والتي لا قبل له بدفها ولا يقتضيها نظام الوجود . أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو يخضعه لها ولذلك يسير بحسبها سيراً جبرياً لأنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص لا يتخلف . ولذلك تقع الأعمال في هذه الدائرة على غير إرادة منه وهو فيها مسير وليس بمخير . فقد أتى إلى هذه الدنيا على غير إرادته وسيذهب عنها على غير إرادته ، ولا يستطيع أن يطير بجسمه فقط في الهواء ، ولا أن يمشي بوضعه الطبيعي على الماء ، ولا يمكن أن يخلق لنفسه لون عينيه . ولم يوجد شكل رأسه ، ولا حجم جسمه ، وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى دون أن يكون للعبد المخلوق أي أثر ولا أية علاقة في ذلك ، لأن الله هو الذي خلق نظام الوجود ، وجعله منظماً للوجود . وجعل الوجود يسير حسبه ولا يملك التخلف عنه .
      وأما الأفعال التي ليست في مقدوره والتي لا قبل له بدفعها ولا يقتضيها نظام الوجود فهي الأفعال التي تحصل من الإنسان أو عليه جبراً عنه ولا يملك دفعها مطلقاً ، كما لو سقط شخص عن ظهر حائط على شخص آخر فقتله ، وكما لو أطلق شخص النار على طير فأصابت إنساناً لم يكن يعلمه فقتله ، وكما لو تدهور قطار أو سيارة أو سقطت طائرة لخلل طارئ لم يكن بالإمكان تلافيه فتسبب عن هذا التدهور والسقوط قتل الركاب ، وما شاكل ذلك فإن هذه الأفعال التي حصلت من الإنسان أو عليه وإن كانت ليست مما يقتضيه نظام الوجود ولكنها وقعت من الإنسان أو عليه على غير إرادة منه وهي ليست في مقدوره فهي داخلة في الدائرة التي تسيطر عليه ، فهذه الأفعال كلها التي حصلت في الدائرة التي تسيطر على الإنسان هي التي تسمى قضاء ، لأن الله وحده هو الذي قضاه . ولذلك لا يحاسب العبد على هذه الأفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو كراهية بالنسبة للإنسان ، أي مهما كان فيها من خير وشر حسب تفسير الإنسان لها ، وإن كان الله وحده هو الذي يعلم الشر والخير في هذه الأفعال ، لأن الإنسان لا أثر له بها . ولا يعلم عنها ولا عن كيفية إيجادها ، ولا يملك دفعها أو جلبها مطلقاً ، وعلى الإنسان أن يؤمن بهذا القضاء وأنه من الله سبحانه وتعالى .
      أما القدر فهو أن الأفعال التي تحصل سواء أكانت في الدائرة التي تسيطر على الإنسان أو الدائرة التي يسيطر عليها تقع من أشياء وعلى أشياء من مادة الكون والإنسان والحياة ، وقد خلق الله لهذه الأشياء خواص معينة ، فخلق في النار خاصية الإحراق ، وفي الخشب خاصية الاحتراق ، وفي السكين خاصية القطع ، وجعلها لازمة حسب نظام الوجود لا تتخلف . وحين يظهر أنها تخلفت يكون الله قد سلبها تلك الخاصية وكان ذلك أمراً خارقاً للعادة . وهو يحصل للأنبياء ويكون معجزة لهم ، وكما خلق في الأشياء خاصيات كذلك خلق في الإنسان الغرائز والحاجات العضوية وجعل فيها خاصيات معينة كخواص الأشياء فخلق في غريزة النوع خاصية الميل الجنسي ، وفي الحاجات العضوية خاصيات كالجوع والعطش ونحوهما ، وجعلها لازمة لها حسب سنة الوجود . فهذه الخاصيات المعينة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في الأشياء وفي الغرائز والحاجات العضوية التي في الإنسان هي التي تسمى القدر ، لأن الله وحده هو الذي خلق الأشياء والغرائز والحاجات العضوية وقدر فيها خواصها . وهي ليست منها ولا شأن للعبد فيها ولا أثر له مطلقاً . وعلى الإنسان أن يؤمن بأن الذي قدر في هذه الأشياء الخاصيات هو الله سبحانه وتعالى . وهذه الخاصيات فيها قابلية لأن يعمل الإنسان بواسطتها عملاً وفق أوامر الله فيكون خيراً أو يخالف أوامر الله فيكون شراً ، سواء في استعمال الأشياء بخواصها أو باستجابته للغرائز والحاجات العضوية خيراً إن كانت حسب أوامر الله ونواهيه ، وشراً إن كانت مخالفة لأوامر الله ونواهيه .
      ومن هنا كانت الأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان من الله خيراً أو شراً ، وكانت الخاصيات التي وجدت في الأشياء والغرائز والحاجات العضوية من الله سواء أنتجت خيراً أو شراً ، ومن هنا كان لزاماً على المسلم أن يؤمن بالقضاء خيره وشره من الله تعالى ، أي أن يعتقد أن الأفعال الخارجة عن نطاقه هي من الله تعالى ، وأن يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى ، أي يعتقد بأن خواص الأشياء الموجودة في طبائعها هي من الله تعالى . سواء ما انتج منها خيراً أم شراً ، وليس للإنسان المخلوق فيها أي أثر ، فأجل الإنسان ورزقه ونفسه كل ذلك من الله ، كما أن الميل الجنسي والميل للتملك الموجود في غريزتي النوع والبقاء ، والجوع والعطش الموجود في الحاجات العضوية كلها من الله تعالى .
      هذا بالنسبة للأفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان وفي خواص جميع الأشياء . أما الدائرة التي يسيطر عليها الإنسان فهي الدائرة التي يسير فيها مختاراً ضمن النظام الذي يختاره سواء شريعة الله أو غيرها ، وهذه الدائرة هي التي تقع فيها الأعمال التي تصدر من الإنسان أو عليه بإرادته ، فهو يمشي ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء ، ويمتنع عن ذلك في أي وقت يشاء وهو يحرق بالنار ويقطع بالسكين كما يشاء ، وهو يشبع جوعة النوع ، أو جوعة الملك ، أو جوعة المعدة كما يشاء ، يفعل مختاراً . ويمتنع عن الفعل مختاراً ، ولذلك يسأل عن الأفعال التي يقوم بها ضمن هذه الدائرة .
      وإنه وإن كانت خاصيات الأشياء ، وخاصيات الغرائز ، والحاجات العضوية ، التي قدرها الله فيها وجعلها لازمة لها هي التي كان لها الأثر في نتيجة الفعل ، لكن هذه الخاصيات لا تحدث هي عملاً ، بل الإنسان حين يستعملها هو الذي يحدث العمل بها ، فالميل الجنسي الموجود في غريزة النوع فيه قابلية للخير والشر ، والجوع الموجود في الحاجة العضوية فيه قابلية للخير والشر ، لكن الذي يفعل الخير والشر ، هو الإنسان وليست الغريزة أو الحاجة العضوية ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق للإنسان العقل الذي يميز ، وجعل في طبيعة العقل هذا الإدراك والتمييز ، وهدى الإنسان لطريق الخير والشر { وهديناه النجدين } ، وجعل فيها إدراك الفجور والتقوى { فألهمها فجورها وتقواها } . فالإنسان حين يستجيب لغرائزه وحاجاته العضوية وفق أوامر الله ونواهيه يكون قد فعل الخير وسار في طريق التقوى ، وحين يستجيب للغرائز والحاجات العضوية وهو معرض عن أوامر الله ونواهيه يكون قد فعل الشر وسار في طريق الفجور ، فكان في كل ذلك هو الذي يقع منه الخير والشر ، وعليه يقع الخير والشر ، وكان هو الذي يستجيب للجوعات وفق أوامر الله ونواهيه فيفعل الخير ، ويستجيب لها مخالفاً أوامر الله ونواهيه فيفعل الشر . وعلى هذا الأساس يحاسب على هذه الأفعال التي تقع في الدائرة التي يسيطر عليها فيثاب ويعاقب عليها ، لأنه قام بها مختاراً دون أن يكون عليه أي إجبار . على أن الغرائز والحاجات العضوية وإن كانت خاصيتها هي من الله ، وقابليتها للشر والخير هي من الله ، لكن الله لم يجعل هذه الخاصية على وجه ملزم للقيام بها ، سواء فيما يرضي الله أو يسخطه ، أي سواء في الشر أو الخير ، كما أن خاصية الإحراق لم تكن على وجه يجعلها ملزمة في الإحراق ، سواء في الإحراق الذي يرضي الله أو الذي يسخطه ، أي الخير والشر ، وإنما جعلت هذه الخاصيات فيها تؤديها إذا قام بها فاعل على الوجه المطلوب . والله حين خلق الإنسان وخلق له هذه الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز أعطاه الاختيار بأن يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام بالفعل أو الترك . ولم يجعل في خاصيات الأشياء والغرائز والحاجات العضوية ما يلزمه على القيام بالفعل أو الترك ، ولذلك كان الإنسان مختاراً في الإقدام على الفعل والإقلاع عنه ، بما وهبه الله من العقل المميز ، وجعله مناط التكليف الشرعي ، ولهذا جعل له الثواب على فعل الخير ، لأن عقله اختار القيام بأوامر الله واجتناب نواهيه ، وجعل له العقاب على فعل الشر ، لأن عقله اختار مخالفة أوامر الله وعمل ما نهى عنه باستجابته للغرائز والحاجات العضوية على غير الوجه الذي أمر به الله . وكان جزاؤه على هذا الفعل حقاً وعدلاً ، لأنه مختار في القيام به ، وليس مجبراً عليه . ولا شأن للقضاء والقدر فيه . بل المسألة هي قيام العبد نفسه بفعله مختاراً . وعلى ذلك كان مسؤولاً عما كسبه { كل نفس بما كسبت رهينة } .

    المواضيع المتشابهه

    1. المعرفةُ سؤالٌ .! أين الإنسانُ وقدرةُ العقلِ .. من حكمةِ القضاءِ والقدرِ .!!
      بواسطة أبوبكر سليمان الزوي في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 03-04-2008, 04:25 PM
    2. القضاء والقدر مزلق انحرف فيه شعراء ونجا منه آخرون ... نماذج للفريقين
      بواسطة وائل بن يوسف العريني في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 27-10-2006, 08:38 PM
    3. الغناء ودوره في القضاء على بقية الأمة الإسلامية
      بواسطة أماني محمد في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 08-03-2005, 08:22 PM
    4. مضى سهم القضاء
      بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
      مشاركات: 11
      آخر مشاركة: 04-09-2004, 02:58 AM
    5. القواعد العشر في الإيمان بالقضاء والقدر عند حلول المصائب...!
      بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 06-07-2003, 08:54 PM