هذه ملحمة من ملاحم العراقين لشاعر ام المعارك -- لا يرجفُ الجذع ُإن َّالراجف َالسَعَـفُ ...
ألقيت القصيدة في الأمسية التي أحياها الشاعر في جامعة السلطان قابوس في ذكرى احتلال العراق .
رعـد بـنـدر

إهْـدَأ ْ، فأَرْضُـك َهـذي حـيـثـما تَـقِـفُ-- وَإِنـَّــه ُشَــــرَف ٌمَــا بـعْـــدَهُ شـَـــرَفُ

قالوا :عُمان ٌفقلت ُ:الصَوت ُفي لغتِي-- الأولَى ومِـنـدِيـل ُدَمعي حين َيَـنـذرِفُ

نهـرٌ مِن َالحُـبِّ يَجري مـا لــهُ جُـرُفٌ --ومـا سَـمِـعــنـا بـنـهــر ٍمـا لــهُ جُـرُفُ

كُــل ّالهَـوَى صُــدْفـة ًيَـأتِـي فـنـتـبَعــه ُ--إلاَّ هـــوَاهَــا فـلا تـأتِـي بــهِ الصُـدَفُ

* * *

إهــدَأ ْ، وَلَـوِّحْ لأَرْض ٍقـدْ نـزلت َبهـا --حَـتـى لأَوْرَقَ في أَضْــلاعِــك َالأَنَــفُ

أرض ِالإماراتِ أرضي لست ُمندَهِشا ً-- لـي فـي مـرابـعِـهـا دِفء ٌوَمكــتَـنَـفُ

وأَهـلُهـا الآن َأَهــلي ، زَادُ رَاحـلـتـي --ومـثــل َنـزفِ جـراحي كـلُّهُم ْنَـزَفــوا

قـدْ جـئـتـهُـمْ حامِـلاً جرحا ًيفيضُ دما ً-- وخـطـوتي أنهَـكـتْ تِرحالَـها الحُـتُـفُ

ما كـنت ُمرتـجـفا ً، فالنـخــل ُعَـلّـمني-- لا يَرْجف ُالجَذع ُإنَّ الرَّاجِفَ الْسَّعَـفُ

* * *

للنـاسِ أَحـزانُهُـم ْقـالوا فقـلت ُ: نعـم ْ --لـكـنَّ حــزن َالعـراقِـيـيـن َمـخـتـلِـفُ

وَمُــدَّع ٍ، خـُـتِـمَـت ْبـالـذل ِّجَــبـهَـتُـه ُ --يَكفيهِ لا عِرْضُه ُعِرْضٌ ولا الشَرَفُ

يـقـول ُقــول َمُــكِـــبّ ٍفـوقَ ذلّـــتِـــه-- ِ إن َّالحُـثــالى بعَـار ِالذل ِّقد عُـرفـوا:

صارَ العِرَاق ُ(جَـديـدَاً) قول ملتحِـف ٍ-- بعَـارهِ ، بعضُ ما في عارهِ الصَلَفُ

نعَم ْ(جـديـدٌ)! وهذا الموت ُمتحفكُـمْ --والمـيّـتـون َعـلى جـدرانِــهِ التُـحَـفُ

هـما احـتـلالان ِ: هـذا ظـاهـرٌ أشِــرٌ --وذاك َخـافٍ خـطـاهُ اللّيــل ُوَالسُـدُفُ

كِـلاهُـما القـوسُ موتــورٌ بأسـهـمِـهِ --والواتِـرُونَ لَـهُـمْ أجـسَـادُنَـا هَـــدَفُ

وقـدْ يُــظــن ُبـأَنَّ السَـهْـم َمُـنـحَـرِف ٌ --وقـلّـمـا السَهْـم ُعن مـرمـاهُ يَنحَرِفُ

صَـارَتْ مـقـابـرَنَـا الأجـسـاد ُدامِـيَــة ً --مقـوَّسٌ ظـهرُنا ، والدمع ُمرتشـفُ

وليسَ مِـن بَـطَــر ٍصِـرنَـا مَـقــابـِرَنَـا --وفـوقَ أكـتـافِـنَـا الشَـمْـعُ الذي يجفُ

لكـنَّهَا الأَرض ُضـاقـتْ بالقـبُـور ِلـذا --نمشـي قبـوراً على طـابوقِهـا خِسَفُ

تـفـنَّـن َالموت ُفـيـنـا ألــفُ مطـرَقــة ٍ --تهوي ، فكيفَ ستـنجو أَيُّها الخزَفُ؟

أجـسَـادُنَـا نـتَـف ٌ، أعـمـارُنا نتتـف ٌ --أحــلامُـنَـا نـتَــف ٌ، أســمـاؤُنَـا نـتَـفُ

قدْ (حرّرُونا) !! وقال َالقائـلون َلـنـا --(تأمّركوا) وارتدوا التحريرَ والتحفوا

صَــارَ الرّدَاءُ لَـنَـا عُــرْيَـا ًومنقصَـة ً --مهما ارتـديـنـاهُ فالأَجـسـادُ تنكـشِـفُ

حـريّـة ُالعُـهْـر ِذي لـسـنـا بحاجتِـهَـا-- فلملموا عُهْرَكُمْ في الأرضِ وَانصَرفوا

* * *

أبـكِـيـكِ بغـــدادُ مأْخـوذا ًبعـاصِفـتِـي-- غـريـبـة ٌخـطـوَتي وَالأَعْــيُـن ُالذرُفُ

منذ ُافترَقـنَـا رَسَمـت ُالجـرح َنـافـذة ً --والدمـع َطـيـرَاً على أورامِـهـا يَكِـفُ

لا الطـيـرُ عَـادَ ولا ضـوء ٌبـنـافـذتي --أضاءَني ، وَارتدتْ جدرانَها الغُرَفُ

يا نخـلـة َالعـمر ِأيـامي الوَلُــودَة ُقـدْ --هـزَّتـك ِنــادبَـة ًفـاسّــاقــطَ الحَـشَـفُ

ويا عـيون َالمها بين َالرصافـةِ وَالْـ --كرْخ ِالحَزين ِاستعـادَ اللّهفة َاللَّهَفُ

مَنْ علَّـقَ القـيدَ بالحِنَّـاءِ وَالْتَرَفِ الـ --حَـانـي فـغــادَرَكِ الحِـنَّـاءُ وَالتَــرَفُ

فارقـت ُدِفــأكِ معـصُومـا ًبأَغـطِـيتي --ولم ْيزل ْجَسَدي في الأرْضِ يرتَجفُ

يَـرِفُّ ضِلعي رَفيفَ الطـيـرِ تـذبحُـه ُ --سِـكّـيـنُ غـرْبَـتـهِ والمـارد ُالشَـغَـفُ

وَلاصـِقٌ أذنـي في الأفـق ِمـنـتـحِـبـاً --أَعــدّ ُأنـفـاسَــكِ الحــرّى وأقـتطِـفُ

وذكــرَيَـاتِـي حــيــاطــين ٌمـثــقـّـبَــة ٌ --أحـشُـو عيوني بفوضاها وأعتـكِفُ

أقــول ُ: هـل نـلـتـقي بغــدادُ ثـانـيَـة ً --فـلـمْ يُـرحْ منذ ُتــاهَ العاشِقُ الدَنِـفُ

وهـل تـبَـلّـلـنُـي أمـواج ُدَجْــلَـة َهَـل ْ --أَبكي فيمسَح ُدمعِي الطين ُوَالصَدَفُ

قـولـي لمـوتِـكِ لا تَـهْـدَأْ ْوَزدْ عَـنَـتَـا ً --ولتُطـمر ِالأرضُ والأرحَام ُوَالنُطَـفُ

غـدَاً سـيذْكـرُنِي قـومي إذا التـمعَـت ْ --بِيْضُ القـنا وَادّلَـهَـمَّ الليـلُ وَالعُصُفُ

وَيُــؤسَـفـون َأَضَـاعُــونـي مُــدَويَّــة ً --حولي المنايا كخطفِ البرق ِتنخطفُ

يُـمِـيـتُـني أَنْ قـومي الأَقـربـيـن َوقـدْ --أبــاح َهَــدْرَ دَمـي هَــاو ٍوَمُـحْـتَـرِفُ

يُـقـلّـبُـون َمــرايَــا المـوتِ بَـيْــنَـهُــم ُ --وَيَـشـهَـقـون َلِلُـقـيَـا وَاصِـفٍ يَصِفُ

فمائـة ٌقـتِلُـوا .. لا مـائـتـان ِ.. نـعــم ْ --هم ْمـائـتان ِ.. وَلا.. لا قِيـل َهُم ْأ ُلُفُ

صَارَ الخِلافُ على أصفار ِمـيـتـتِـنَـا--وَلا يَـهِـمّ ُأضـافوا الصفرَ أم ْحـذفـوا

* * *
إهــدأ ْ، ولا تـلـتـفِـت ْيـا أيّهـا الكـلِـفُ --سُـرعـانَ ما زَبَـد ُالأمواج ِيـنـجَـرفُ

كل ُالأولى صفقوا كل ُالأولى فرحـوا --كل ُالأولى رقصوا كل ُالأولى هتفوا

عَـضّـوا أصَـابعَهُم ْوالحِـمْـل ُأثـقـلهُم ْ --مضى بـعـيــدا ًبـعـيــداً ذلــك َالكـتِـفُ

لمّا أضاعُوهُ ضاعُوا ويحَهُم ْأمِنوا الـ --أفعى وقدْ جَهلوا الذنبَ الذي اقترفوا

كــأنّـهُـمْ لـمْ يكـونـوا حَــول َقــامَــتِـه ِ --بـيـارقــا ًوَرجَـــالاً بـاسْـمِـهِ حَـلـفــوا

كـأنَّ أقـدامَـهـمْ مـا كــان َمـوضعُهــا --عنـدَ الملاحِم ِمنه ُالأرضُ تنخَـسِـفُ

عندي قـيـامـات ُهَـمّ ٍ، لـوْ أبحت ُبها --لا الحبرُ يكفي لكي أهدَا ولا الصُحُفُ

ولي دمـوعٌ إذا مـا الهُـدْبُ أفـلـتـهَــا --عـلـيـهِ ، منها أكـفّ ُالمـاءِ تـغـتـرفُ

* * *
سَأصرف ُالحزن َبعضَ الوقتِ مُتّئـِدَاً --وَالحزن ُيُـصْرَفُ أحيانـاً فـيَـنْصَرِفُ

إِهـدَأ ْ، وَلا تـلتـفِـتْ لا تـلتـفِـتْ أَبَــدَاً --فـخـلـفَ ظـهـرِك َنُـشَّـاز ٌبما عـزفـوا

غادَرت ُلكِنَّ صوتي في العِرَاق ِأنــا --نِــدّ ٌلمـوتي وجـرحي فيّ يـنـتـصِـفُ

تـركـت ُفـيـهِ فـرَاغـا ًلـيـسَ تـمـلــؤهُ --فـقـاعَـة ٌ، وَأنــا العـاقـول ُوالحُـتُـفُ

قدْ ظنّ َمَنْ ظنَّ أنَّ الفأسَ في جَسَدِي --يَـلـقى بلحـميَ مـا يرجـو ويـلـتـقِـفُ

ألقوا على هامتي عَـدَّ الحصى سُقفا ً --لِهَـامَـةٍ مِثـلِ ذِي لَنْ تـفـلح َالسُـقـفُ

قـالـوا : تَـبَــرَّأ َمِمَّـا قـال َقـلـت ُدمـي --ياءُ الحروفِ ودمعي الماطِرُ الألِـفُ

وقيـل : أمسى كسـيرا ًصامتـا ًوَجلا ً --صمتي كــلام ٌومن حُـسَّـاديَ الأنَـفُ

وقيـل َ: كان َله ُفي الشِّعْرِ نـارُ قِـرَىً --نـاري بحرفي وَجَمري منه ُيَنْقـذِفُ

وقيـل َ: أَسْـرَفَ في مَدْح ٍفقـلت ُبمَن-- ْ أسْرَفت ُطيلة َعمري يُحْمد ُالسَـرَفُ

ونـابـح ٌقـدْ تــوَارَى خـلـفَ قـافِـلـتـي --مـتـى القـوَافِــل ُمـِن جَـرَّائِــهِ تـقِـفُ

يـقـول ُ: فـلْـيـتـأسَـفْ قـدْ نـسَـامِـحـه ُ! --فقـلت ُ: تحتَ حِذائي أنـتَ وَالأسَـفُ

لو كان َمَنْ قـالـها يرقـى لـنـا شَـرَفـا ً --كـنـا هـجَــونَـا ولكـن ْيـأنـفُ الشَرَفُ

وليسَ مِن خُـلُـق ِالصَّقـر ِالمُحلّق ِأَنْ --يَهْوي وَإِنْ جَاعَ ، وَالمرمِيِّة ُالجِيَفُ

رعـد بـنـدر