الشعرُ خبيثه خبيث وطيّبه طيّب. ولستَ به جاهل .. كما قال الاستاذ بهجت ..
ولكنّ الشعر عالمٌ مختلف، عالمٌ جميل واسع، هو للعفوية أقرب، وفيض للشاعرية في موقف أو حادثة، فيصوّرها بأحاسيس شاعر، يغرِفُ من اتّقادِ قلبه وانفعال أحاسيسه وتفجّر مشاعره نحو تلك الحادثة أو الموقف فيصدُرُ الشعرُ شاعراً مملوءاً بالصور البديعة والتوصيف الحسن والأساليب البليغة والحكم العفوية والقويّة، يخرجُ منهُ شيءٌ مختلِفٌ يقوى معنى ومبنى بحسِب شاعرية الشاعر وقوّة ما انفعل فيه وبحسب ما يمتلِكُ من أدواتٍ وبضاعة يترجِمُها شعراً.
الشعرُ ليس صناعةً كما يحدثُ أن يعتقد الكثيرون، وليس تكلّفاً كما يحدثُ أن شاعَ وخطر على عقول الكثيرين من صنّاع الشعر وناظميه، بل الشعرُ حقيقته قوّة شعورية تقدحُها شرارةٌ نحو موقف أو حادثة أو شيء ما سواء كان في داخل الشاعر أو في خارجه، المهمّ أنّها انفعلتْ في داخله فأعطت ترجمة وشعراً.
الشعرُ أغراضٌ مختلفة معبّر عن دواخل الشاعر ومنه العشق والغزل بحكمِ أشدّ ما يأخذ ألباب الرجال النّساءُ، أو العكس شاعرة تنفثُ شيئاً من عشقٍ ومشاعر فاضت في قلبها. ومنه المدحُ وذلك يكونُ من وفاءٍ ومحبّةٍ وتعظيمٍ وإجلال وهو أصدقُ أنواع المدح يأتي من غير تكلّفٍ أو مجاملات ومبالغات. وقد يأتي المدحُ من أجل غرض شخصيّ ومصلحة وطلب لعطاء ومقابل كما كان يُمدحُ الخلفاء والملوك والأغنياء والوجهاء أصحاب النفوذ وغيرهم .. وقد يأتي فخراً وكذلك هذا من أقوى أنواع الشعر وأجمله بحكمِ أنا الإنسانِ وقوّة الدّافع في إثباتها أو المنافحة عنها أو إعلاء عزّتها ردّاً على معتدٍ أو مسيءٍ .. أو رثاءٍ في رثاء الأحباب والأصحاب أو الوجهاء والعظماء أو رثاء لمصلحة ورجاء أخذ مقابل وكلّ ذلك يكون ..
لكن يبقى أجملُ الشعر أصدقه، من حيث الانفعال والمشاعر والدافع إليه، وقال البعضُ كذلك أجملُ الشعر أكذبه ويريدون لا كذب صاحبه في انفعاله بل يريدون بأكذبه مبالغاته وصوره التي تبدو متطرّفةٍ ومبالغة، والخلاصة يمكنُ الجمع بين القولين : أجملُ الشعر أصدقه شعورا ودافعاً وأكذبه صوراً وخيالاً ومجازاً.
والشعرُ لا شكّ أجملُه أصدقه .. فسرّ الشعر في صدق المشاعر والقوّة الدافعة التي تفجّرُ الصور والخيال وتحفرُ آبار الإبداع، وتطلقُ صوراً بكراً ينفثُها الإحساسُ القويّ، الذي يأبى حين يكونُ شديداً إلاّ الغرفَ من بئرٍ بكرٍ جديدةٍ، وذلك ما يسمّونه الشاعرية، والقدرة على الغرف من آبارٍ مستجدّة شاعرة وصور بكرٍ.
هذا والله أعلى وأعلم.