أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مقعد في الهواء

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي مقعد في الهواء

    مقعد في الهواء.
    قصص قصيرة
    بقلمي :
    ١. المحطة الأخيرة
    ٢.الرومانسي
    ٣. الوحيدة
    $$$$

    ١.المحطة الأخيرة
    (عند سفري بالقطار، أحب الجلوس ووجهي متجه نحو القاطرة، وكأنني أريد أن أرى الطريق أمامي مع سائقه؛ وأرى بوضوح أين تكون وجهة القطار.
    وأضاف: لست ممن يعيدون النظر فيما فاتهم من محطات؛ ودائما ما اتطلع لكل جديد آت.
    أما لو كان وجهي نحو المؤخرة،أشعر بأن أحدا يقودني إلى طريق مجهول لا أراه.كما أرى أن كل المحطات العابرة والمشاهد الماضية تهرب أمام ناظري ، فأشعر بالندم على ما راح.)
    هكذا كان يتحدث إلي بحماس شديد:
    ( لو كان وجهك أماما، لرأيت كل جديد مبهر قادم، ولو كان عكس ذلك، فلن تقع عيناك إلا على كل قديم رتيب ، معاد ،فات.)
    وأردف:
    ( لا تكن خاملا، ولا يهم من تدوس في طريقك، كن كالقطار. لا تنظر وراءك. هل رأيت قطارا من قبل ، يمشي إلى الخلف، إنه وسيلة المواصلات ربما الوحيدة ، التي لا تسير للوراء!

    ، كي لا تشعر بالندم، كن دائما في المعقد الأول،وفي المواجهة ،وإلا ستظل
    سكرتيرا مغمورا، يتوالى فوق رأسك المدراء.)
    $$$

    كان التنافس محموما بشركتنا، بين رؤساء القطاعات المتعددة، وارتكز الصراع حول نقطة واحدة ؛ من يستطيع أن يقدم الإنجاز الحاسم ، كي يصبح في المقدمة، ليحصل على ترقية العمر المنتظرة؛ ويحوز المقد الأول لرئاسة المؤسسة.
    $$$

    تعثر من تعثر، وسقط في حمية السباق من سقط، ووصل من وصل .كان الجهد قد التهم بقايا صحته، فاضطره مرضه وعجزه أن يتقاعد محسورا؛
    وحين أتى إلى مقر الشركة، ليسوى استحقاقاته المالية، شعر بالاختناق والغثيان من بطىء الروتين، وشماتة الأنظار. ربما؛
    وفي شرفة جانبية مجاورة، سلمت عليه مشفقا، وأفردت له
    ( مقعدا في الهواء).

    ٢. الرومانسي
    انتظر ذلك اليوم طوال سني عمره. كي يتم حصاد جهده؛ فكم دعى الله أن يهبه مزيدا من العمر حتى يزوج ولده الوحيد،فقد بذل له كل غال بعد رحيل أمه، ليوفر له معيشة رغدة، وتعليما راقيا، أتاح له الحصول على وظيفة تليق بشاب نابه مثله.
    &&&
    جلس إلى جانب جهاز الراديو العتيق، الذي اعتاد أن يستمع منه إلى أغانيه الرومانسية المفضلة، التي تعيده إلى زمان شبابه الغض؛ حين كان الحب وعدا يجب تحقيقه، والزواج مسئولية يجب أن نتحملها برضى وحماس.
    تسللت الأغنيات إلى وجدانه، فسرت في جسده سكينة ، وسكبت في نفسه جمالا.
    تذكرها بفستانها البنفسجي الطويل، وشعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها ،
    تلاعب خصلاته الحريرية ،
    نسمات الربيع المعبأة بأريج حدائق الفاكهة المنتشرة حول المدينة الصغيرة ،
    حين تأبط ذراعها، شعرت بكثير من الخجل، حتى توردت وجنتاها، وانسدلت رموشها حياءا.
    وحين جلسا على مقعد الحديقة الرخامي ، الذي اعتادا عليه، كانت نسمات الهواء الرقيق وأشجار خضروأزهار مختلف ألوانها تحوطهما، وعصافير مشاغبة تطوف بالمكان، وهما يستمعان صامتين إلى الأغاني
    الرومانسية لذلك الزمن الجميل؛ كفها الرقيقة ، ترقد في سلام كعصفورة دافئة بين أصابعه الخشنة الحنونة، وأعينهما تشع عشقا في تلاقيهم الحميم.
    $$$
    تنهد متمنيا أن يعايش لحظة رومانسية، وهو يشاهد ابنه الوسيم إلى جانب عروسه الجميلة.
    كم تمنى أن يسأله عن إحساسه عند لقاء فتاته؛ هل يستمعان معا الى أغاني الحب الصافية؟ هل يشعران حلاوة الهيام في كل همسة ولمسة ونبضة فؤاد؟
    كان يود لو عاش ولده ذات الأحاسيس والمشاعر، وذاق نشوة كل لقاء.
    التقت عيناه بعيني حبيبته الراحلة، في صورتها الذهبية الإطار؛على الطاولة التي اعتادا أن يشربا عندها معا قهوة المساء، رأى ابتسامتها وسعادتها ليوم زفاف ابنها.
    $$$
    ازدحمت القاعة بالمدعوين من أقرباء العروسين.
    وزكمت أنفاسه عطور فجة.
    ودخل الموكب تحت وابل من الموسيقا الصاخبة،والأضواء الألكترونية المبهرة، والأوراق الملونة اللامعة والزهور الاصطناعية التي انهمرت على العروسين.
    كان الصخب يزلزل أرجاء قاعة الاحتفالات الضخمة.
    ضاق صدر الرجل، وسقط شبه مغشيا عليه.
    أفاق الرجل ، وولده يضاحكه، بعد أن غاب خوفه على أبيه:
    - يا حاج معلشي حقك علي ،و انهال على رأسه يقبلها.
    :- دي سنة زماننا ، وأسلوب حياتنا الآن، ولابد أن أجاري العصر، أيامك غير أيامنا يا حاج. ربنا يعطيك الصحة ويخليك
    لنا.
    &&&&
    و في ركن من حديقة صغيرة خارج القاعة، عند شجرة ذابلة الغصون، تحتها قطتان تزومان لبعضهما، وفوق نجيل تفوح منه عطانة المطر، أفرد لأبيه
    (مقعدا في الهواء)

    ٣.الوحيدة
    هكذا هي منذ خلقها الله ، جادة، تعتمد على نفسها ، تستغل كل قدراتها في أي عمل تؤديه. قليلا ما كانت تسأل أحدا المساعدة. أو تطلب منه العون.فبعد تقاعدها من عملها كمديرة مدرسة ثانوية، عاشت سنوات ترعى ابنها وبنتها حتى أنهيا تعليمها ، وتزوجا. كان الأب نعم العون ، ونعم الرفيق، وكأنه أحس بالرضا عما أنجزاه سويا ، فآثر الرحيل بسلام.
    أصبحت وأشجانها رفيقين في شقة عريضة المساحة، وحيدة، بعد هجرة أبنائها وهجرتهم نحو أراضي الزيت والرمال، طلبا لرزق أوسع ، وجاه عريض ..
    كانا يتصلان بها عبر الهواتف، يوميا، ثم تناقص عدد الاتصالات حتى أمست كل شهر مرة. تنتظرها بكل مشاعرها وجوارحها للاطمئنان عليهم وسماع أحفادها؛ أولئك الذين صار القلب يرفرف حين يسلموا عليها بأصواتهم البريئة. والآن انحسرت الاتصالات إلا في العيدين ؛ فأي عناء كانت تتكبده بين الاتصال والآخر. وأي دموع تنهمر من عينيها المتعبتين.
    $$$$
    تخرج كل أسبوع لتقضي حاجاتها من التسوق.
    تسير بين البيت والسوق مسيرة ساعة في ذهابها وعودتها حاملة حقيبة التسوق، تملأها بالخضروات والفاكهة التي اعتاد أن يحبها الأحبة الغائبون.تعود لتطبخ منها القليل، وما يناسب حالتها الصحية ومعاناتها مع مرض السكر الذي لحق بها في السنوات الخمس الفائتة.
    &&&

    ذات ضحى، وعند رجوعها حاملة مشترواتها، غامت الدنيا في ناظريها، عند رصيف مقهى اعتادت المرور به في سكة الذهاب والرجوع .
    أفاقت السيدة وشاهدت بأم أعينها ، وجوها طيبة
    ،وابتسامات ودودة، وألسنة صادقة تلهج بالحمد على سلامتها ،وأياد كريمة تمد لها أكوابا من الماء المثلج، والعصائر، وقد أفردوا لها فوق رصيف الشارع ...
    ( مقعدا في الهواء)

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    المحطة الأخيرة.
    كان كالقطار لا يعيد النظر فيما فاته من محطات ـ وجهه إلى الأمام لا يهمه من يدوس في طريقه
    كان يتمنى أن يكون في المقعد الأول حتى لا يظل سكرتيرا مغمورا يتوالى فوق رأسه المدراء
    وفي محاولته لكي يصبح في المقدمة، والصراع على تقديم الإنجاز الذي يجعله في ريادة المؤسسة
    خاض منافسة محمومة ، ولكنه تعثر وسقط ولم يصل ، وألتهم الجهد ما تبقى من صحته
    وحين جاء للشركة ليسوي مستحقاته كاد أن يختنق ففردوا له في الشرفة
    ( مقعدا في الهواء.).

    الرومانسي
    الإعداد لزواج ولده الوحيد أعاد إليه ذكريات حب حياته، ورومانسية ظللت حياته معها
    فتمنى لو كانت موجودة لتشاركه فرجة زواج أبنهما. وتمنى أن يعيش ولده نفس المشاعر
    الرومانسية التي عاشها.
    وفي يوم الزواج اصطدم بأنواع من الصخب الموسيقى والأضواء الألكترونية تسببت في
    ضيق صدره فأغشي عليه ، فلما أفاق قال له ولده: أن لكل عصر أسلوبه ومظاهره
    ووضع له في الحديقة خارج القاعة ( مقعدا في الهواء) .

    الوحيدة:
    أصبحت وحيدة بعد رحيل زوجها وزواج ابنها وابنتها وسفرهما طلبا لرزق أوسع
    ومع الوقت بدأت الغربة تباعد بينها وبين ولديها وانحسرت اتصالتهما في أضيق
    الحدود فأصبحت وأشجانها رفيقين وفي حياتها وحيدة.
    ولما غامت الدنيا في ناظريها وهى في الطريق ـ أفاقت لتجد حولها وجوها طيبة
    بابتسامات ودودة تلهج بالحمد على سلامتها وقد أفردوا لها ( مفعدا في الهواء) .

    كان المقعد في الهواء هو الرابط بين هذه القصص الثلاث وإن اختلف السبب في كل منها.
    أبدعت وأجدت في نسج الحروف ورسم صور واضحة تختال بزاهي الحروف وعمق المعنى وروعة البيان
    زادها ألقا سرد ماتع ومشاعر سامية مفعمة برقة ورقي الحس.
    فشكرا على هذا البهاء.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,457
    المواضيع : 237
    الردود : 3457
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    مقعد في الهواء .. هو مقعد لمن أصبح خارج نطاق التغطية
    في القصة الأولى: كان له مقعدا في الهواء بعد أن أصبح خارج نطاق العمل.
    في القصة الثانية: كان مقعده في الهواء بعد أن اختلفت رؤيته وتفكيره عن أسلوب العصر ومظاهره.
    في القصة الثالثة: كان مقعدها في الهواء بعد أن مرضت في الطريق لتجد نفسها محاطة بإبتسامات ودودة
    وألسنة تلهج بالحمد فلم تعد تشعر بأنها وحيدة.
    ثلاثة قصص جميلة السرد والفكرة ـ عميقة على بساطتها بدلالات نفسية متعددة.
    بورك الفكر والقلم.