قمت في الصباح باكرا كي أصل إلى الإدارة المقصودة أول الزائرين على الساعة السابعة ’ فقيل لي عند بابها ’ أن بداية الدوام لا يكون إلاّ في حدود الساعة الثامنة ’ فقصدت إحدى المقاهي المجاورة لأرتشف القهوة ’ و أقضي بعض الوقت هناك بدلا من الانتظار الممل و المرهق ...على الساعة الثامنة إلا الربع ’رجعت على أمل الدخول أول الناس ’ لكن راعني وجود حشود من الجماهير تتدافع عند الباب ’كلٌ يريد الولوج قبل الآخر.. قلت و أنا أشاهد هذا المنظر المرعب : ليتنا نكون مثل الأوروبيين فننتظم في صف جميل ’و ندخل الواحد تلوى الآخر بدل أن نتزاحم هكذا كالخرفان التي تتنافس على الوصول إلى الأعلاف.. في البدء ’حاولت أن أجد لي مكانا وسط الحشد’ لكني لم أستطع ذلك ’حيث رشقتني امرأة مسنة بمرفقها ’و أزاحتني بعنف لأتقهقر إلى الوراء’ لأقدم لها عتذاري في النهاية رغم ظلمها لي’ ثم أستسلم للأمر الواقع’ فأنا بطبعي لا أستطيع لا الزحام و لا الخصام ..فجأة ’فُتح الباب’ فاندفع الجميع إلى الداخل لأرى بأم عيني ’كيف أن بعض الشيوخ قد سقطوا تحت أقدام المندفعين إلى الأمام في تنافس شديد.. أخيرا ’ الحمد لله ’ها قد دخلت ’لكني كنت الأخير رغم قدومي الباكر ليقتطع لي أحد الساهرين على العمل هناك تذكرة كان رقمها 267 و هي الأخيرة.. جلست على إحدى الكراسي المريحة شيئا ما ’ ثم شرعت في الاستماع إلى صوت السكرتيرة وهي تنادي على المنتظرين حسب ترتيبهم العددي فتردد : رقم واحد شباك عدد ثلاثة - رقم اثنان شباك عدد أربعة و هكذا.... قلت في قرارة نفسي’ لماذا لا أنام قليلا, فأنا قادم من سفر ’و لم أعطي نفسي حقها من النوم ليلة البارحة ’خاصة أن ترتيبي قد يتطلب الانتظار لأكثر من ساعتين ..بعد أخذ و رد ’أسندت كتفي و نمت لأرى في ما يرى النائم’ أني أحمل تحت إبطي حزمة من الأوراق الإدارية التي تشبه المجلد و عليها أختام و تواقيع كبار المسئولين الإداريين و أنا أردد بأعلى صوتي بيتا لأبي القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ’ثم أستيقظ بعدها مباشرة على صوت حارس هذه المؤسسة العمومية وهو يوقظني قائلا : سيدي’ انتهى التوقيت ’سنغلق الأبواب في الحين ’كل الزائرين أنهوا شؤونهم و استلموا أوراقهم , لقد نادت السكرتيرة على حامل الرقم 267 ’لكن يبدو أنك لم تسمعها لغرقك في النوم العميق ’ هيا تفضل الى الخارج ’عليك أن تعود في الغد ’و عليك أن تحرص على متابعة الأرقام من الواحد إلى 267 .