قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة
دافيد هارفي ، ترجمة : وليد شحادة .
عرض وتقديم : د . محمد أيوب
- 1 -
تعريف : يقع الكتاب في 222 صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى مقدمة وخمسة فصول هي: النفط أولا وأخيرا، كيف تعاظمت قوة أمريكا، عبودية رأس المال، التراكم بنزع الحيازة، القبول بالقسر.
صدرت النسخة العربية من الكتاب عن شركة الحوار الثقافي في بيروت - لبنان سنة 2004م، والكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقيت في جامعة أكسفورد قبل الحرب على العراق سنة 2003م بفترة قصيرة في محاولة لاستجلاء التيارات العميقة التي تؤثر في الجغرافية التاريخية للعالم وذلك بهدف إلقاء الضوء على الأسباب التي أوصلت العالم إلى مرحلة مليئة بالأخطار.
أما مؤلف الكتاب فهو عالم اجتماع يحاول كشف الأسرار الكامنة وراء التحولات الجارية في سياسة الولايات المتحدة، كما يحاول تسليط الضوء على أساليب القهر المتبعة في فرض هيمنة الولايات المتحدة على العالم، والمؤلف يعمل أستاذا في مركز الدراسات العليا التابع لجامعة مدينة نيويورك، كما عمل أستاذا في جامعة أكسفورد وجامعة جونز هوبكنز، وقد ألف كتبا عديدة في الاقتصاد السياسي للعولمة والتمدن الحضري والتغير الثقافي.
مضامين الكتاب
يركز الكتاب على مقولة مايكل إجناتييف التي كانت موضوع الغلاف في مجلة نيويورك تايمز ومفادها أن حرب أمريكا على الإرهاب هي نوع من الإمبريالية يهدف إلى تكوين إمبراطورية أمريكية تسيطر على العالم، ويشير المؤلف إلى أن بوش الابن يحمل في قرارة نفسه بعض الدوافع النابليونية التي تتمثل في رغبته بالوصول إلى بغداد وربما إلى طهران، في حين تركزت سياسة بيل كلينتون، الذي وصفه الصقور في إدارة بوش بالمخنث، حول استخدام القوة اللينة بدلا من استخدام القوة الشديدة وذلك من خلال إقامة دول عميلة والتسامح المتعدد الثقافات بحيث تستطيع أمريكا إنكار كونها دولة إمبريالية.
يؤكد المؤلف أن اهتمام أمريكا ينصب بالدرجة الأولى على السيطرة على منابع النفط الرئيسية في العالم لأن من يسيطر على النفط يسيطر على حركة التطور الاقتصادي والسياسي والعسكري في العام كله، وفي سبيل ذلك اعترفت أمريكا فورا بقائد الانقلاب ضد الرئيس شافيز في فنزويلا سنة 2002م ميلادي وأكدت أن الاستقرار والنظام سيعودان إلى هذا البلد، وقد كان هذا الانقلاب شبيها بانقلاب بينوشيه الذي دبرته المخابرات المركزية للإطاحة بالرئيس سلفادور ألليندي في تشيلي، ولكن الانقلاب ضد شافيز فشل بعد ثلاثة أيام فأنكرت أمريكا وجود أي علم مسبق لها بهذا الانقلاب! وقبل ذلك أطاحت أمريكا بنظام الدكتور مصدق الذي أمم صناعة النفط وثبتت حكم الشاه الديكتاتوري في إيران سنة 1953م، وقد شكل العراق الحلقة المركزية في سلسلة اهتمامات الولايات المتحدة النفطية على أمل الخروج من مشاكلها الداخلية، فقد عانت أمريكا من الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام 2001م وزادت حدته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول من العام نفسه، فقد ارتفعت معدلات البطالة وانتشر الفساد وانهارت الشركات الكبرى وفقدت منطقة وول ستريت وسوق الأوراق المالية سمعتها، كما فقد صندوق التقاعد ربع أو ثلث قيمته وأحيانا فقد قيمته كلها كما حدث مع شركة إنرون ( التي أعلنت إفلاسها وباعت حصتها في شركة توليد الكهرباء الفلسطينية إلى شركة مورغانتي )* وتبخر فائض أموال الحكومات المحلية واختل ميزان الحساب الجاري لتصبح أمريكا أكبر دولة مدينة في العالم، ولعل الأهم من ذلك كله الانقسام الذي وقع في أمريكا في انتخابات عام 2000حيث تم انتخاب الرئيس في المحكمة العليا بأغلبية خمسة أصوات ضد أربعة أصوات مما يعني أن نصف المجتمع الأمريكي تقريبا لم يكن راضيا عن انتخاب بوش الابن قبل وقوع أحداث سبتمبر التي استغِلَّت في منع الإلغاء السياسي للحزب الجمهوري عن طريق خلق نوع من التضامن بين أفراد الشعب الأمريكي على أساس من الشعور القومي وتحويل الأنظار نحو العراق واتهام صدام بأنه على علاقة بالقاعدة وأنه يجب القضاء عليه عسكريا، وهنا يقول المؤلف إن الصقور في الولايات المتحدة اعترفوا في تقرير صدر سنة 1999م أنهم كانوا بحاجة إلى حادث بحجم كارثة بيرل هاربر، مما يوحي ضمتا أن أحداث سبتمبر كانت مدبرة لخلق مبرر لغزو أفغانستان والعراق عسكريا * بعد أن كانت إدارة كلينتون تفكر في تغيير النظام في العراق وخلق أنظمة عميلة بطرق أكثر نعومة.
وقد تبلورت لدى صقور المحافظين الجدد قناعة مفادها أن حربا ضد عدو خارجي كفيلة بأن تحفظ وحدة الشعب الأمريكي الذي يتكون من مجموعات من المهاجرين متعددي الثقافات والذين انحدروا من بلدان وأصول مختلفة مما جعل من الصعب على أي حاكم أمريكي أن يسيطر عليهم دون وجود خطر خارجي يوحدهم حتى ولو كان هذا الخطر خطرا وهميا، وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الخطر السوفييتي الذي كان يوحد طوائف الشعب الأمريكي.
وهنا يمكننا أن نلاحظ وجود تشابه بين تركيبة المجتمع الأمريكي والمجتمع الإسرائيلي الذي يتكون من مجموعات بشرية انحدرت من بلدان مختلفة الثقافات والأجناس، مما يجعل من وجود خطر خارجي عاملا مهما لتوحيد هذه الفئات والطوائف المختلفة ومنع تفكك هذه المجتمعات المصطنعة . *
وقد حاولت أمريكا استغلال التعددية في العراق لإضعاف وحدة الشعب العراقي وتمزيق العراق إلى ثلاث دول على الأقل رغبة منها في الاستحواذ على نفط هذا البلد، ولما كان بوش وتشيني على صلة وثيقة بشركات النفط، فقد أصبحت أمريكا مافيا نفطية في العالم بعد أن تكون لديها اعتقاد بأن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على النفط ومن يسيطر على النفط يسيطر على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومن هنا جاءت فكرة شن الحرب على العراق من أجل السيطرة على شركة النفط العراقية، وحتى لا يتعارض ذلك مع مصالح أصحاب الامتيازات في النفط العراق فكرت أمريكا في وجود شركاء لها في حربها على العراق وفي ضرورة وجود حل شامل للقضية الفلسطينية على أساس تشكيل دولة فلسطينية كبرى تضم الأردن وجزءاً من المملكة العربية السعودية، بينما تضاربت الآراء داخل أمريكا حول وحدة العراق أو تجزئته إلى دويلات.
* تعليقات إضافية.
يتبع