فرائس بثياب الفرح

تضع الفتاة علي وجهها برقعاً أبيض أبعد الجنود برقعها وعباءتها بأمر من عتودة، فتاة جميلة قمحية وجهها الطفولي قمري فيه سمرة بريّة محببة ونحول لا نكاد نشعر به، عندما تطل من شفتيها تلك الابتسامة المترددة التي ما ان تكتمل حتي تكتشف انه في هذا الوجه البريء عينان سوداوان ساحرتان حرّاقتان تحتاج إلي جهد كبير لكي تحوّل عينيك عنهما، كانت ضافرة شعر رأسها بجديلة واحدة متينة طويلة كقروية، ذكرتني بمعلمتي التي كانت تصافحني بابتسامتها عندما سألتها ذات صباح: ((هل كانت الأميرة ديانا سببا في مقتل دودي الفايد؟))، فتتأرجح جديلتها خلفها بموده، سألها عتودة بصوت غليظ ملأ حنجرته تلهفاً:
-ما اسمك؟
تجاهلته بعناد آخر خيط من خيوط النهار وهو يصارع الظلمة، اكتسي وجهه بشمع كرافيكي طري، ابتسم رافعاً سبابته التي احتلها خاتم كبير بحجارة فيروزية تلسع بوقاحة من ينظر إليها، وهزّ سبابته محذراً:
-أحب معرفة اسم التي سأفض بكارتها؟
يطلب من المرأة أثناء المخاض لدي بعض طوائف اليهود أن تردد شهادة الاسلام حتي إذا سمعها الجنين كره أمه ودفع بنفسه خارجاً، هذا ما حكاه لي جدي الأول، تركت سؤاله يذهب أدراج الريح، سألته بنبرة من تعرف انها داخل حقل ألغام:
-مرادك عذريتي؟
-المني سؤاله، ضحك عتودة مستهزئاً، أجابها مثلما يتحدث مصاصو الدماء:
-بكارتك.
سألته محاولة خرق غضبه، قائلة:
-هل تعتقد انك استطعت ان تفض بكارات جميع العذاري؟
رسم ابتسامة مثل علامة النصر، تخندقت فوق شفتيه الدكناوين العريضتين، فأجابها مختالاً:
-نعم! عندما أفض بكارات الصبايا أجد نفسي سيداً. نعم! سيداً وأجد مفضوضة البكارة مسودةً.
مثل قيصر يتحدث عتودة عن رجولته وفحيح ذكورته يصم أذني.
سألته بصوت خفيض وعيناها تنظران بعدائية في عينيه ذات الفصين الأبيضين الداميين، قائلة:
-ما قيمة فض بكارات العذاري إذ كل ما تفعله هو تكرار فض البكارة ذاتها؟
تجاهلها، فكررت سؤالها:
-ما قيمة أن تكون سيداً إذ كل ما تفعله هو تكرار لكونك السيد نفسه؟
بعدائية دفينة جاءها صوته جافاً مهيمناً:
-تعرّي.
اعترضت، أمر جنوده بأن يعروها، قاومت، نظرت خطفاً لعينيها المتحديتين فشاهدت دمعة عصية تجول متنمرة في مقلتيها، تحرر بدوره من زيّه الفرعوني جسد طويل بكرش ضخم مطاطي أسود أشبه بكرش بوذا، تمنيت لو كنت دون كيشوت لترجلت من فرسي العجفاء ورميت سهمي المكسور بعيداً ورحت أتلمس كرشه متبركاً به مثلما يتبركون بكرش بوذا الذي يجلب الطالع الحسن، كوكبة من الدموع تبرق في عينيها فبدت كأضواء لامعة في جو ماطر، بكت، قاومت الفتاة بكل ما أوتيت من قوة حتي ان الجنود مزقوا عنها بدلة زفافها تمزيقاً خجلت من النظر إلي جسدها وكأنها لم تكن تعرف انها تملك هذا الجسد الباذخ ، كنت أسمع في الحكايات عن عروس البحر. حقاً! كان جسدها أشبه بجسد عروس البحر، انفرط اشتباك ضفيرتها لتستر عريها، سقط منتصف الليل، الليل شعرها في عز ظهيرة جسدها، ذكرني انفراط جديلتها بانفراط ضفيرة معلمتي وهي تشرح لنا في درس التأريخ كيف ان هيلين كانت فاضلة وان التي ذهبت إلي طروادة كانت امرأة أخري من صنع الآلهة تشبه هيلين، وقالت لنا ان هاكوبا كانت فاضلة، فعرضت نفسها لرمح زوجها اثباتاً لعفتها، فنمت ليلتها مغبوناً فحلمت بـ: (كلنتون يذبح الاسكندر المقدوني، رمسيس الثاني، هولاكو، وهتلر، تحت قدمي مونيكا) كنت أصرخ في الحلم خائفاً:- ((ستحل نهاية العولمة في عام ألفين وخمسة عشر)).
... وحمٌ، وحمٌ يتوسط صدرها الفخم الباذخ من خلف الوحم أطلت شمس جسدها عسلية لاهبة مثل شمسنا السمراء في حزيران في صيف الناصرية، وحمٌ حروفه بنية مثل لون الطين الحرّي، سمرةٌ مميزةٌ، قرأت الحروف في سرّي، فنطقها بدلاً عني عتودة:
-ناصرية! اسمك: ناصرية!!!
أومأ بأم قبضته ان: سألجك، في اشارة خبيرة دسمة، هكذا تكلم عتودة: فتاة مفضوضة البكارة خير من عذراء.
قال بلؤم:
-ناصرية. سأفض بكارتك.
استطرد منتشياً:
-سأنظر إلي عينيك وأنا أفض بكارتك، تلك هي متعتي.
ناصرية عنقاء بعثت من رمادها، نطقتها في وجهه بعينين متحديتين تفيضان عداوة جارحة، قالت متنمرة:
-لا ولن تنل عذريتي. يا أخيتي!
دخلت ناصرية منعطفاً خطيراً جداً مثل الانسانية، نطقتها وصدرها يهبط ويعلو، يعلو ويهبط:
لا ولن صرختان اجتمعتا في صرخة واحدة سجينة موجزة لأكبر:لا. في حياتنا، صرخة مكثفة مكورة صلدة من ضيم سنوات حياتنا، لا. صرخة احتفظنا بها في لب صدورنا، كانت في دمائنا،.. أرواحنا،.. أصلابنا،.. أرحامنا،.. أرضنا،.. هوائنا،.. أشجارنا،.. سمائنا، والله في حجارتنا، نظل نختزنها حتي نغير ما بأنفسنا ونخرج من عنق الزجاجة لا. نطقتها وكأنها جميلة بوحيرد:-
-أتحداك.
أخيراً أكمل المريخ سطوته فوق أسد بابل الذي بدا بدكنة الاسمنت، دخل المشتري في برج العذراء، غيظ أصفر بارد يقطر من جبين عتودة، لوّح بيديه المليئتين بالخواتم والأساور معلناً قبوله التحدي، كانت ناصرية ناقعة بأضواء بلورية متلألئة بقطرات عرقها الباردة، تتأرجح جديلتها علي كتفيها منقعة ناصرية بليلها، ليل جديلتها، دروبها: ساقيها، أزقتها: طيّات وثنيات خاصرتيها، بيوتها: أضلاع صدرها، بوابتها: فينوسها، نهرها: سفتيها إلا عينيها تنظران شاكيتين تغدوان وتروحان، تذهبان وتجيئان صعوداً وهبوطاً بين عتودة وبيني، قالها بشفتين قاسيتين تعودتا اصدار الأوامر بعدما أدخلني في سم الخياط ، قائلاً بصوت احتوي كراهية العالم أجمعها.
-أبداً.
فبدأت، هكذا بدأت أزمر تزميرات ساخنات بثوب الصمت، بدأت اللعبة، كنت وتر اللعبة وضحيتها، الأفعي تفيق، تتابع مزماري، شفة ناصرية السفلي تصعد وتهبط بتوتر غريب، كانت دقات قلبي تتوالي كضربات طبل أفريقي: ((دمْ.. دُمْ.. دُمْ.. دُمْ)). اصطفق جفناها بألم، صدرها يعلو ويهبط بحدة، همست بصوت خافت وقور:
-أنا دخيلة أكبر عاشق في الناصرية.
... أعطيت ظهري لأسد بابل، مددت كفي قابضاً المحيط بعفريته، أصابعي تشوهان بحركات مدروسة، انتضيت أقطع بهن الفراغ الساخن اللين واتلمسه، كفاي ترتفعان وتهبطان، تهبطان وترتفعان متلمستين ظل عفريته، نظر في عيني مباشرة، تفرسني بذهول، وأنا أزمر ألعب أصابعي علي مزماري، كنت زمار اللعبة ومزمارها، مثلي كمثل الهندي الذي يزمر مرقصاً أفعاه، امتدت ظلال كفي مستدقة حادة عند صعودها وتثلثت أثناء هبوطها، تكسر صمت ظلالها اثر دوران كفّي في مدار فعاه. الآن. المشتري في برج العذراء، يراقب عتودة ما أقوم به مبهور الانفاس مضطربها وقد ارتسمت علي وجهه ملامح سذاجة غاضبة، جسده كما الاسفنجة يمتص الطاقة الكهرومغناطيسية التي تبعثها يداي، أغمض عينيه لا يرغب في الحديث إلي أي مخلوق، بدأت أفعاه بالاستيقاظ، انخفضت طاقة جسدي، شعرت معها بالاعياء، استيقظت أفعاه، شاهدت انتفاضتها الواهية، مستميتة تحت تأثير يدي المزمرتين، انظر متعباً إلي بطن فعاه، فأري نسغها ينتصب بطيئاً تدريجياً من أرضها السوداء المحلوقة حديثاً، انفتق رأس أفعاه منتصباً ظاهراً بارزاً خارج خوصتها، كان أدني شبه بوحش بحيرة لوخنس، راحت أفعاه تتمايل راقصة مع تطوحات مزماري، هربت اغفاءته، ذهل، نظر لي بطرف عينيه وراح يضحك بهاتين العينين الجاحظتين الملهوفتين وهما ترنوان لوحشه المنتصب، قال في حماسة كبيرة:
-بدأت أشعر بفحولة انكيدو.
رددها بصوت عال، ثانية:
-فحولة انكيدو تنتضي سلاحي الباسل.
أفقي كان أسد بابل وعشار أرسلت له تموزا كي يبث فيه الخصب، قال عتودة بنشوة مثل ابيقور:
-ناصرية. سأفض بكارتك قبل غروب الشمس .
ضربات قلبي تزداد كضربات طبل أفريقي، تملكتني غيرة عطيل علي دزدمونة، لمت نفسي قائلاً: ((ما كان يجب أن أكون استشفائياً))، رفعت يدي من مدار أفعاه، وقفت نفس موقف هانس فون سبونك .. قلتها في وجهه بوقار واتزان محسوبين:
-لا.
الجنون وحده الذي يكسر الخوف ويشل رتابة الصمت، وأنا مجنون وسط عالم عاقل تماماً، أثار رفضي حفيظته قال بصوت متحمس:
-يا سباعي أنت مرغم علي اطاعتي لأنني أملك حياتك.
حاولت اجابته إلا انه اعترض منذراً:
-لا تنس السيف يا سباعي؟!!!
- السيف!
السيف. كيف أنساه؟ صرت تحت سطوة القطب المجنون الواحد، والبعير ما زال علي التل، وجدت نفسي في الموقف الذي وضعوا فيه عبد الله اوجلان، فكان ما كرهت، حرّك عتودة سيف عدالته علي رقبتي حركات ميلودرامية خضع لها صوته وأخذ يحرك يديه حركات متوترة متأثرة تتبدل مع حركاته الميلودرامية، ثم تكلم بصوت متخابث:
-بدون سلاحي سينساني العالم.
أمرني بحزم:
-عد الكرّة ثانية.
باحكام أحطت أفعاه النائمة بيدي، زمرت، زمرت، زمرت، تثير طاقتي الكهرومغناطيسية ماض فيه، بثثت كل طاقتي عن قصد، الوقت يمر متعباً مكدوداً، انتصبت أفعاه في مواجهتي بانحناءتها الرخية يداي تدوران بميكانيكية نموذجية في مدارها، انتصب عضوه مهيباً كهرواة، بدأ يلتهم أنفاسي، عتودة ينظر مبتسماً لعضوه مثل تمثال الحرية يتبسم بغطرسة ظاهرة، دفعني بكراهية بعيداً عنه تسبب بسقوطي علي كشحي، نهض كثور، كان جسده مدهوناً بالمسك لا يخترقه الضوء، بل، كان يلسعه فيلصف جبينه بأكروبات ضوئي، وقف عتودة أمام ناصرية، تذكرت ما شاهدته علي شاشة التفاز عندما وقف كلنتون أمام قضاته والعرق يتصبب من جبهته الرومانية العريضة لاصفاً بكرنفالات ضوئية، وقف أمام مونيكا التي كادت تودي بحياته إلي الموت مثلما أجابتني معلمتي عندما سألتها عن الأميرة ديانا هل كانت سبباً في مقتل دودي الفايد؟ فأجابتني: ان كليوباترا كانت سبباً في مقتل قيصر، ارتمي ضوء الأصيل عند قدميّ ناصرية مثل سنابل محصودة، أسد بابل صار بلون الكرافيك في حمرة الاصيل، زحف ضوء الاصيل علي ركبتيه حتي مشارف أصابع قدميها، امتطاها مقبلاً، تمادي ملتفاً متسلقاً حول بطتي ساقيها، التصق بفخذيها زاحفاً متشمماً حتي وصل عتبة فينوسها، جسد ناصرية يرتعش مثل الهواء، فتسقط خصلة من شعرها بدينامية محببة تمسح جبهتها الحنطية، طقطق ضوء الاصيل أصابع يديه، وأخذ يدور حول زهرة الشمس كدرويش أخذه الجذب؛ خرّ الأصيل مجذوباً من فرط انتشائه غروباً أحمر نارياً حاراً لاهباً مجوسياً كشمس تموز. الآن الكرة في ملعبه، صار المجال المغناطيسي للشمس متداخلاً مع المجال الارضي المغناطيسي، وكلا المجالين يؤثران علي حياة البشر، وبسبب ما بثثته فيه من طاقة كهرومغناطيسية ستعمل علي زيادة الاضطراب الوظيفي عند عتودة ، خرّ عضوه منكمشاً ذليلاً غاطساً داخل شرنقته الجلدية، رفضت عشتار احضار تموز كي يبعث الخصوبة فيه، ذكرني منظر عتودة ومشاهدته لعضوه بمشهد لونيل جوسبان عندما ضرب بالحجارة في جامعة بيرزيت.شع من عينيه الخبيثتين المضببتين بدم ثلجي وميض مكر وكيد، رفع وسطي يده اليمني وحرّكها حركة ماجنة، انشغلت انظر إليها، هوي سيفه علي رقبتي، لحظة فصل سيفه رأسي عن رقبتي صافحت عيناي ابتسامة معلمتي التي قصصت عليها حلمي برأس الحسين، أخذت تحدثني كتلميذ صغير في صفها عن أحد الفلكيين الذي ادعي بأنه أحضر روح بتهوفن، فقالت له الروح ((لا تشغلني فأنا أسمع موسيقي أثيرية من بداية خلق الكون ولملايين السنين القادمة)). فارقت روحي شرنقتها، رفرفت سعيدة بالخلاص وسط ذلك الغروب النحاسي المحتدم الذي علمت فيه برأس الحسين ومحاولة لمس الشعرة البيضاء في شاربه الكريم. الآن لمستها. كان ملمسها مثل خيط ضوء أزرق مترف مريح تألقت روحي فوق أسد بابل توشوش في أذنه ما قد نطقه عتودة بعد حركة اصبعه الماجنة. سأفض بكارتها بأصبعي.