السلام عليكم جميعاً ..
الأخ الكريم \ عمـار باطويل .. أشكرك على موضوعك الهادف ..،
أخي الفاضل، مباشرة ودون مقدمات.. أقـول :
إن مأساة الفكر عندنا هي أنه يُحارب على جبهتين كبيرتين عريقتين: جبهة باسم الأصالة العربية، وجبهة باسم الإسلام!!
أقول وبكل أسى، إنه يُمكنك ببساطة شديدة أن تلاحظ ذلك على مستوى المعمورة، حيث إنه أينما التقت العروبة والإسلام .. غاب الفكر فانهزم الإنسان وتخلفت الأوطان! وأوطاننا وإنساننا العربي مثال حي للمكابرين!!
ونلاحظ، أنه كلما افترقت العروبة والإسلام، .. حضر الفكر فانتصر الإنسان وتقدمت الأوطان! .. وإيران وتركيا وماليزيا واندونيسيا وباكستان .. أمثلة حيّـة للمكابرين!!
أما حيث لا عروبة ولا إسلام، فإن الأمثلة على حرية الفكر ودوره في الرقي بالبشـر، هي أكثر من أن تحصى، وأكبر وأوضح من تُـذكر أو يُنكرها المكابرون !!
وأقول للذين قد لا يُعجبهم هذا الكلام، وقد يعتبرون هذه الحقائق تطاولاً على الإسلام أو طعناً في العروبة، .. أقول لهم إنه إذا كان الحرص على الإسلام يعني لكم إنكار الحقائق وتكذيب الواقع، .. فذلك شأنكم، ولا طائل من الحوار معكم!
وإذا كان الوفاء للعروبة في نظركم، هو التعصب لها ظالمة أو مظلومة، صائبة أو مخطئة، .. فإن ذلك شأنكم أيضاً، ولكنه ليس من الإسلام ولا الإيمان ولا المنطق ولا العقل ولا من الأمانة في شيء !!
وإذا سألتني، هل أنا بذلك أُحمّـل العروبة والإسلام مسئولية تقلّص ساحة الفكر عندنا! أقول لك نعم ! ولكن بسبب سوء فهم وسوء استخدام العقلية العربية للإسلام!
إن عجلة الفكـر لكي لا تتوقف، فإنها تحتاج إلى بيئة شفافة حرة صادقة منصفة.. تحترم الإنسان لأن الله كـرّمه، وليس فقط لأنه عربي أو مسلم!
بيئة .. لا تحاسب الإنسان على عقله الذي وهبه الله له ولم يختره بنفسه، وهو وحده القادر على أن يُهديه أو يُضله؛ وهو وحده العالم بمن اتقى ومن اهتدى ومن ضل السبيل، وهو وحده المتكفل بمحاسبة عباده فيغفر لمن يشاء ويُعذب من يشاء!
لذلك، أقول أخي الكريم، وبكل صدق وأمانة، إن تلك البيئة التي يحتاجها الفكـر الذي يحتاجه الإنسان والإيمان والأوطان، هي بصريح العبارة .. بيئة ممنوعة محاربة على الساحة الإسلامية، وكأن المسلمين يعتقدون بأن العقل يُخالف الدين؛ أو كأنهم يُخفون أمراً، يخشون أن يكشفه الفكر الحـر!
ولذلك نجـد الفقه الإسلامي السائد، يقول للمسلم : لا تستعمل عقلك ولا تفكّـر ولا تجتهـد، إلا إذا كنت تؤمن بأن كل النتائج محسوبة مُسبقاً، فلا تـدخل علينا بنتائج جديدة، لأن ذلك قد يُخـرجك من الملّة، وكأن الدين لهم – ملك أيمانهم .. وليس لله!!!
إننا يا سيدي نظلم المسلم باسم الإسلام، حين نخيّـره بين حرية الفكر وبين الإيمان! حيث إنه لا فرق بين أن تقمع الفكر أو تحـرّم التفكير، وبين أن تسمح به وتفرض على المفكّـر نتائج مُسبقة!
أما الجبهةالعربية التي تُحارب الفكر، فتتمثل في الثقافة .. بعاداتها وأعرافها القبلية العشائرية، التي تتعصب للعرق على حساب الأمانة والمنطق والثوابت الإنسانية العامة! حيث إنه من ثوابت العروبة الواقعية أنه إذا تصادم القريب مع الغريب، فإنه يجب مناصرةالأخ الظالم ضد ابن العم المظلوم؛ ويجب مناصرة ومساندة ابن العـم الظالم ضد الغريب المظلوم.!
ولعلك تلاحظ كم من مواطن أمريكي أو أوروبي أو حتى إسرائيلي يهودي .. عبّر عن رأيه وأفكاره بحرية تامة ضد حكومته ..، ولصالح قضايانا العربية الإسلامية!
ولاحظ أننا نفتخر بذلك الموقف المؤيد لقضايانا، ووسائل إعلامنا تشيد بصاحبه.. ونتجاهل الفكر الذي أوصل مجتمعه إلى الحرية التي سمحت له بقول رأيه، والممنوعة عندنا على كل المستوياتَ!
إننا نحاجج الآخرين بما يقوله بعضهم لصالحنا، ولسان حالنا يقول: وشهد شاهد من أهلها؛ ونقمع ونمنع الشاهد من جانبنا. ونلاحظ أن حكومتهم لا تعتبرهم مذنبين بسبب حرية الفكر، ولا يُحرك ذلك فينا ساكناً ! وذلك ما يحتاجه الفكر ويفتقده عندنا!
فنحن كعرب مسلمين بصفة عامة لا نختلف عن حكامنا في شيء! حيث إن حكامنا يفوزون في الانتخابات بنسبة 100%، لأنهم يمنعون المعارضة والتصويت ضدهم! ونحن الشعوب نعتبر أن كل المواطنين يؤيدون قضايانا في حين أننا لا نسمح لأحد بالمعارضة وحرية الرأي! فعليك أن تردد ما يقوله الساسة ورجال الدين ورجل الشارع والإعلام ، وإلا فأنت خائن وعميل أو مرتد ...
فمثلاً، .. ماذا ستقول عنه أنت، وماذا سيكون مصيره .. لو أن مواطناً عربياً مسلماً تجرأ – داخل بلده- وعبّـر عن رأيّه وفكره وانتقد موقفاً عربياً مسلماً لصالح أمريكا أو بريطانيا!
إننا يا سيدي، لن نجني ثماراً من فكر وهمي نخدع به أنفسنا! فالواقع إما إنسان حـر وفكـر حقيقي، أو عبودية ولا فكـر!
والإحصائيات التي أوردتها الأخت الكريمة\ نادية بوغرارة، هي مؤشر واقعي على عزوف الإنسان العربي المسلم عن الفكر، وميوله للعاطفة. ولم يكن ذلك إلا لأن الكاتب في مجال الفكر لم يجد البيئة المناسبة ولا الحرية الكافية؛ ولأن القارئ لم يجد مادة فكرية تخاطب عقله وتستحق اهتمامه .. تحفزه على القراءة والمشاركة والتفكير!
وكإجابة متواضعة، للأخ الكريم\ عبد الله المحمدي .. الذي قال في مشاركته :
( أريد أن اطرح هنا سؤالا :
هل هناك فكر إيجابي ...وفكر سلبي؛وهل يحبذ الدخول في الفكر السلبي ....!!!
آمل أن أجد الإجابة عندك أو ممن لديه الإجابة( ...!!!!
أقـول : إن كل ما يتّبعه الإنسان في حياته هو فكر بشري؛ باستثناء التعاليم السماوية الصريحة التي لا اختلاف حولها ولا اجتهاد فيها .. لدى أتباع الأديان المختلفة!
فالعقول هي أشجار مثمرة، وثمارها الأفكار! ومعنى أن تمنع العقل من إنتاج أفكاره الخاصة، وتلزمه بإتباع أفكار غيره، فكأنك تضع ثمار شجرة مثمرة على شجرة أخرى مختلفة.. بعد أن منعت الثانية من الإنتاج! حيث ستسقط تلك الثمار المزورة الملفقة الغريبة عن تلك الشجرة .. بفعل أول نسمة عابرة
والقول بأن هناك فكر إيجابي وفكر سلبي .. هو قول نسبي وغير دقيق! حيث إن كل إنسان يعتقد بأن فكره إيجابي، وأن نقيضه سلبي!
والحكم على الفكـر من حيث السلب والإيجاب هو أمر يعتمد على التكهّـن والظن لا على الواقع أو المنطق والحقيقة! ذلك لأن الأفكار تقاس بنتائجها – وهي مستقبلية -، ولا ينبغي قياسها والحكم عليها من خلال صورتها النظرية الأولية!
والذين يجزمون بأن هذا الفكر سلبي وذاك إيجابي، فهم إنما يتخذون من قناعاتهم وعقولهم معياراً لعقول الآخرين، فيتوهمون المعرفة والإحاطة بكل التفاعلات والنتائج المستقبلية التي ستترتب على هذا الفكر أو ذاك! وذلك خطأ فادح ينتج عادة عن ثقافة الوصاية والهيمنة والأنا والجهل والإفراط في الحذر، والخوف من التغيير، وتشبث الإنسان بما يعرفه ورفضه لما لا يعرفه، ... وكل ذلك نتيجة طبيعية حتمية لضيق الأفق ولعدم إحاطة الإنسان وعدم تفاعله وعدم مشاركته فيما يدور من حوله، وخوفه من المستقبل وسوء ظنه بالآخرين!
والفكر هو العمليات العقلية الجارية المستمرة التي لم تظهر نتائجها؛ وليس الفكر هو تلك الآراء والعمليات العقلية التي تم تطبيقها وظهرت نتائجها، فاتفق حولها البشر أو اختلفوا!
فنتائج الفكر عندما تنضج وتكتمل صورتها، ويتبناها ويُطبقها مجتمع ويرفضها آخـر، فإنها تصبح ثقافة، ولا تعـود تسمّى فكراً !
والثقافة هي التي يمكن نعتها نسبياً بالسلبية أو الإيجابية حسب انعكاسها على المجتمع ومصالحه، وحسب توافقها أو اختلافها مع أعرافه وشرائعه!
وقد أدخل الفكـر الحـر في العقود الأخيرة عنصراً هو من أهم عناصر معادلة قياس السلبية والإيجابية، وهو عنصر الحرية الفردية وحقوق وثقافات الأقليات!
ولكن مجتمعاتنا العربية الإسلامية ما تزال تستعمل مقياس الأعراف والتشريعات العامة ذات الطابع القبلي العربي والإسلامي الذي لا مكان فيه للفرد في القبيلة، ولا مكان للأقلية في الدولة!
بينما تجاوزت معظم المجتمعات الإنسانية تلك المقاييس فأصبحت تقيم وزناً لحرية الأفراد وثقافة وتقاليد الأقليات، وحق الإنسان في التعبير عن ذاته! وصارت تقبل وتحتوي الاختلافات الفكرية والثقافية، وتعتبرها رافداً حضارياً وفكرياً للمجتمع، ولا تنعتها بالسلبية ..، وهذا ما لا تجده عندنا حتى الآن ! رغم أنه أثبت نجاحه ميدانياً عند الآخرين !
ومن هنا فإنني أعتبر أن الحكم على الفكر، هو حكمٌ خاطئ مجحف عنصري .. إذا اعتمد صفة التمييز والإطلاق .. كفكر سلبي وفكر إيجابي، .. دون اعتبار للحق الطبيعي للإنسان في الاختلاف!
تحية طيبة للجميع ...