"...و بعد أن فصل سـيَدنـا علي ــ كرَم اللة وجهـه ــ رأس المجـوسي عن جـسده,وحمله فوق رمحـه المسنون.صــاح المسلمـون,كبَروا الله ووحـَـدوه,,,"..
قالهـا بحمـاس مبالغ فيه,ثم مدَ يده يصلح من عمامتـه التي تعلقت حـواشيهـا بعنقه..أخـذ الدفَ,وراح ينقر عليه بأصابعــه المعروقــة.بـدأ النقيـر خــافتـا ,ثم تعــالى في صخـب,,,
الهيكل ينتفض في حـركـات متـوالية,وقد أخـذته الحميَــة,,الـرأس تـدور في الإتجـاهـات الست,,العينـان نصف مغمضتين ترفعـان الى فـوق,تستنجـدان بجـند من السمــاء,,,,
يمسـح بكفَـه على وجـه الـدف,ويصيـح بلهجـة الـواعظ : صلَــوا على النَبي ...
تنفــذ الكلمـة,تختــرق الآذان,وتصيـح جمـــوع الحلقـة في أصـوات متداخلـة,ونبرات متعـددة,تتصـنَع الخشـوع والإنفعـال:عليـه الـصلاة و السـلام...يلفظـونها بسـرعة كغصـة تعلقت بالحــلاقـم,,,يشتـاقـون الى أحـداث أخــرى,,,يعـود الـراوي,يلتـقـط أنفاســه,ثم يستــرسل في حـديث حمــاسي :
أمَـا بعد.ولَى جــنَـد الكــفَار الأدبــار,لا يلـوون على شيء,وقد أخـذ الـرعب منهم كل مأخـد,,وأغتنـم المسلمــون الغنـائم,ثم جـدَوا في السيـر الى الـديــار,يقطعــون الأوديـة و القفــار,وألسنتهم تلهـج بالحمــد و التسبيـح للواحـد القهــار.وبينمـا هم سـائـرون,إذ طلع غـبـار يحجـب الآفـــاق,,,,
إشتـدَ الفضـول,,تشنف الآذان,,تشـرئب الأعنـاق,,تخـرج العيـون من محـاجـرهـا,تحبس الأنفـاس,,ويســود الصمت.صمت التـرقب الأعـظم,,الصمت لمعجـزة تحدث..فلا تسمـع إلا نقــيـر الدفَ
يمــزق سكـــون الحلقـة,,,وصل الراوي إلى عقـدة القصَــة و عنصــر التشـويق فيهـا,,,عيــون متلهفة,راجيـة,تتضـرع في توســل,,,شيئا فشيئا يعلـو النقيــر في تشنَــج,,,يضـرب بكفـه على وجـه الدف ثلاث مــرَات,كأنمـا يعلن عن بيـان سلطانيَ مهم,,,ينتـزع طـاقيته المهلهلـة,,يعطيهـا لأحـد الجـالسين.هـذا الأخيـر يدرك مهمتـه,,يدور بين الحـاضريـن في تحمَـس وإعتــزاز,,فلا تسمـع إلا رنـين
النـقـود إختلـط بتأوهــات الرَاوي الذي راح يتمتم بكلمـات مبهمـة,وعينـاه لا تفـارقـان الطـاقية.يـوزع الأدعيـة بسخـاء.و يقـول في نبـرة الظـافر:هـذا مـا كـان من أمـر سيَـدنـا علي ــ كرم الله وجهه ـ وللحديث
بقيـة في حلقتنـا القادمـة,,,,
فـورة الحمـاس تلاشت,تجهمت الوجـوه,تزاحمت الكلمـات تحمـل معـني الضيق و التذمــر,تريد إنهــاء القصَــة.وبخبث تـاجـر يحـسَ الرَاوي,,يلقي مقولتـه الرادعـة,تنزل على الصـدور باردة,تهـدأ من فورتهـا:
و الأن,,أسمعــونا الصـلاة على الرسـول..
وقبل أن يتمَ كلامــه,كانت الجمـوع قد تفـرقت كالقطيـع تمضـغ الحســرة.....