كآبة الذات , تصحو من جديد , في ليلة من ليالي الخريف , وكأنني بالخريف أعيش , وأوراق عمري تتساقط
الواحدة تلو الأخرى من بين أناملي , وأنا أراها تسحب
مني , كسجاد تركي مزجت ألوانه بين عروبة النسيج , وزكرشة فارس , وألوان أنقرة , يوم المزاد العلني
بمتاحف البلاط العثماني في لندن , أتقلب يمنة أرى أمامي
خيوط ماض ولى , وأتقلب يسرة وأرى أحلام وطموح الغد مستحيلة , أسمع صدى صوتي الآتي من بعيد ,
يقول إلى متى ؟ ! إلى متى ؟ ! أسحب منه الكلمات , وأخطط
بقرطاسي ما أتمناه , أسمع فقط صراخ ذاتي الدفينة في صمتها تصرخ وتتأوه , وتردد اللآهات , تتوسل
الدمعة أن تنزل ولو واحدة ويهدأ الفكر وما حوى , والفؤاد
وما هوى , والنفس وما تتمنى , لكنها هي الأخرى بخيلة علي , لست أدري ما أنا عليه , وما سأكون عليه ,
النقيض في ذاتي اجتمع , والفرح قليل ان حضر , والصمت
والسكون والآلام رفقاء عمري يحيون معي , وكأني أرى يوم كتابة شهادة ميلادي , كتبت على آلامي
وعذابي , أحاول النهوض مرات ومرات , وتأتي عاصفة
وتسقطني في متاهات الذات , أسوار وأشواك وحيطان بحولي , تأرجحني , تذهب بي مرة إلى ذاك البحر
العميق بلا بقرار , والهادئة مرة والهائجة تارة امواجه ,
والمستحيل ركوبه , ومرة إلى فيافي صحراء ذاتي , المتعطشة لكسب رهان ذاتي , في الوصول إلى غايتي ,
مأربي , نجاتي , من عذابي داخل ذاتي , فالفكر تاه من
كثرة ما حوى , والقلب تكسر من كثرة ما هوى , والذات تتعذب من كثرة عدم الوصول إلى المنى , فأين
الخلاص و أين أنا ؟ ؟
كآبة الذات , فيها ظلمة دائمة محاطة بأشواك , وجو ضبابي يتمنى نزول المطر على المقلتين , حتى تفرح
وتغرد الذات من كفاية تعذيبها ومرارة قسوة الزمان ,
أوراق العمر متناثرة هنا وهناك , بين شجر الصفصاف والخيزران , أناملي تبحث لها عن جمع شتات
الأوراق , على أضرحة قبر الذات , حتى يكتمل الجسد ,
فإما أن يكون العيش في هناء , أو السهاد إلى الفناء .