[CENTER]
وكاَلعَادة ,
أَمْتَشِقُ القَلمَ لأطْعَنَ بِهِ حَرْفي
فَيَنْزِفُ لِيُصْبِحَ أَحَدَ ضَحَايا مَقْبَرَةُ سَطْرِي
أَو يَسيرُ طَوعًا لِأمْرِي بين سَرَادِيبِ الضياع.
كُنْتُ بالأمْسِ ..
أَذْبَحُ الأيامَ
وَأُعَلِّقُ السَّاعاتَ لِتَتَدَلَّى عِظَامَ عَقَارِبِها
فَأُحْدِثُ مَجْزَرَةٌ للزَّمَنِ
ثُمَّ أَفِرُّ مِنَ العَدَالَةِ
فَأَرْتَكِب جَرِيمَة في حقَّ نَفْسي وفي حَقِّ وقتي .
في المَاضي ..
لمْ أُبْصرْ غَيرَ لَونٍ مٌعْدَمٍ ..
قَدْ وَطَأنيَ الحُزْن
وَعَانقَ أَملي السَّراب
والتَحَفَ قَلْبِيَ الألَم
فَمَنْ حَولي ..
يَجْذِفون الطُّهْرَ بِأِراجِيفِ اللسانِ
ويُدَغدغونَ النَّسَبَ بِقُبْحِ الأفعَالِ وَأَسْوءِ النَّوايا.
مُتَملِّقون * مُتَملَّصون ..
جَحَدوا وقدْ نَكَروا الفَضَائِل ..
صَفَعوا الحقِيقَة ألفَ مرَّة , ولَمْ تَزَلْ تِلْكَ الحقيقةِ لاتُزَعْزِعَها الهَوائِل
وَتَقَاذَفَتْ حِمَمُ الجَهَالة القَابِعَة في بُؤَرِ الظلام
أَشْعَلَتْها غيرَةً مِنَ العلمِ الذي يَلْصُفُ نوره ,
بَسَطَ العلمَ يمينه مُصَافِحًا ..
يُنَاشِدُها سَماحَةَ الخاطِرِ لكنَّ الجهَالة تعالت كبرياء
نَوكُ الجَهَالَةِ كَارِثة ..!
سَتُمَسَّدُ الشَّفَقَة على شَعَرَاتِها المُتَمَرِّدة ..
هم كالجهالة عاذلون ,,
ورحى الحياة يمور ,يمور
وتكاتفت أيدي الغموم
فَأرى بِدايةُ مَشْهَدٍ للنَّائِبَاتِ واكفٌ
حَتَمَ القَضاء ..!
نَزَلَ العِقَاب
فَإلى أُتونِ جَهَنَّمٍ ..
لَمْ أَعُدْ أَرْغَب بِقَومٍ نازقين
سَأمُجُّهُم كالمياهِ المالحَة
وَمَنْ ذا الذي يسْتَسيغُ مَذاقَها ؟!
وَكَأنَّ عَيني قدْ تَقَيَّأتِ القَذى بِشَتَاتِهِم
وَأَجْهَضْتُ الشجون .
كَنتُ بالأمسِ ..
بَقايا إنسانٍ هَدَّتْه الجراح
وتَحَطَّمَ مِجْدافُ كبرياءه .
وَصِرْتُ اليومَ إنسانًا ..
إنسانا أعاد بِناء خلاياه وتَجَدَّد نشاطه عندما أَحْسَسْتُ بمولودٍ آخر يَتَحَرَّكُ في أحْشائي
أشتاقه ..
أنتظر خروجه ..
حتى أتى الوقت الذي خرجت فيه طِفْلَةٌ كالبدرِ حُسْنًا وجمَالاً
كُلُّ المواليدِ تصرخَ حالَ خَروجِها إلاَّ مولودتي
تَضحَكْ وَتُنَاغي فأسميتُها ( السَّعادة )
نَعَم السَّعادة طفَرَت حين رأيتكَ ياعزيزي
وبدأ حبُّكَ ينمو بين أضلعي كنبتة صحراوية انبثقت بين الصخور والرمال
فَشرَعتُ اليوم بمسيرةِ حياةٍ جديدة عند بزوغِك يافجري الوضَّاء .
يَاشمسا أشرقت وأطلَّت بثَغْرِها الباسم تَطْرُقُ نافذتي لتمَدَّني بالطاقة
وتُنْعِش جسمي فأشعرُ بأنَّ روحي تَشْغَلُ حيِّزا فلم يَعُد كياني فارغا كما كان .
أَنْتَ قَمَرٌ منير إنِ احلَولك ليلي
وحديثُكَ النديُّ الصَّافي العذب
له وقع كالرِّهام يُبَلِّلُ الزَّهر والشجر
فيبرنشقُ جذلي ..
ويجعلُ قلبي يتراقصُ على سيمفونية الإخاء
يافراشة عبرت أحداقي
وداعبت ربيع أيامي.
أيُّ إنسان أنت ؟
وأيُّ فؤاد يتربع بداخلك ؟
وأيُّ مشاعرٍ تمتلكها ؟!
بل كيف لأحاسيسك أن تكون كنجمة بعيدة لامعة
تسبح في آفاق الكونِ وتشي بالمتعة والغموض ؟
يانسمةَ هواء ضُخَّت في رئتيَّ المنهكتين
لملمتَ أشلائي ..
واحْتضنتني بيديك
وماإن ألقيتُ رأسي على صدرك
حتى شعرتُ بتفاهةِ العالمِ وحقارةِ الدُّنيا
وانبثقت دموعي تُخَضِّلُ الخدود من بهجةٍ وشوق .
أشتمُّ أزكى العبيرِ وأبهى روائحَ المسكِ والعودِ التي تنفحُ منكَ
حتى لكأنَّ حدائق بابل وباحات الأندلس تجول ببالي وتدور بعقلي
فأثْمُل وأنامُ قريرَة العينِ بعد إرهاقٍ طويــــــل .
أتَحَسَّسُكَ بقُرْبي ..
فلا أجِدُ إلا أطياف حُلُمٍ مُعَتَّقَة
أنتَ كقوسِ الرحمنِ في ظرافَتِكَ وَجاذبيتِكَ وإبهاركَ للأبصار
أنتَ جعلتني أُبْصِرُ الألوان
وأمْخُرُ عُبَابَ الحياة والضِّحْكَة على الأشْداقِ.
حتى هذه اللحظة والله
أرى فيكَ براءةُ الأطفالِ ..
وَشَجَاعَةُ الفتيانِ
وَعِلْمُ الكهولِ.
فَأنتَ أجملُ مــافي الحيــــاة ..
ياطائري المرفرف غرِّد ,
فأنا الغُصْنُ الذي يَحْتِويكَ إلى الأبَدِ.
.
.
.
.
.
.
.
مازِلْتُ أَنتَظِر ,
وَعلى العَهْدِ سَأبْقَى .[/CENTER]
بقلم / براءة الجودي
( النظرة الثاقبة )