رَجل مَقشُور
أُحبك ِ
قالها .. فانتفضتُ مَرعوبة واتصَلتُ بالشَرطة ، ليَست هِي المَرةَّ الأولى التي هددَّني فيها بجريمة الحب
، كانت تهَديداتًه المُستمرة على مدَار تنَفسه للوَقت ,, تًسلِّمني الى أَحاسيس مختُلفة .. ربُعها فرَحة وخُمسها نِصفُ خَيبه ،وثُلثها بكُاء، أمَّا الباقي أخُزنِّه للمرَّة القَادمة التي يُعاود تلَويحه بكلمتهِ تلِك.
مرة مثلا ً أَحضَر باقة ً حمراء ،كاَن صَامتاً تماماً وهو يقدمها لي ،ومدَّعياً بعينيهِ التي كَانت تكَذب بِكلِ صَراحة أنه عيد الحُب، حينَ أَوقفَه بائعٌ مُتجول عِندَ الإِشارة الحَمراء ليبيعَ خيبته ُعلَّي ، لم أصِّدقه بِالطبع فَأنا في الحقيقة أذكى بكثير من أصدِّق شيئاً من أقوالِ أعضائه ، ولم أبذل جُهداً في السِؤالِ عن توَاريخٍ متآمرة وُمتواطئه مَعه ،لتمرير محاولِته علي للحظاتٍ قصيرة أوقفتُ رؤيتي عند دُكان باقته ،فوجدتها مجموعة من أحمرِ الشفاه الجافَّه بلا هيكل ،ولا لونٍ طويل الأَجل و بِرائحة كيِميائية نفَّاثة و غَبَّيه ، حَيثُ ورثت غبَائها ممن جلبها والذي يعلم جيداً أن هذا التخصص قد خسرني حقاً حين تركته في سنتي الجامعية الثانية لالتحق بكلية طبِّيه نفسيه ،وأداوي غَبائه وهَذيانه وتَوهاني معه .
--------
دائماً كنت أبحث عن حلول لعَلاقتي معه في لحظاتِ ازدحامِ الهواء الفارغ ،أُكُّورُ أسئَلتي مِن الصَدى والتيِه، ومن فُقَاعة عَلك كَبيرة يَصنعها ابنُ أَخي تعَذيباً لُكِّل عِلكهٍ تنزَلق فِي فَمه فالقيها في وجهِ زَوجي ،ليكتظَّ مِن الغَيظ حينَ يلَمسُ حمقها،ولكنه لايأبه ولا يسَبك الكلمات دفاعاً عن حقيقتهِ ، تلك هي طريقته وذاكَ هو نهجي ..منذُ أن خَلقَنا اللهُ لبعضنا ونحن كأقطاب المِغناطيس الزرَقاء الحمراء ,, واكتشفت فعلاً أن َّكُلَّ شيءٍ يَسير وفق َهَذة ِالنظَرية ابتداءً مِن قطُبي صَنبور المَاء الى روحينا المزدوجَتين، نحن في الحَقيقة نحبُ هذا التَضاد فيما بيننا , نهَوى أن نُمارسَ كثيراً من الألعابِ القَديمة التي كَانت تُعرض في الرسوم المتحركة التي كانت تلتقطها أعيننا في صغرنا ،كنتُ أتمتِم بكلمات غير مفهومة الشَفرةِ لقَلبه ،كانَ يَظنني انني قد جننت ولكنني في كنت أرغب في حقنه بجرعة تفضي به نحو الجنون ولم تكن تلك أفكاري أبداً بكل كانت مُستعارة من حِكايةٍ قَديمة الحقيقة مجمَّعة مِن جارتي التي تتمنى أن تتوفىَّ في العامِ القاَدم بمرضٍ قلبي كالذي أُصيب بِه زوجها قبل أربع سنوات.
كَانت حِكايتها تلِك واحدة مِن عشرِ قصصٍ شَوكيِّة كاَنت تفردُها لِي في لقاءاتنا الدورية عشيةَ كُلِّ أربعاء ،
الغريب أنني كنت أَستمع إليها بدهشة دبَابيس ترَبط قماشاً حريرياً لاتلبث أن
أن تنفك عنه ثم تعاود مرورها عبرهأن تنفك عنه ثم تعاود مرورها عبره
وجارتي لاتزالُ تحَكي عَن زَوجِها المقَبور ، وأنا أحاولُ أن أُحاكِي نَصيبي في حديثي عنه ، قِيلَ لي في زماني عندما كان صغيراً أنَّ الزواج قِسمة ونَصيب ، فكان قَسمي في هِذة الدُنيا من الشكل ِ الآخر لهذا العقل رجلاً فارغاً من كلمة رَجل, فارغ الجيوب أجوفُ المِعطف والفِعال , يملأُ وقتي بالتفكير في تعبئةِ هذا الوقَت بأي شكل ٍكَان ,, حتى وان كاَن ثرثرة ً عَنه مثلاً ..
عاشَ في هذة ِالدنيا مئةٌ وتِسعونَ قرَناُ مِن الأياَّم وطوالَ هَذا العَدد الضَخم من الفرص ، وهو لم يجُرِّب شيئاً أبداً ، ومع كل ِهَذا الفَضل العَظيم من ربِّ العَالمين ليُعطيه كَل هَذا الهواء الذي يكفي لانقاذ آلاف الارواح التي تموت يومياً بالسَكتات القَلبِية الدَماغية ويَكفي أيضاً لتدريب مَلايين المُمارسين الصِحيين على مَهارات الانعاش القَلبِّي الرئوي , كان يحتقر الدُنيا ، وهو يزُاحم مُحبيها فيها ..يزدريها لدرجة أنه آثر أن يعيش فيها ممتنا بنفسه عليها ، وهو يدعِّي أنه في الوقت الذي تلقيه الرُوح من نافذتها ثم تغلقها للأبد ،سيكونُ يومَ انتصارهِ بالخلَاص من عالم لم يعد يحتَملُ وجهه وهو في الذات نفسها هَزيمة حَتمية لتلكَ الدنيا بخِسارتها لشخصِّيه استثنائية كشخصيةِ زَوجي الخلاب
في السَنة الساَدسة ِوالنِصف من حِكايتنا معاً ، ذهَب صَبري عليه إلى المَدرسة.. أغلقت ُ الباب دونه لستِ ساعاتٍ فقط وعندما عاد سألته ماذا تعَلم؟ وهل اكتسب معرفةً جديدة تُبقيه عوناً لي عَليه ، حينهَا اكتشفتُ أنَّ هَذا الصَبر كان تلميذاً خاملاً في يومِهِ الأوَّل، ربما كان باكياً أو لعله كان نائماً لا ادري حقيقة ولا أعرف أحداً لايكذب فيها،ولا يخشى أن يَهتكَ حِشمَتها فيُعريِّها , جميعهم يَخافون مِن نوَباتٍ تفتيشية مُفاجئة لوزارةِ عملٍ كانت غائبة في المَسافات المتناسلة ، و اليوم هي حاضرة فقط لقتل ِحظِ الوَقت
في لحظةٍ واحدة، صَرخت صرخة طويلة تفوقُ قامتي ,, سَمينة تجَلس فوقي فتَدهسني .. قَوية تُكاسِرني فتَهزمني
صَرخة واَحدة مَاتت فيِها كُل الأَشياء ,, تلِك التي أُخبِّئها فِي بَطني أو أظهرها عَلى الملَأ .
كنُتُ حِينها أفُكِّر فِي رَجل
أيُّ رَجل .. رَجلٌ مُقشور ،كتُفاحة ترَتدي نِقاباً أخضراً .. تغطِّي حَافتها وتعَّري مقُلتيها .. أو رَجلٌ حَامض كَليمونة خضراء طفلة تجيد الرقص ولاتعرف الحبو ، أو رجلٌ عُشبي يعَيشُ عَلى غُصن ِالخَريف ،أو على حِزمةِ بقدونسٍ رَطبه أصبحت مُترهلة أو يَابسة جِداً ،أريدُ أيَّ شيء ، أيَّ شيء يَدلُ عَلى اللونِ الأخضر ، على ولادتِه وحَياته ووَفاته وذِكراه .