يرفع النظارة يسحبها برفق ينفث فيها يدعكها بذيل قميصه ، يعيدها حيث مكانها الذي تألفه ويألفُها لم يشعر بغربتها يحملها منذ عشر سنين لضعف بصره وكأنها جزء من بدنه ...
بعد أربعين عاماً تسلل فيها الشيب الى مفرقيه وبعضاً من ناصيته وتمازج بياضهُ مع بياض قوائم نظارته الفضية ، ضغط على وسطها بإصبعه يدفعها لتستقر في مكانها ....
يحقق النظر اليها من جديد..
هي نفسها ، لم تكن النظارة لتخدع بصره فقلبه تعرّفَ عليها قبل عينيه ...
هي هي كما كانت فلا يبدو أن مامضى من أربعينياتها قد فعل فعلته معها كما فعلها معه ...
كما هي وكأنني فارقتها ليلة البارحة ، لم يتغير فيها شئ سوى تلك النظارة الأنيقة التي منحتها مزيداُ من الجمال ، ستبدو عيناها الصغيرتين من خلف زجاجها أجمل بكثير وكانها درة في صندوق زجاجي ، مازلت تهتم بأناقتها ، ما يميزها عن بقية النسوة في المكان ...
لقد أحببتها وحبي لها فرقني عنها...! ؛ وأنا الذي أقفلتُ قلبي عليها بينما قلبها كان مفتوحا لغيري ، رحلتُ عنها ولم أعد ؛ فما أقسى أن يكون للمرء وجهين ، ولايميز في مفترق الطريق يسلك أي الوجهتين ...
لكن قلبي مازل مقفلًا دون غيرها وقد ضاعت مفاتحه في حبها...
أي قدر هذا يارب جعلني أراها من جديد ...؟!
تتحدث ممسكة بهاتفها النقال قبل أن تتقدم نحوي لبضع خطوات ... الحمد لله الذي منحني فرصة العمل هنا لأراها من جديد وقد كنت آيس من ذلك ...
أتأملها من خلف نافذة غرفة الأمانات وهي لاتراني ، قلبي ينظر إليها ولا يتنازل عن كبريائه فيطلق العنان لشوقي فيمنحني فرصة جديدة للإقتراب منها ...
أكملتْ محادثتها ، أغلقت الهاتف ، تقدمت نحوي ، ليس سوى خطوات وتلتفي عينيَّ بعيناها ، يارب امنحني الشجاعة كي أستطيع الترحيب بها ... قلبي يتسارع نبضه ويخفق كما كنت قبل عقد من الزمان...
اختبأتُ خلف زجاج النافذة الملون لأستعد لإستقبالها ومازالتْ نافذة إستقبال الهواتف مفتوحة ، جلستُ كموظف محترم يستقبل سيدة ترغب بتوديع هاتفها ... إمتدت يد جميلة ناعمة طرقت سطح مكتبي الموازي للنافذة ، تحمل هاتفا نهضتُ واقتربت منها وقد هزني الشوق وأخذتني رجفة عاشق في العشرين من عمره دفعت برأسي لاكون مواجها لها...
ليست هي !!؟
فتاة جميلة أكملت العقد الأول من عمرها...
- من فضلك ياعم هذا الهاتف أعطيني رقم الإيداع... تلعثم لساني رفعت نظارتي ..تحققت ، لايوجد بقربها أحد ...!
- بنيتي : ولكن سيدة كانت قبلك في الدور لايصح أن تتجاوزيها...
- لقد تجاوزتْ تفتيش النساء وأعطتني هاتفها لأضعه في الأمانات ... خذهُ من فضلك ياسيدي هي تنتظرني ...
شعرتُ بالالم يعتصر قلبي وتهتُ في ندم حرماني من رؤيتها مجددا...
- ياعم من فضلك خذ الهاتف...
- نعم ولكن يجب أن تحضري هوية تعريفية معه..
- نعم تفضل هذه هويتي..
- وضعتُ الهاتف في مكانه المخصص وبلا شعور نظرتُ في هوية الفتاة ..
لقد هدي طولي ماقرأته فيها.!
أسم الام الثلاثي :.......
هنيئا لها ؛ لقد سلكتْ الطريق الصواب...
تزوجت وأنجبت ...
محمد مشعل الكَريشي 8-9-2012